بين كوريا وسورية رؤساء يصنعون التاريخ.. بقلم: رفعت البدوي

بين كوريا وسورية رؤساء يصنعون التاريخ.. بقلم: رفعت البدوي

تحليل وآراء

الاثنين، ٣٠ أبريل ٢٠١٨

في شبه الجزيرة الكورية حدث تاريخي وجب التوقف عنده والتأمل بنتائجه الإيجابية ملياً لأنها نتائج لا بد من صرفها في مصلحة شعوب دول تلك المنطقة خصوصاً بعدما بقي العالم حابساً أنفاسه يعيش على وقع التهديدات المتبادلة بين أميركا وكوريا الديمقراطية التي كادت تؤدي إلى نشوب حرب نووية كانت يمكن أن تأتي على الحجر والبشر في كل من شبه الجزيرة الكورية ودول شرق آسيا من جهة وأيضاً في الولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى.
في 27 من أبريل 2018 تنفس العالم الصعداء بعد إتمام اللقاء التاريخي بين زعيم كوريا الديمقراطية، كيم يونغ أون، وبين رئيس كوريا الجنوبية، مون جاي إن، وساد إثره شعور بالارتياح خصوصاً بعد ما تضمن بيان اللقاء المشترك بنوداً مهمة تدعو إلى إزالة المخاوف وتبديد التهديدات المتبادلة وإحلال السلام وبناء علاقات جديدة بين الطرفين قائمة على احترام إرادة الشعوب والسعي إلى تأمين مستقبل الأجيال في شبه الجزيرة الكورية ودول آسيا.
ما حصل في شبه الجزيرة الكورية أمر مختلف حيث بلغت درجة الوعي عند القادة الأعداء مستوى متقدماً ورفيعاً بوضع مصالح الشعب في مقدمة اهتمامات حكام البلدين، الأمر الذي أثمر صفحة جديدة من العلاقات عمادها تبديد الشكوك وتقديم مصلحة نماء وتقدم الشعب والأجيال الكورية القادمة جنوبية كانت أم شمالية اقتصادياً وتكنولوجياً، الأمر الذي سيرخي بظلاله ليس على شعب شبه الجزيرة الكورية فحسب وإنما على شعوب دول شرق آسيا وازدهارها ما يضمن تفويت الفرصة على الولايات المتحدة الأميركية وحكومتها «العميقة» من الاستمرار في ابتزاز كوريا الجنوبية، وتعطيل قدرات أميركا التخريبية الهادفة إلى إشعال حروب في تلك المنطقة المهمة من العالم اقتصادياً وتكنولوجياً للقبض على مصير شعوب آسيا واستمرار هيمنتها المطلقة بهدف ضمان عدم اكتمال النمو الاقتصادي المتزايد لتلك المنطقة وبقائها منطقة معدومة من إمكانات تهديد المصالح الأميركية والتقدم عليها اقتصادياً وعسكرياً.
إن لقاء اللدودين هو بالفعل بارقة أمل مضيئة وسط عتمة حالكة باتت تتحكم بالعالم الذي تسوده قلة الحيلة وانعدام وضوح في الرؤى خصوصاً بعدما تحولت علاقات معظم دول العالم إلى مجموعة مصالح مشتركة عمادها المال الفاسد والطاقة والنفط والغاز وصفقات السلاح وضمان عمل المصارف وإن أدى ذلك إلى افتعال المزيد من الحروب والاغتيالات وإثارة الفوضى والنعرات وخراب الشعوب وزهق أرواح بريئة بمئات الآلاف تماما كما تتعمد الولايات المتحدة الأميركية الساعية دائماً إلى إثارة الفوضى والقتل والتدمير وتفكيك المجتمعات وتسعير أوار الحروب في بلادنا العربية وجعل تلك المأساة في خدمة مجموعة فاسدة تحكم شعوبها مطبقة على مقدرات وثروات بلادها تدين بالولاء لأميركا وتتفانى في خدمة استمرار الهيمنة الأميركية المصرفية والعسكرية على حساب مصالح شعوبها وذلك بعد تغييب وإهمال وتزييف الحقائق البائنة تماماً كما هو الحال مع حكام دول الخليج النفطي.
