الغزو الإسرائيلي لأفريقيا.. بقلم: علي اليوسف

الغزو الإسرائيلي لأفريقيا.. بقلم: علي اليوسف

تحليل وآراء

السبت، ١٦ يونيو ٢٠١٨

يعد التغلغل الإسرائيلي في القارة الأفريقية من أهم القضايا التي شغلت صانعي القرار في الكيان الصهيوني منذ عام 1948 وحتى اليوم، والهدف هو ضرب منظومة العلاقات العربية الأفريقية التي قد تشكّل داعماً للجانب العربي في إدارة الصراع مع العدو الصهيوني.
كانت لهذا التغلغل أنماط وطرق مختلفة خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وبعدها تحول نحو أنماط مختلفة بعد نهاية الحرب الباردة وسياسات القطبية الأحادية، وصولاً إلى تأجيج الصراع الدولي على أفريقيا ونشر الإرهاب فيها، ما يستوجب قراءة موضوعية وعلمية لهذه القضية التي تمكنت “إسرائيل” من خلالها من ضرب الإجماع العربي والأفريقي حول القضية المركزية للعرب، ونعني بها القضية الفلسطينية، كما استطاعت خلخلة العلاقات العربية الأفريقية في جوانب معينة، ولعل السدود التي تبنيها أثيوبيا على نهر النيل خير مثال على الاختراق الذي حدث، وعلى حساب قضايا العرب.
إن استقراء التغلغل “الإسرائيلي” في القارة الأفريقية، والتداعيات التي أفرزتها في المستويين العربي والأفريقي، إضافة إلى إمكانية الرد العربي عليه، تستوجب طرح أسئلة مهمة، من بينها:
هل اعتمد التغلغل “الإسرائيلي” في أفريقيا على جهود السياسة “الإسرائيلية” وحدها، أم عبر التنسيق مع قوى خارجية أخرى؟ وما هي دوافع التمسّك الأفريقي بالعلاقات مع “إسرائيل”؟ وهل مرد ذلك إلى ضعف التعاون العربي الأفريقي، أم إلى عوامل ذاتية تتصل بالكيان “الإسرائيلي” نفسه؟ وما هو دور واشنطن في تعزيز هذا التغلغل؟ وما أهم مناطق التركيز “الإسرائيلي” في أفريقيا؟ وما هي أدوات الكيان؟ وإلى أي مدى يؤثر هذا التغلغل على المصالح العربية؟ وكيف يمكن مواجهته؟.
في الواقع إن أول أمر يجب تقصيه هو تحليل وتقييم البعد التاريخي للعلاقات “الإسرائيلية”- الأفريقية عبر رصد مظاهر القوة ودوائر الضعف، وتحديد مناطق التماس والمصالح المشتركة، وتقييم الاستراتيجية “الإسرائيلية” في بعض مناطق القارة الأفريقية، وبشكل خاص في غرب القارة، والقرن الأفريقي، ودور الراعي الأمريكي.
إذ يتبيّن أن هناك علاقة طردية بين الضغط الأمريكي الفعال على السياسة الأفريقية تحت تأثيرات النظام الدولي أحادي القطبية، وتوطيد العلاقات “الإسرائيلية” الأفريقية، كما أن اعتماد “إسرائيل” على عدة مرتكزات ومداخل جديدة غير تقليدية، في تحركها السياسي والأمني تجاه أفريقيا، انعكس بالإيجاب على حجم وكثافة العلاقات “الإسرائيلية” الأفريقية.
وهناك تفاوت في مدى تأثر الأمن القومي العربي على وجه العموم، طبقاً لاختلاف كثافة النفوذ “الإسرائيلي” في الأقاليم الأفريقية المختلفة، وثمة تأثير كبير لبعض القنوات غير الرسمية في حجم وكثافة العلاقات “الإسرائيلية” الأفريقية، سواء على المستوى الأمني، أو السياسي، أو الاستراتيجي.
إن حجم وتطور العلاقات الاقتصادية “الإسرائيلية” الأفريقية يرتبط بالعائد السياسي لهذه العلاقات، أكثر من ارتباطه بالعائد الاقتصادي.
