حقيقة «الفاعلين ما دون الدولة».. بقلم: أنس وهيب الكردي

حقيقة «الفاعلين ما دون الدولة».. بقلم: أنس وهيب الكردي

تحليل وآراء

الأحد، ٣ يونيو ٢٠١٨

منذ سنوات والجدل الأكاديمي حول ماهية القوى صاحبة التأثير في العلاقات الدولية لا يهدأ، الجدل أكثر ما يدور حول ما يسمى «الفاعلين ما دون الدولة»، مثل حركة حماس، حزب اللـه، جبهة النصرة، تنظيم داعش، وحدات حماية الشعب، مجموعات «الحشد الشعبي» العراقية، حركة طالبان، تنظيم القاعدة، حركة أنصار اللـه، الجيش الجمهوري الإيرلندي، منظمة «أيتا» الباسكية.
يعتبر بعض الكتاب أن هؤلاء الفاعلين يتمتعون بأدوار تفوق أدوار دول، وأن ما ينطبق على الدول ينطبق عليهم من حيث القوة والحسابات العقلانية المستندة إلى مصالح الأمن القومي، على حين لا يقيم منظرون آخرون في العلاقات الدولية أي وزن لهذه القوى معتبرين أن الدولة فقط هي الفاعل في النظام الدولي، وجاءت سنوات الأزمة السورية السبع الماضية، لتلقي أضواء كاشفة على حقيقة قوة وأدوار هؤلاء الفاعلين، ولتبين حقائق معينة بخصوص هذا الجدل.
إن هذه الحركات نادراً ما تستند إلى عوامل قوة حقيقية نابعة من ذواتها، فهم لا يملكون اقتصاداً حقيقياً أو موارد مهمة، وإن امتلكوا مثلها، فهم أعوز ما يكونوا إلى تصريف منتجاتهم، وإذا كان الوضع كذلك، فهؤلاء الفاعلون مضطرون إلى التحالف أو على الأقل، التعاون الكثيف، مع دولة إقليمية أو كبرى، تتولى دور «الأم الحنونة» بالنسبة إليهم، تتولى مدهم بمختلف حاجاتهم عبر خطوط إمداد لوجستية ومالية، وعادة ما تتم رعاية هذه العلاقات وتنميتها من أجهزة استخبارات تلك الدول، فالنموذج واحد وإن اختلف الفاعلون ضمن هذه الفئة في غاياتهم وأدوارهم وحجم القوى التي يظهرونها.
على سبيل المثال، حركة طالبان الأفغانية، التي تتمتع بدعم ثابت من استخبارات الجيش الباكستاني، وسط اتهامات أميركية لقوى إقليمية ودولية بدعم هذه الحركة لمواجهة الوجود الأميركي في أفغانستان، حيث تمر خطوط إمداد الحركة من منطقة القبائل في باكستان الملاصقة لأفغانستان، وهي تحمل السلاح والأموال وغيرها، ولعل مصير أفغانستان، هو العامل الذي عزز سابقاً العلاقات ما بين الرياض وإسلام أباد ضد الاتحاد السوفيتي في الثمانينيات من القرن الماضي، ثم عاد وفرق بينهما في السنوات الماضية، موحداً بين الباكستانيين والإيرانيين في مواجهة الأميركيين.
لا تملك حركة طالبان الكثير من الموارد باستثناء الزراعة، وتشير اتهامات أميركية إلى أن الحركة تمول نفسها عبر زراعة وتجارة المخدرات.
تنطبق الحال مع حركة حماس، التي تأتي بتمويلها من قوى إقليمية متنوعة، لكن السلاح يأتي من إيران، وله خط إمداد عبر السودان ومصر، وتشكل التجارة عبر الأنفاق موردها المالي المستقل الوحيد، وتأثرت إمدادات حماس من دون شك بتراجع العلاقات السودانية الإيرانية، وبتشدد مصر المتزايد بخصوص التهريب عبر سيناء إلى قطاع غزة.
في سورية، شكل الدعم الاستخباراتي الكثيف الرافعة التي مكنت تنظيمات مثل النصرة وداعش من الصعود والارتقاء إلى لاعبين خلال الأزمة، مع تقطع هذا الدعم سواء نتيجة تدخل واشنطن ضد داعش في العراق أو روسيا ضد جبهة النصرة في سورية، وتراجع هذان التنظيمان ميدانياً وفي حالة داعش خبا إلى حد بعيد، وتشكل معركة عفرين مؤشراً شديد الوضوح على عدم تناسب القوى ما بين دولة ما وتنظيم مسلح مدرب ومجهز بأفضل الأسلحة إذا جرى قطع الإمداد عن هذا الأخير، مثل ما جرى مع مسلحي «وحدات حماية الشعب» الكردية.
لعل التجربة الأكثر أهمية من بين تجارب «الفاعلين ما دون الدول»، هي تجربة منظمة التحرير الفلسطينية والمنظمات الفلسطينية الأخرى في سبعينات وثمانينات القرن العشرين، ولقد بلغت هذه القوى شأواً عظيماً في التأثير على اللعبة الدولية والإقليمية، ومارست أدواراً مهمة في طول المنطقة وعرضها، لكن ثبت لاحقاً، أنها لم تكن أكثر من أدوات لمختلف القوى الإقليمية والدولية، جرى تغذيتها استخباراتياً للقيام بمهام محددة وبناء على استراتيجيات وسياسات تلك القوى.
يظهر الموقف الحالي لمنظمة التحرير الفلسطينية والمنظمات الفلسطينية العريقة المآل الذي تصير إليه الحركات ما دون الدولة إذا ما افتقدت الدعم الخارجي أو لم تتحول إلى دولة أو سيطرت على دولة ما، ربما وعى أمير تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، هذا الملمح القاتل لـ«الفاعلين ما دون الدول»، وهو الذي لطالما انتقد تنظيم «القاعدة» لشنه حرب عصابات من دون السعي إلى كسب الأرض، لذلك سعى إلى بناء دولته بالحديد والنار والإرهاب.