المجلس الوطني الفلسطيني.. وحوار الطرشان.. بقلم: فتحي كليب

المجلس الوطني الفلسطيني.. وحوار الطرشان.. بقلم: فتحي كليب

تحليل وآراء

الخميس، ٣ مايو ٢٠١٨

انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في دورته 23 فتح النقاش والحوار من جديد حول الكثير من عناصر قضيتنا الوطنية، وهو حوار مطلوب على الدوام كونه يؤسس لثقافة حوار وطني غائبة ومغيبة منذ سنوات، رغم أن بعض هذه الحوارات افتقدت في الكثير من المرات لشروط العملية الحوارية المنطقية، خاصة في ظل الانتشار الهائل لمواقع التواصل الاجتماعي وتحول كل فرد إلى محلل وناقد وأيضاً شتام، والاهم من ذلك غياب الرقابة والتوجيه من قبل قيادات الفصائل إلى الأنصار والمحازبين ما يقود غالباً إلى نتائج عكسية لمثل هذا الحوار نماذجه الواضحة المزيد من التعصب الأعمى للموقف والفصيل والشخص.
أحدهم يقول إن المجلس الوطني يعمق الانقسام ويضر بالقضية الفلسطينية، وكأن 11 عاماً من الانقسام كانت مجرد رقم لا تأثيرات ولا انعكاسات سلبية له، ولم يدمر شعبنا وقضيتنا ولم ينتج انقسامات على مستوى كل تجمعات شعبنا في لبنان وسورية كما في الضفة وغزة وجميع أقطار اللجوء والشتات.
ثانيهم يسترسل بالتحليل ليصل إلى نتيجة مفادها أن هذا المجلس الوطني غير شرعي ولا يمثل الكل الفلسطيني، وما الجديد في مثل هذا الموقف إذا كانت حركتا حماس والجهاد هم أصلاً خارج مؤسسات منظمة التحرير ويتبنيان هذا الموقف من المنظمة منذ عقود سواء عقد المجلس أم لم يعقد، وكم من المؤتمرات هنا وهناك عقدت تحت عناوين البحث عن بديل للمنظمة، إذا ما الجديد الذي يحمله مثل هذا الموقف؟
ثالثهم يكمل في الاسترسال ليصل في تحليله أن مجلس رام الله سوف يكون جزءا من صفقة القرن الأميركية، وكأن نجاح هذه الصفقة متوقف على انعقاد المجلس الوطني، وبالتالي فان هذا المحلل ينأى بنفسه عن المواجهة وان من يتحمل المسؤولية هم أولئك الذين شاركوا في هذا المجلس.
الغريب أن أحداً من هؤلاء لا يتحدث كثيرا عن واحدة من أهم الوظائف التي يسعى إليها البعض وهي إحكام القبضة وزيادة الهيمنة والاحتكار على قرار المنظمة في محاولة لمزيد من تعطيل دورها وأيضاً محاربة القوى التي تنادي وتعمل من أجل التغيير ومحاصرتها لمنعها من تقديم مشاريع الإصلاح الديمقراطي لمؤسسات «م.ت.ف» بما يعيد الاعتبار للمنظمة ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، ووضع حد لسياسة التفرد والاستفراد، وتهميش المنظمة وتذويبها في مؤسسات السلطة الفلسطينية.
من الخطأ النظر إلى دورة المجلس الوطني الحالية خارج سياق الانقسام الفلسطيني وخارج إطار الحركات والصراعات الإقليمية والدولية، غير أن الأساس الذي يحاول البعض أن يتناساه هو أن منظمة التحرير بمختلف مؤسساتها تشكل حصيلة توازنات فلسطينية وعربية ودولية وحسم الصراع عليها ومن أجلها وداخلها وخارجها لا يكون بالمواقف العدمية التي لا تحمل أي رؤية لتغيير هذا الواقع، بل باستراتيجيات وطنية تجمع ولا تفرق، تقرب ولا تبعد وتجذب ولا تنفر، فيما الواقع السياسي الرسمي والفصائلي الذي نعيشه اليوم هو أن الكل ضد الكل ومع الكل وتصبح جلسة المجلس الوطني هي المعيار الذي على أساسه يمكن أن تبنى التحالفات المصلحية التي لا أفق سياسي لها.
ألا يعلم كل هؤلاء أن هناك انقساما فلسطينيا على كل شيء منذ أكثر من ربع قرن؟
هل سمعوا عن تجمعات فلسطينية بأمها وأبيها تعيش الموت بشكل يومي بسبب أنانية وفئوية هؤلاء؟ لماذا لا يختلفون على من يحقق هموم ومصالح الناس في غزة ولبنان وسورية، ولماذا لا يقدموا تنازلات يمكن تسميتها بـ«التكتيكية» لصالح فلسطين وهم يعلمون حجم المخاطر التي تتعرض لها الحقوق الفلسطينية التي تختلف عن أي تهديد سبق وان عاشته القضية الفلسطينية.
