واشنطن “اللئيمة”؟.. بقلم: راجح الخوري

واشنطن “اللئيمة”؟.. بقلم: راجح الخوري

تحليل وآراء

الأحد، ٣ يونيو ٢٠١٨

“أودّ ان أطلب من كل واحدٍ منكم ان يكون لطيفاً كل يوم مع شخص آخر… نحن في مدينة قد تكون لئيمة للغاية”!
بهذه الكلمات ودع ريكس تيلرسون وزارة الخارجية الأميركية، وسط تصفيق من جمهرة من الموظفين الذين حضروا حفل وداعه، وفي داخل كل منهم إحساس بالقلق والحذر من ان تلقيهم واشنطن “اللئيمة” خارجاً!
لكن المدن ليست لئيمة إطلاقاً، وأنا أعرف واشنطن جيداً فهي مدينة رائعة ووديعة ومثالية، على رغم أنها كعاصمة للامبراطورية الأميركية، مثّلت دائماً في نظر خصومها وأعدائها مركز القرارات اللئيمة، التي لم تعجب الكثيرين في هذا العالم المتشابك.
المدن ليست لئيمة، الذين يديرونها قد يصنعون القرارات اللئيمة، مثل دونالد ترامب الذي ألقى تيلرسون رئيس مجلس الإدارة السابق لشركة أكسون موبيل، خارجاً وبطريقة فظة خالية من اللياقة والديبلوماسية، عندما أقاله من غير ان يكلّف نفسه مقابلته، لكننا في النهاية مع الرئيس الذي سيدخل التاريخ من بوابة المطرودين من البيت الأبيض، بمعنى أنه أكثر زعيم ألقى بعشرات من السياسيين والموظفين الذين كانوا الى جانبه، كما تلقى الدمى عن الرفوف: أنت مطرود!
لم يكن تيلرسون الهادئ والمتحفّظ على دهاء سياسي، هذا رجل جاء من عالم النفط والشركات والإتفاقات التي تقوم على وضوح الأرقام، الى عالم يقوم على الدهاء والمكر والخديعة، فكيف اذا أضيف الى كل هذا المزاج الشخصي المتسرّع للرئيس في أحيان كثيرة؟
ربما لهذا لم يتردد تيلرسون في توجيه سهام إنتقاداته الى ترامب من غير ان يسميه، عندما ندّد بما سمّاه “أزمة متنامية في الأخلاق والنزاهة في الحياة السياسية الأميركية”، على رغم كل شعارات واشنطن عن الحريات وإحترام حقوق الإنسان والعدالة والإستقامة، لكننا في الواقع مع رئيس يهوى التغريد عبر “تويتر” ويكاد ان يدير اقوى دولة في العالم، عبر أسطر أو كلمات يغرّد بها، كما كان الأمر في اقالة تيلرسون وغيره من كبار موظفي الإدارة الأميركية!
يقول تيلرسون محذراً إن الأميركيين ان لم يواجهوا أزمة الأخلاق والنزاهة التي يعانيها قادتنا في القطاعين العام والخاص، فإن الديموقراطية الأميركية التي نعرفها ستدخل سنوات إنحطاطها، وقد نتحول الى دولة قمعية مثل الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، وان الأميركيين يتحملون مسؤولية مواجهة القادة الذين يضللون الرأي العام ويروجون الحقائق التي لا تقوم على الوقائع!
تيلرسون الذي اختلف مع ترامب على إيران وكوريا الشمالية، يأتي في آخر قائمة المطرودين، وكان عليه مثلاً ان يتأمل جيداً في مزاج الرئيس الذي استدعاه لقيادة الديبلوماسية الأميركية الصعبة والمعقدة، ليس بسبب طبيعة العلاقات الخلافية بين أميركا وعدد كبير من الدول فحسب، بل بسبب عشوائية قرارات ترامب التي تحرج أقرب المقربين إليه.