نصر الله وثقافة الإنجاز.. بقلم: روزانا رمال

نصر الله وثقافة الإنجاز.. بقلم: روزانا رمال

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٨ مايو ٢٠١٨

شكّل خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله أمس، محطة اساسية في متابعة نتائج الانتخابات النيابية بعد أن ألمح في قراءته الى انتصار كبير على مستوى حماية خيار حزب الله المتمثل بضمان حاضنة تحتوي موقفه السياسي والعسكري من الاستراتيجية الدفاعية والسلوك السياسي المحلي عبر فوز كبير لمن أسماهم حلفاء وأصدقاء وشركاء بالتالي فإن الموقف العام من النتيجة يتمثل برضى واضح عن نتائج دورة 2018 التي تأتي بالنسبة لحزب الله بصدارة الاستحقاقات بعد خيارات الحرب التي تفرض عليه من العدو الأساسي بالنسبة اليه.
 
وعلى أن الانتخابات هذه تشكل فرصة للاخذ بالثأر من نتائج انتخابات عامي 2005 و2009 الا انها عملياً شكلت نتيجة انتخاب ثنائية أتت بمرحلة واحدة وبدورة واحدة أمنت انتقالاً فورياً من اكثرية نيابية مؤيدة للولايات المتحدة الأميركية ومشروع الخليجيين في لبنان الى اكثرية نيابية يمكن القول بحدنها الأدنى بعيدة كل البعد عن المشروع الأميركي تحفظ لحضورها هامشاً من الخيار المستقل القادر على الالتزام بتحالف عريض مع حزب الله في المجلس النيابي، فتصير الهوية السياسية لبرلمان 2018 حالة سياسية تمثل انتصاراً لخيار حزب الله محلياً.
 
معروف أن الانتخابات النيابية اللبنانية تتأثر بقوى تصنع الخيار المحلي من دون أن يكون هذا الاعتبار خافياً على الناخب اللبناني، لكن بحالة حزب الله فإن لوقع مشاركته بالقتال في سورية وبالحرب الممتدة من دمشق حتى صنعاء عملياً ونفسياً ولتحالفاته الممتدة لخارج الحدود من موسكو لطهران أسست لجعله قوة سياسية مؤثرة بالحدث الإقليمي ما شكّل لأول مرة قدرة على تجييرها محلياً عبر قوة حزبية لبنانية لا العكس. فالتأثير بالحدث الخارجي ودور حزب الله الذي كان حاسماً في محافظات سورية عديدة جعله قادراً على فرض خياراته المحلية من دون انتظار حل الملفات الإقليمية فصار الملف اللبناني منفصلاً عن طاولة المفاوضات التي طال انتظارها والتي تستفيد القوى المتصارعة من استنزاف ملفاتها لصالح التأثير على القوى المشاركة أو المقاتلة. الأمر الذي قد يأخذ الأمور الى ما لا نهاية في ما يتعلق بالملفات الداخلية للمعنيين.
 
نجح موقع حزب الله الحاسم في الصراعات الإقليمية بفصل الملف اللبناني عن حلول المنطقة فوصل مرشحه ميشال عون إلى سدة الرئاسة مع صفقة كاملة تمثلت بتصويت حلفاء حزب الله لسعد الحريري رئيساً للحكومة واستمرت الملفات وتتابعت الحركة السياسية المحلية حتى وصول موعد الانتخابات النيابية التي أضحت واقعاً ملموساً يقاس به التحوّل لصالح حزب الله وحلفائه بالمنطقة بدون التخفّي وراء حسابات وشعارات محلية لم تكن يوماً شعار الحزب الصرف الذي ينبثق وجوده من حيثية اقليمية أساساً تتمثل بالصراع العربي الإسرائيلي الذي يشمل بايديولوجية الحزب قتال «اسرائيل» أينمت تجسد مشروعها أصيلاً كان أو وكيلاً دفاعاً عن الحدود اللبنانية.
 
نتيجة حزب الله التي حققها بالمجلس النيابي الجديد أقلقت المسؤولين الإسرائيليين ورسمت علامات استفهام كبيرة لامست حد الانتصارات العسكرية التي حققها في انتصار تحرير الجنوب عام 2000 الذي وفّر للحزب تعاطفاً شعبياً كبيراً سمح له بوجود الرئيس الأسبق اميل لحود لبناء استراتيجية عرفت بالعصر الذهبي للحزب في ذلك الوقت ومقارنة مع رئيس مؤيد للحزب بل أبعد من ذلك «حليف»، فإن العصر الذهبي نفسه قد يلوح بأفق المعادلة مجدداً. الأمر الذي أكد عليه امين عام الحزب وهي أول إطلالة له بعد إعلان النتائج أن ما تأمن من مقاعد بين الحزب وحلفائه كفيل بتأمين «خط الدفاع عن المقاومة».
 
بالعودة لانتصار عام 2000 يضاف اليه انتصار عام 2006، فإن حزب الله عزم على بثّ مشاعر الوحدة الوطنية في أيار عشية تحرير الجنوب مع الترفع عن محاسبة العملاء وذويهم الذين تمّ التعاطي معهم بكل لطف بدون أن يتدخل الحزب بموضوع أي محاسبة او انتقام او حتى ثأر كانت تتوقعه القوى الصديقة قبل الخصوم فشكل نموذجاً فريداً من التعاطي مع انتصار من هذا الحجم هو عملياً أول انتصار عربي على «اسرائيل».
 
كرّر حزب الله هذا الأمر في عام 2006 بعد انتصاره في حرب تموز، فأهداه إلى كل اللبنانيين مع العلم أنّه تعرّض للغدر من أقرب الحلفاء حينها بدون أن يسترسل كثيراً في زهوة الانتصار. فبدأ بعده يوماً جديداً وبدأت إعادة الإعمار بالرغم من الجراح التي كلفت حزب الله وبيئته الشعبية غالياً.
 
ربما تشعر بيئة حزب الله برغبة بالتعبير او بإظهار كمية من الفرح الذي تجده أقلّ ما تستحق أو على الأقل تنتظره لتؤكد حضورها ونجاعة خيارها إلا أن أمين عام الحزب نصرالله يكرّر دائماً على مسامع جمهوره عدم الالتفات كثيراً الى الامس والترفع عن اي شماتة، يطلب منهم دائماً الاحتفال بهدوء أما هو فقد ظهر بأكثر الخطابات سكوناً وهدوءاً على الرغم من الانتصار السياسي الكبير الذي حققه، وعلى الطريقة اللبنانية لا يُخفى على أحد حجم الفورة والابتهاج الذي قد تحدثه لحظة من هذا النوع.
 
ثقافة الإنجاز عند حزب الله لا تتخطى لحظة اعتباره واجباً وطنياً لا يستوجب الاستفزاز. وفي ذلك حرص كبير على مشاعر المحيطين الأقربين والأبعدين ورغبة باقتسام الإنجاز وتحويله وطنياً.
 
ثقافة الإنجاز عند حزب الله تعني خيار المشاركة «الصامت» بصناعة الأحداث الوطنية الكبرى بدون زهوة فرح تعمي الحقائق وتخفي الواقعية بدون النظر الى الوراء والتطلع الى اليوم الذي يلي الإنجاز.