لهذا انتصرت غزة.. بقلم: محمود ريا

لهذا انتصرت غزة.. بقلم: محمود ريا

تحليل وآراء

السبت، ٢ يونيو ٢٠١٨

يمكن إدراج الكثير من المؤشرات التي تؤكد أن غزة انتصرت في المواجهة الأخيرة مع الاحتلال الصهيوني. هناك الكثير من العلامات التي تدل على ذلك، منها المادي ومنها المعنوي.
قد يتحدث البعض عن مسارعة الاحتلال للمطالبة بوقف “التصعيد”، ومن ثم العودة للالتزام بالخطوط الحمراء السابقة.
قد يشير آخرون إلى ما ورد في وسائل إعلام العدو من شتائم للحكومة الصهيونية، ولا سيما لنتنياهو وليبرمان، اللذين توعدا بإنهاء المقاومة في فلسطين، فإذا بهما يلوذان بالصمت ويلتزمان بالتهدئة.
وقد يتوقف البعض عند عدم وقوع إصابات في صفوف المواطنين والمقاومين الفلسطينيين في هذه الموجة من التصعيد، مقابل إصابة عدد كبير من الجنود والمستوطنين الصهاينة بجروح وبالهلع والانهيار.
وقد وقد وقد.. فهناك الكثير من المعطيات التي تؤكد أن غزة انتصرت وسجلت صفحة مضيئة أخرى في مواجهتها للاحتلال الصهيوني.
وكل ما ورد صحيح ودقيق، وهناك المزيد.
ولكن هناك نقطة لافتة لا بدّ من التوقف عندها والتأكيد عليها واتخاذها كدليل، ليس فقط على انتصار غزة، وإنما أيضاً على كون انتصارها واضحاً وجلياً وناصعاً ولا تشوبه أي شائبة. هي نقطة تدخل في عمق القضية الفلسطينية، وفي قلب معناها، وتشكل الضمانة لبقاء هذه القضية حية ومتوهجة وعصيّة على الفناء والاندثار.
إنها روح المقاومة.
هذه الروح هي التي دفعت عشرات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين إلى ساحات المواجهة مع العدو عند الخط الفاصل بين الأرض المحاصرة في غزة والأرض المحتلة في محيطها، ليقدموا أروع صور الصبر والصمود والتضحية، ويقدموا آلاف الشهداء والجرحى، دون أن يتراجعوا أو يتكاسلوا أو يتخاذلوا.
وهذه الروح هي التي دفعت آلاف المقاومين ليكونوا في لحظة الحسم في ميادين الجهاد، ليطلقوا مئات الصواريخ على مغتصبات العدو وأماكن تجمع جنوده، فيوقعوا فيهم الإصابات المتعددة ويجبروهم على اللجوء إلى الملاجئ، ويزرعوا الرعب والخوف في صفوفهم، دون تفريق بين العسكري الذي يلبس بزته والعسكري الذي يتلطى بعناوين مدنية.
وهذه الروح هي التي أعطت قيادة المقاومة القدرة على اتخاذ قرار المواجهة، ورفض السماح للعدو بفرض معادلات جديدة، تكون له فيها اليد العليا، فيضرب ساعة يشاء، أينما يشاء، بلا رقيب ولا حسيب، في حين تقف فصائل المقاومة مكتوفة الأيدي، مغلولة الإرادة، خوفاً من “الرد الإسرائيلي”.
إنها روح ولّدتها عقود من السير على طريق رفض الظلم ومقاومة المحتل والأمل بالنصر، ترفدها قرون من المبادئ والقيم والمثل العليا، جسّدها عمالقة كانوا دائماً يرفعون شعار رفض الذل وعدم الخضوع أمام البغي.
هي روح نابعة من حبّات التراب، ومجبولة بقطرات ماء هذه الأرض، وتتنفس هواء هذه البلاد، روح يعجز العدو عن فهم كنهها أو تفكيك رموزها أو التعامل معها.
هذه هي روح الأمة التي تقف إلى جانب أبناء غزة، وشباب فلسطين، في خط المواجهة في القطاع، وفي القرى والبلدات في الضفة، وفي المدن الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1948، وفي مخيمات الشتات من أقصى الأرض إلى أقصاها.
هذه الروح شهدنا بقاءها على قيد الحياة، تنفض عنها الغبار مرة بعد مرة، وتزيل عنها كل رَين وزغل وشائبة، محفوظة من كل انحراف أو تيه، ومركّزة على العدو الأساس، على الكيان الصهيوني الغاصب.
نعم، هذه هي الروح التي أعطت غزة الانتصار والتحرير في الماضي، والتي تعطيها القدرة على الصمود في وجه العدوان والعزل والحصار اليوم، والتي ستقدم لها غداً تاج الحرية الكاملة، هي وفلسطين، كل فلسطين.
وبسبب هذه الروح انتصرت غزة، وبسبب جهل العدو لها ولمكوّناتها ولما ينتج عنها ستبقى منتصرة، وستقود الشعب الفلسطيني من إنجاز إلى إنجاز، حتى النصر.
.. وإنها لثورة حتى النصر.