القول بأن المجلس الوطني لا يمثل هذا أو ذاك ليست هي النقطة الأساس، بل إن سبل مواجهة مرحلة ما بعد انعقاد المجلس هي الأخطر، فقد قيل في السابق أن لا علاقة للشعب الفلسطيني باتفاق أوسلو، لكن من دفع أثمان هذا الاتفاق والتزاماته هو هذا الشعب من لحمه ودمه، وبالتالي فان عدم مواجهة نتائج وتداعيات اتفاقات أوسلو بشكل فعلي على الأرض كانت له نتائج اخطر وأكثر سلبية من نتائج الاتفاق نفسه، وهذا ما ينطبق على المجلس الوطني عندما يتم الاكتفاء بموقف عام دون ربطه بآليات تحرك جماهيري يقود إلى تغيير واقعنا السيئ الذي نعيش.
لسنا بحاجة لكثير عناء كي نثبت أن الحالة الفلسطينية بجميع مكوناتها ما زالت تعيش في أبجديات الديمقراطية التي عمادها وركنها احترام الآخر كما يقدم نفسه طالما أن هناك اتفاقاً عاماً على الأبجديات الوطنية، فالفصيل الذي أراد أن يقاطع فهذا خيار يجب أن يتم احترامه طالما أنه نابع من الإرادة الوطنية الحرة لمن اتخذه طالما أنه يعكس إرادة جمهور هذا الفصيل، والتاريخ والشعب هم الذين سيحاسبون. ومن أراد المشاركة فهذا أيضاً خيار وطني وفقا لقراءات وخيارات هي بالفعل مفتوحة للنقاش السياسي الذي لن يحسم إلا عبر حوار سياسي عقلاني والشعب والتاريخ هم الذين سيحاسبون.
لكن من يتخذ موقفا ويعتقد أنه يمتلك الحقيقة، ويوزع شهادات بالوطنية على هذا وذاك وهو مشنشل من رأسه حتى أخمص قدميه بالتبعية والوصاية المفضوحة وبالمال السياسي الذي فاحت رائحته وازكمت الأنوف، وبالمقابل يقف على عرش الوطنية ليوزع الشهادات على هذا أو ذاك بأنه الوطني الحريص على قضيته، فهذا ما يجب صده ورفضه بل وتعريته أمام الشعب.
من أراد أن يبحث عن السلبيات سيجد الكثير منها في تاريخ وحاضر كل فصائلنا، ومن أراد البحث عن القواسم المشتركة التي يمكن البناء عليها أيضاً سيجد منها الكثير ليراكم عليها وينطلق منها ويجمع عليها كل من سعى لدق مسمار في مسار العمل الوطني.
كل يغني على ليلاه، وإعلام وميديا وشبكات تواصل اجتماعي، وشتائم وسباب والغائب الأكبر هو العقلانية السياسية والحوار ولغة المنطق والوطنية، والنتيجة اتساع الهوة بين هذا وذاك وزيادة الفجوة بين الفصائل وبينها وبين جماهير الشعب،
هو حقا ليس حوارا سياسيا ولا تعددية، بل حوار طرشان.
إذا كنا لا نختلف على أن الطريق الذي تسير عليه قيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية هو مسار خاطئ بكل المقاييس، فان ما نريده اليوم هو ليس توصيف حالة عرفناها وخبرناها منذ أكثر من ربع قرن بأن المسار الاوسلوي لن يقود إلا إلى نتائج كارثية على مستوى القضية والشعب بمختلف تجمعاته، ما نريده ويريده كل الشعب وهذا هو التحدي، هو القدرة على تغيير موازين القوى لصالح قوى التغيير بعيدا عن المنطق الفئوي الاستئثاري والاحتكاري الذي عهدناه في جميع التجارب «الوحدوية» والمشتركة وما أكثرها والتي انهارت وفشلت بسبب المنطق السائد اليوم في لغة الحوار السياسي.
إذا كان الجميع بات مقتنعا أن نقطة البداية تكمن في القناعة أننا حركة تحرر وطني وليس كيانا قانونيا كبقية الكيانات الدولية المستقلة، وحسابات حركات التحرر تختلف عن حسابات السلطة والامتيازات، وقوتنا كحركة تحرر وطني هو في التوافق على القواسم المشتركة بالاستفادة من تجارب حركات التحرر العالمية التي سبقتنا عبر تعميم منطق الشراكة الكاملة في كل ما له علاقة بمستقبل شعبنا وقضيتنا ومغادرة منطق الأقلية والأكثرية في التعاطي مع قضيتنا الوطنية ومع بعضنا البعض، وعلى هذه القاعدة تصبح مهمة الجميع هي «إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني» باعتباره مشروعا وطنيا تحرريا لشعب يسعى للخلاص من الاحتلال والاستيطان بكل ما يمليه ذلك من التزام بشروط وقواعد العملية التحررية.
إذا كانت التعددية السياسية نعمة عند بعض الدول، فبئس هذه التعددية في حالتنا الفلسطينية إن كانت تقوم على مبدأ «أنا الحقيقة الكاملة»، لذلك على الجميع تحمل مسؤولياته السياسية والوطنية والأخلاقية في إعادة الاعتبار لقضيتنا الوطنية باعتبارها قضية الكل الفلسطيني بما يمليه هذا من مهمات ومسؤوليات وطنية.