رســـــائل سوتشــــــي المختومــــــة .. وقـــــراءة ســـــطور المرحلـــــــة

رســـــائل سوتشــــــي المختومــــــة .. وقـــــراءة ســـــطور المرحلـــــــة

تحليل وآراء

الأحد، ٢٠ مايو ٢٠١٨

عبد الحليم سعود
 
نحو تعزيز مسيرة التحالف السوري الروسي الاستراتيجي في مواجهة ومحاربة الارهاب، والسعي لاستثمار الانتصارات العسكرية الكبيرة التي حققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه في هذا المجال
 
وتحويلها إلى إنجازات سياسية توازيها وتعادلها كماً ونوعاً، شهد منتجع سوتشي الروسي على البحر الأسود الخميس الماضي لقاء قمة تاريخي بين الرئيس بشار الأسد ونظيره الروسي فلاديمير بوتين،‏ جرى فيه بحث مجمل التطورات على الساحة السورية وسبل تطوير وتعميق التعاون الثنائي على جميع الأصعدة، وبما ينعكس إيجاباً لمصلحة الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.‏
 
اللافت في القمة لجهة مكان انعقادها، أن مدينة سوتشي الروسية باتت عنواناً لمسار سياسي خاص بالحوار السوري السوري الساعي لحل الأزمة في سورية له ما بعده من استحقاقات قادمة تبحث في أوانها، أما من حيث التوقيت فقد أعقبت زمنياً جملة من الانجازات العسكرية المهمة للجيش العربي السوري في مواجهة الجماعات الارهابية سواءً في غوطة دمشق الشرقية أم منطقة القلمون الشرقي وكذلك في ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي، نجم عنها خروج عشرات آلاف الإرهابيين وعائلاتهم من هذه المناطق لتعود إليها في المقابل مؤسسات الدولة الرسمية الأمنية والخدمية تمهيداً لعودة مئات الآلاف من الأهالي المهجرين نتيجة إرهاب الجماعات المسلحة إلى بيوتهم وأعمالهم وأرزاقهم.‏
 
وفي التوقيت أيضاً أن القمة جاءت مباشرة بعد جولة تاسعة من مسار آستنة المتعدد الأطراف بشأن الحل السياسي في سورية، وقد حملت العديد من الرسائل على المستوى السياسي والعسكري فيما يخص الأزمة السورية من بينها أنّ الحليفين الروسي والسوري قد اتفقا على تنسيق أعمق في مجال مكافحة الإرهاب وهي نقطة مهمة جداً، كون الجيش العربي السوري يتقدم بشكل متسارع في هذا المجال ويقترب شيئاً فشيئاً من القضاء على ما تبقى من إرهابيين في سورية مدعوماً بدور فاعل جداً بالقوات الجوية الفضائية الروسية، مع استعداد أكبر للتوجه نحو حسم الوضع الميداني في مناطق جغرافية أخرى باتت العين العسكرية عليها، وخاصة محافظة إدلب التي تعاني من وجود كثيف للإرهابيين، حيث الصراع الدامي بينهم على أشده بسبب اختلاف الأجندات والرعاة والمشغلين، وحيث الاختلاف الدولي على أشده فيما يتعلق بتصنيفهم ما بين (معتدل) ومتطرف، رغم هيمنة جبهة النصرة المصنفة على لوائح الارهاب العالمية وحلفائها على معظم المنطقة، الأمر الذي يحتاج إلى تنسيق أعمق وأكبر بين سورية وروسيا في مجال مكافحة الإرهاب.‏
 
ومن بين الرسائل السياسية ثمة رسالة بالغة الأهمية موجهة إلى الدول المعتدية على السيادة السورية والتي لا تزال تحتفظ بوجود عسكري غير شرعي على الأراضي السورية، حيث أكد الرئيس بوتين على ضرورة سحب هذه القوات وهو بلا شك يقصد القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها من فرنسا وبريطانيا، لأن وجودها يمسّ بالسيادة السورية ويضربالعملية السياسية الجارية، عدا عن كونه يعطل جهود مكافحة الارهاب ويساهم في إفشالها، ولاسيما في الشمال السوري وفي منطقة التنف بالبادية السورية.‏
 
من الرسائل المهمة أن العملية السياسية في سورية ماضية نحو تحقيق أهدافها بالتوازي مع محاربة الارهاب، وان مسار سوتشي سيشهد استئنافاً وتنشيطاً جديداً مبني على ما تحقق في المؤتمر الذي جرى بداية العام، رغم تشكيك بعض الجهات بجدوى انعقاده، وقد أكد الرئيسان خلال القمة أن الحديث عن فشل مسار سوتشي غير واقعي وغير صحيح لأن النتائج التي تمخضت عنه لجهة مناقشة دستور جديد للبلاد أسست لعميلة سياسية فعلية، في ظل الجاهزية السورية لإرسال مندوبين عن الحكومة لتشكيل لجنة صياغة أو تعديل للدستور والانتقال فيما بعد للعملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف، حيث أعيد التأكيد على دور المبعوث الأممي ستيفان ديمستورا في تنسيق الأعمال الخاصة بصياغة دستور جديد لسورية.‏
 
من القضايا المهمة التي جرى بحثها في القمة والتي تؤشر إلى ثقة الطرفين الكبيرة بالمستقبل واقتراب سورية من مرحلة التعافي من أزمتها السياسية هي مسائل التعاون الاقتصادي بين البلدين والدور الذي ستلعبه الشركات الروسية الساعية للاستثمار في سورية في مختلف المجالات، والخطوات اللازمة لدفع المزيد من الشركات للاستثمار والمشاركة في إعادة اعمار ما هدمته الحرب.‏
 
ثمة أكثر من قضية حساسة إما أُجّل البتّ فيها أو أنها نوقشت ولم يتم الإعلان عن ذلك، منها ما يتعلق بالاحتلال التركي لمنطقة عفرين، واستمرار الاعتداءات الصهيونية على السيادة السورية، وكذلك مسألة تسليم سورية لصواريخ إس 300 للدفاع الجوي، غير أن ذلك لا يقلل من أهمية القمة في توقيتها ودلالاتها حيث يمكن وصفها بقمة المنتصرين على الارهاب.‏
 
وإضافة إلى ذلك يمكن القول إن قمة الأسد بوتين عبرت بكل وضوح عن عمق التحالف الاستراتيجي القائم بين سورية وروسيا الاتحادية سياسياً وعسكرياً، ورغبة الحليفين في تطوير علاقاتهما في جميع المجالات، والسعي لتضافر جهودهما المشتركة في مجال مكافحة الإرهاب، كما عكست تناغماً كبيراً في النظرة إلى طبيعة الحل السياسي المنشود للأزمة، وكيفية صرف نتائج الانتصارات الميدانية على المسارات التفاوضية.‏