روائع الشتائم!.. بقلم: خالد القشطيني

روائع الشتائم!.. بقلم: خالد القشطيني

تحليل وآراء

الأحد، ٢٧ مايو ٢٠١٨

للشتائم بلاغاتها. حدثني مؤخراً أحد أصدقائي فقال إنه وجد سائقي التاكسي والعربجية في عالمنا العربي من أبرع الناس فيها. تسمع منهم أروعها وأقذعها كلما تعطلت مركباتهم أو هرب الراكب ولم يدفع حقهم. قال صديق آخر، بل والبناءون أبرع الناس في الشتم كلما وقع عليهم حجر أو تأخر العمال في جلب الإسمنت أو الكلس، أو خرب القالب. بالطبع تنهال الشتائم في هذه الأيام على الإذاعات والفضائيات التي لا تتفق وإياها بالرأي أو تشجع الإرهابيين بنحو ماكر. سألوني فقلت هذا كله صحيح، ولا سيما من يشجعون الإرهاب باسم الوطنية أو الدين. ولكن أروع ما سمعته من الشتائم كان من جمهور السينما عندما كان عامل الترجمة يتأخر في تمشية شريط الترجمة. الترجمة الآن مطبوعة على الفيلم وتجري معه. ولكن في أيام زمان كانت تظهر على شاشة صغيرة بجانب شاشة الفيلم ويفترض أن تجاريه. كان هناك عامل خاص مسؤول عنها يلاحق الفيلم من فانوسه السحري. ولكنه كان معرضاً إلى الملل والسهو والإهمال. ينتابه أحياناً النوم أو يزوره صديق وينشغل به. أو تمر امرأة جميلة تستحوذ على انتباهه، فينسى تغيير الترجمة ويضيع الحوار على الجمهور. وتعال الآن واسمع صراخهم وشتائمهم على عامل الترجمة الذي أغفل متابعة الفيلم.
أتذكر فيلماً غرامياً وصل لمشهد زواج البطل بحبيبته. وقف القس أمامهما في الكنيسة المهيبة وإذا به يقول: «يا حقير، الحق عليّ أن سلمتك شرفي وبكارتي»، ثم التفت إلى العروس وقال: «يا ساقطة يا بنت الـ…». احتجنا لبضع ثوان لندرك أن هذا الحوار على الترجمة يعود لمشهد سابق، مشهد مخانقة بين البطل وامرأة أخرى. فدوّت السينما بالصراخ والشتائم على مسؤول الترجمة. ولك ترجمة! ترجمة! يا حسقيل! يا…
كان حسقيل قد خرج ليأتي بساندويتش وترك تحريك شريط الترجمة. ما إن عاد لمكانه حتى أسرع إلى تحريكه بسرعة بحيث لم يعد بإمكاننا قراءته فعادوا إلى كورس الشتائم بأعلى صوتهم، «ولك حسقيل يا ابن الـ…»، وبالطبع نسي هو أيضاً تسلسل الفيلم. فإذا بنا نقرأ حوار مشهد لم يقع بعد! «حسقيل يا …، يا ابن الـ…».
كان معظم مشغلي الترجمة من النصارى واليهود بسبب معرفتهم باللغة الإنكليزية. والمسلم الذي اشتغل معهم ضاع بينهم فتعرض لنفس السيل من الشتائم. في إحدى هذه النوبات كان المترجم كردياً وصل إلى بغداد مؤخراً ولم يتأقلم بعد على اللهجة البغدادية. فما انهالت عليه الشتائم حتى أطفأ الجهاز وخرج ليرد على شتم الجمهور بشتم كردي. أدى ذلك إلى ملاسنة لغوية. شمر البعض من الموقع الرخيص سواعدم ليهجموا على المترجم ولكنهم لم يعرفوا أين هو فراحوا يتراكضون من موقع إلى موقع وأفواههم تتدفق بالشتائم. وفي أثناء ذلك ضاعت الترجمة على الجميع فانطلقوا يكسرون المقاعد غضباً بينما خف صاحب السينما ليحمي المترجم الكردي. «أنا الغبي! أجيب واحد كردي ليقوم بشغلة يهودي»!
 
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