لقد طرحت “إسرائيل” نفسها أمام الدول الأفريقية على أنها نموذج للدولة النامية، والتي استطاعت أن تتخطى المشاكل نفسها التي تعاني منها الدول الأفريقية، خصوصاً في مجال التنمية، ومن وسائل “إسرائيل” لتكريس التغلغل لجوءها إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع أكبر عدد ممكن من الدول الأفريقية، لهذا تركز الوجود “الإسرائيلي” في القارة الأفريقية في المناطق الاستراتيجية المهمة والحساسة في القارة.
كما حاولت “إسرائيل” بكل الوسائل تنمية إمكاناتها الاقتصادية عبر إقامة علاقات اقتصادية مع الدول الأفريقية، وذلك عن طريق توسيع تجارتها الخارجية، وتنويع أسواقها، سواء في التصدير، أو استيراد بعض حاجاتها، وإيجاد مجالات لاستثماراتها، وتشغيل بعض أموالها في تسهيلات ائتمانية لهذه الدول.
ولعل قيام الولايات المتحدة الأمريكية بإنشاء قيادة عسكرية في أفريقيا، في شهر شباط عام 2007، باسم “أفريكوم”، يكشف مدى تطابق المصالح الاستراتيجية “الإسرائيلية” الأمريكية في أفريقيا، وبخاصة في منطقة القرن الأفريقي الكبير.
ولأجل وضع حد لأدوات وآليات التغلغل “الإسرائيلي” في القارة السمراء، من المفيد وضع استراتيجية التصدي للتغلغل “الإسرائيلي” في أفريقيا تنطلق من:
– تفعيل الدور الأفريقي في الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي الذي أصبح حاجة ملحة، خاصة أن الدول الأفريقية تمثّل قرابة نصف عدد الأعضاء، في كلتا المنظمتين الأخيرتين، نظراً لوجود مكتب لمقاطعة “إسرائيل” في كلتيهما، وهو ما يملأ الفراغ الذي يخلقه ضعف الصوت المعارض لـ “إسرائيل” داخل منظمة الوحدة الأفريقية لغياب مكتب مقاطع مماثل بها، وهو ما يعد مظهراً من مظاهر التأثير الدولي “الإسرائيلي” عليها.
– تأسيس آلية عربية أفريقية مشتركة للأمن الجماعي لمكافحة الإرهاب بين الدول المطلة على البحر الأحمر، تأسيساً على الاتفاقيات العربية لمكافحة الإرهاب “القاهرة 1998″، والأفريقية لمنع ومكافحة الإرهاب “الجزائر 1999″، ومعاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي “واغادوغو 1999”.
– دعم وتعزيز التعاون الاستراتيجي بين دول حوض النيل، والعمل على إجهاض المشروعات “الإسرائيلية” على هضبة الحبشة، وفي باقي دول المنابع.
– إعادة النظر في قوانين المنظمات الإقليمية مثل جامعة الدول العربية، والاتحاد الأفريقي، لأنها أصبحت غير صالحة بالنسبة للمتغيرات، فليس معقولاً للجامعة العربية التي نشأت في ظروف الأربعينيات أن تواجه تطورات المواقف القطرية والإقليمية والدولية في القرن الحادي والعشرين، وكذلك الحال مع الاتحاد الأفريقي.
اهتمام “إسرائيل” بالقارة السمراء، ومساعي الغزو “الإسرائيلي” لدول القارة ليست بالأمر الجديد أو الغريب، والدبلوماسية “الإسرائيلية” لهذا الكيان المحتل لا تعترف بالمستحيل، بل هي تطمح إلى الفوز بصفة العضو المراقب في الاتحاد الأفريقي، وتعول على دعم عدد من الدول الأفريقية بينها توغو.
ولعله من المهم الإشارة إلى أن رئيس فاورا غناسينغبي هو الرئيس الحالي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “ايكواس”، والذي يقود حملة لصالح “إسرائيل” تحت غطاء مكافحة الإرهاب، متجاهلاً بذلك أن “إسرائيل” تقود إرهاب الدولة الذي تقترفه قوات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة.