الجهود الصينية الروسية المشتركة أسفرت عن إقناع الزعيم، كيم يونغ أون، بالاجتماع بنظيره الرئيس، مون جاي اون، وإن كانت روسيا قد تركت الإخراج والتنفيذ فيه للرئيس الصيني، تشي جين بينغ، الذي تولي التفاصيل في تهيئة المناخ اللازم والإعداد المتقن لعقد اجتماع.
إن نجاح الصين في لعب الدور المحوري والهام من خلال اتباعها نهجاً هادئاً من الخطوات المدروسة بعناية فائقة أسهم في تحقيق اللقاء التاريخي بين زعيمي الكوريتين كما أن نجاح الصين منحها ثقة زائدة للشروع في بناء دفاعات خارجية ودوراً متقدماً يجب علينا الاستفادة منه في مواجهة مخططات أميركا.
العارف في كواليس السياسة يعلم علم اليقين أن روسيا لعبت دوراً مهماً ومتقدماً في كسر الجليد بين أميركا وكوريا الديمقراطية أسفر عن قبول كلا الجانبين بعقد اجتماع بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والزعيم الكوري، كيم يونغ أون، وذلك في وقت بات قريباً.
إذا ما تأملنا بالتعاون الروسي الصيني المدروس الذي أدى إلى نجاح مساعي البلدين في جمع الأعداء ونزع فتيل الانفجار بين أميركا وكوريا الديمقراطية وتجنيب العالم كوارث حرب محتمله يجعلنا ندرك أهمية كلام الرئيس بشار الأسد خلال لقائه الأخير مع المنتدى القومي العربي في دمشق حيث قال: إن تحقيق آمال وتطلعات الشعب السوري تحتم علينا أن تكون وجهتنا المستقبلية شرقاً، ومعنى شرقاً هو الاقتداء بالوعي الإستراتيجي وتحمل المسؤولية في صون مصلحة الشعب والوطن تماماً كما فعلت الصين وروسيا وكما فعل زعماء الكوريتين.
يبقى أن نشير إلى العوامل التي سهلت إتمام اللقاء التاريخي:
– وجود النية عند الطرفين في تحمل المسؤولية التاريخية تجاه الشعب والتاريخ.
– عدم وجود أي نزعة مذهبية أو طائفية في تلك البلاد ما يحرم أميركا العميقة من اللعب على وتر المذهبية أو الطائفية.
– عدم وجود ثروات طبيعية من بترول وغاز في تلك البلاد ما يجعل أميركا في موقع الخاسر في أي حرب مع كوريا.
– عدم وجود ما يهدد أمن إسرائيل في تلك البلاد ما ينزع عن أميركا صفة الدفاع عنها.
إن ما يهم أميركا بالدرجة الأولى هو السيطرة على الثروات الطبيعية من منابع النفط والغاز في العالم من خلال تنصيب حكام يدينون بالولاء لأميركا ومصالحها ويحفظون أمن إسرائيل ولو كان الأمر عكس رغبات الشعوب ولا يحقق تطلعاتهم وآمالهم في الارتقاء إلى مستوى شعوب العالم المتقدم.
إن منطقتنا العربية بحاجة إلى قيادة من خامة رؤساء روسيا والصين والكوريتين، رؤساء تصنع التاريخ وتدرك حقيقة المسؤولية تجاه الوطن والشعب والتاريخ ولا تتهاون ولا تتخاذل في تأمين مصلحة شعوبها حتى لو تطلب الأمر تضحيات شخصية جسيمة تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى خامة رئيس الجمهورية العربية السورية بشار الأسد الذي خبر صوغ التاريخ المجيد وضمن للأجيال العربية قراءته والاقتداء به.