الحُديدة.. لماذا الآن؟.. بقلم: طلال الزعبي

الحُديدة.. لماذا الآن؟.. بقلم: طلال الزعبي

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٥ يونيو ٢٠١٨

بعد أكثر من ثلاثة أعوام على العدوان السعودي الإماراتي على اليمن، يحاول ما يسمّى “التحالف العربي” السيطرة على مدينة الحديدة اليمنية الواقعة على مدخل البحر الأحمر، وتحديداً ميناء الحديدة التجاري المهم الذي أنشأه الاتحاد السوفييتي عام 1961، وهو ميناء كبير قادر على استقبال عدد كبير من السفن التجارية وناقلات النفط.
خلال العدوان استطاعت الإمارات احتلال جزيرة سُقطرى اليمنية الاستراتيجية الواقعة على ممر التجارة البحرية بين دول المحيط الهندي والعالم، وقامت في الثالث من أيار الفائت بنشر 100 جندي في الجزيرة، ولاحتواء الموقف الرافض لذلك قامت مملكة آل سعود بنشر جنود لها في الجزيرة، وذلك بعد سيطرتهما معاً على ميناء عدن الاستراتيجي على باب المندب، وهو ثاني أكبر ميناء في العالم بعد ميناء نيويورك لتزويد السفن بالوقود، يقع على طريق التجارة البحري العالمي، حيث تمر من ذلك المكان آلاف البواخر التجارية بين أوروبا وآسيا فضلاً عن ناقلات النفط القادمة من الخليج إلى أوروبا والأطلسي، وبالتالي يمكن أن نلاحظ أن تركيز العدوان على اليمن كان منصبّاً على الموانئ والجزر ومضيق باب المندب، ما يعني أن هذه السيطرة لا تكتمل إلا بالوصول إلى ميناء الحديدة الاستراتيجي والسيطرة عليه، وهو المتنفس الوحيد للشعب اليمني بعد سقوط ميناء عدن بيد الاحتلال، وإذا ما علمنا أن حدود مملكة آل سعود مع اليمن جنوباً، وتحديداً مع منطقتي حضرموت والجوف، تحوي مخزونات نفطية هائلة، فهذا يقودنا تلقائياً إلى أن هناك محاولة لوصل منطقة الجوف مع البحر الأحمر عبر الحديدة، أي أن العمل يجري حتى الآن على تأمين تواصل بين المناطق التي تسيطر عليها مملكة آل سعود من الجوف إلى الحديدة لتأمين سرقة النفط الموجود في محافظة مأرب عبر ميناء رأس عيسى في محافظة الحديدة، بعد أن تمكّنت الإمارات من سرقة نفط حضرموت عبر ميناء عدن، وهكذا تكون السعودية والإمارات قد تقاسمتا مناطق النفوذ في اليمن، بحيث تسيطر الإمارات على الساحل الجنوبي بكل ما يعنيه ذلك من تحكم بأهم طريق للتجارة في العالم، بينما تتمكّن مهلكة آل سعود من سرقة نفط محافظة الجوف اليمنية وغازها عبر ثاني أكبر ميناء في اليمن، وهذا سيختصر عليها طبعاً تكلفة نقله إلى مدينة ينبع الصناعية مسافة نحو 1500 كم تقريباً، وهذا التقاسم طبعاً لا يضر أمريكا و”إسرائيل” وبريطانيا وفرنسا، التي ثبت دعمها العسكري والدبلوماسي والإعلامي للعدوان، لأن الكيانين الإماراتي والسعودي بالنتيجة هما مجرد جابيي أموال لهم.
لذلك كله، نجد الآن وبعد تأكّد دول العدوان من أن الهجوم على محافظة الحديدة بات محكوماً بالفشل، وأنه لم يعد أمامها سوى محاولة الضغط إعلامياً لصناعة بروباغندا تساعد على تسويق أكذوبة السيطرة على ميناءي الحديدة البحري والجوي، بمساعدة الأمم المتحدة التي دخلت طرفاً مباشراً في هذه اللعبة عند طرح مبعوثها مارتن غريفيث -المولود في عدن- اقتراحاً بتسليم الحديدة لإدارة الأمم المتحدة، وهو طلب في الحقيقة يكرّس احتلال المدينة بتواطؤ مباشر من المنظمة الأممية، وبدفع غربي واضح، حيث ظهر مؤخراً مشاركة قوات فرنسية وأمريكية وبريطانية وصهيونية إلى جانب المرتزقة السودانيين في الهجوم على الحديدة، ما يعني أن الأمر بالنسبة لجميع هذه القوات لا يعدو كونه ارتزاقاً، وهذا الأمر إذا ما تم على وجه الحقيقة، فلن يكون فقط مؤشراً إلى تقسيم اليمن إلى أقاليم، بل سيكون كارثة كبرى على التجارة العالمية، ما يعني أن الصين وروسيا وإيران والهند ستكون في مقدمة الدول التي ستتأثر سلباً بهذا الأمر، أي أن الأمر يتجاوز اليمن إلى التأثير في حركة التجارة العالمية كلها، والسيطرة على منطقة هي من أغنى المناطق في العالم بالكائنات البحرية، ما يعني أن الذي يحدث الآن في اليمن يشبه إلى حد كبير ما تمت صناعته في الصومال قبل نحو خمسة عشر عاماً، مع اختلاف بسيط أن التحكم بالتجارة من الصومال كان تحت مسمّى “قراصنة” كلفوا التجارة العالمية حتى الآن نحو 18 مليار دولار، بينما تقوم الإمارات والسعودية بالدور ذاته تحت مسمّى “اليمن المضطرب المقسم”، بحيث يضيع تماماً الفاعل الحقيقي لهذا الأمر.