إن دخول الكيان المحتل في القارة الأفريقية ستكون له تداعياته لا على القارة السمراء فحسب، ولكن أيضاً على منطقة الشرق الأوسط، لأنها ستكرس لمنطق شرعنة الاحتلال ودعم واحد من أسوأ وأخطر أنواع الاحتلال المستمر في العالم في تحد صارخ لكل قرارات الشرعية الدولية، وهو ما سيعزز تلك القناعة السائدة بأن الأمم المتحدة وقوانينها، سواء ما ارتبط بالجمعية العامة، وهي القرارات غير الملزمة، أو بمجلس الأمن، والتي تعد قرارات ملزمة، لم تعد تعني شيئاً بالنسبة للدول الواقعة تحت الاحتلال، وأنه آن الأوان بالتالي لإعادة النظر في قوانين الشرعية الدولية وما ارتبطت به من أهداف لتكريس الأمن والسلم في العالم، حيث يتضح أن تلك القوانين لم توضع لفائدة المستضعفين، وهو ما يعني بالتالي ضرورة الانصراف للبحث عن البدائل التي يمكن أن تخدم القضية الفلسطينية التي لفها النسيان، وغابت عن المنابر الإقليمية والدولية، وساعد بالتالي حكومات الاحتلال المتعاقبة على التمدد والانتشار، وتحصين مواقعها وقواعدها، والاستفادة من هذا التراجع والفراغ الحاصل لفرض واقع إقليمي ودولي جديد تساهم الدول العربية والإفريقية في تكريسه بتشتتها وضعف إرادتها، ولكن، وهذا الأهم، بغيابها نتيجة انشغالها بصراعاتها وأزماتها التي لا تنتهي، والتي سوقت لـ “إسرائيل” بتنفيذ مخططاتها.
العلاقات “الإسرائيلية” الأفريقية ليست أمام سيناريو 2014 عندما اضطر الوفد “الإسرائيلي” لمغادرة القمة الأفريقية أمام ضغوط واعتراض الوفود العربية الرافضة لوجود وفد يهودي، وفي انتظار ما ستؤول إليه الوقائع يظل المشهد على درجة من الغموض، ففيما تواصل “إسرائيل” التأكيد على قدرتها على الاستفادة من كل الأزمات والأوضاع لفرض موقع قدم لها، تظل الأطراف المعنية بالصراع الفلسطيني “الإسرائيلي” عاجزة عن الاستفادة من كل التجارب التي مرت بها لتفعيل سلاح الإعلام والدبلوماسية لصالحها، فتعجز وهي صاحبة الحق والطرف الأكثر عرضة للظلم ولكل الممارسات القمعية والانتهاكات التي تحدث تحت أسماع وأنظار العالم في حق المدنيين من نساء ورجال وأطفال يتعرّضون للحصار ويسلبون حقهم في الحياة والكرامة والسيادة، وفي المقابل تحرص سلطات الاحتلال على الظهور بمظهر الضحية، وتجد لها من الدعم والمساندة من الشرق والغرب ما يجعلها محصنة من كل محاسبة، ما يشجعها على التمادي والتطاول والإصرار على مواصلة مخططات الاحتلال والمصادرة والتهويد والتهجير وتحويل المدن والقرى الفلسطينية إلى سجون لأهلها.
تحت شعار “إسرائيل تعود إلى أفريقيا وأفريقيا تعود إلى إسرائيل”، يخوض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ سنوات دون كلل أو ملل حملة اجتياح هادئة في القارة، أحد أهدافه الرئيسية التي استفاد فيها من الحروب والصراعات الدموية العربية العربية، هو الترويج لتحالف “إسرائيلي” عربي مع دول الخليج لقطع الطريق أمام قوة إيران النووية، والمراهنة على انقسام السودان بانفصال جنوبه عن شماله ليحتضن هذه الدولة الفقيرة الناشئة، ويغري قياداتها التي استنزفت دماء السودانيين في صراعات أصابت الشعب بالجوع والتخلف والتشرد بمكاسب متعددة من تحالفها مع “إسرائيل” التي ستأتي إليها بخبرائها في مختلف المجالات لزراعة أراضي جنوب السودان، والتنقيب عن مكمن الثروات الباطنية لهذا البلد الذي يدفع ثمن السياسات التي جعلت السودان لا يعرف الاستقرار.
التغلغل “الإسرائيلي” في أفريقيا مستمر، وهدفه، بالإضافة إلى تموقع “إسرائيل” في القارة، السيطرة على ثرواتها بدعوى امتلاكها أي “إسرائيل” للطاقات البشرية والكفاءات العلمية في مختلف المجالات، والتي ستساعد دول القارة على النهضة، والتخلص من فقرها وتخلفها، وتحويل مزارعها القاحلة إلى أراض مثمرة!!.