قمة أنقرة في تل أبيب: فشل رهانات.. وخيارات محدودة

قمة أنقرة في تل أبيب: فشل رهانات.. وخيارات محدودة

تحليل وآراء

الأحد، ٨ أبريل ٢٠١٨

لم يخف الكيان الصهيوني قلقه من نتائج قمة انقرة، التي جمعت الرؤوساء الثلاثة، الايراني الشيخ حسن روحاني، والروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب اردوغان. وأكثر ما برز ذلك في الرد الغاضب لنتنياهو على الرئيس روحاني، بالقول أن "لا حدود للسخافة. أخطبوط الإرهاب الإيراني يتهم إسرائيل بالإرهاب". وتجلى ايضا، على المستوى المهني، في تقديرات وقلق المؤسسة الأمنية، من تداعيات غياب الكيان عن رسم المشهد النهائي في سوريا، كما نقلت وسائل الاعلام الاسرائيلية. وانعكست كل هذه الاجواء، في تعليقات المعلقين والخبراء الذين أجمعوا على أهمية القمة المفصلي في بلورة المسار السوري، بما يتعارض مع المصالح الاسرائيلية.
 
يستند هذا الاجماع في القلق بين المستويات السياسية والامنية والاعلامية، الى عوامل موضوعية. الأول، وهو الأكثر حضوراً في حسابات القيادة الاسرائيلية. ويتمثل بالغياب الاميركي عن الطاولة التي ترسم مستقبل سوريا. ويدرك الاسرائيلي أن هذا الغياب له اسبابه الموضوعية المتصلة بموازين القوى في الساحة السورية والاقليمية، وايضا، نتيجة قرار الولايات المتحدة بتجنب التورط في المنطقة، بعد تجربة احتلال العراق.
 
الثاني، تمثل بدخول روسيا على خط المواجهة، وتعبئة الفراغ الذي تولَّد نتيجة هذا الانكفاء الاميركي. قبل القمة كان هناك حيِّزاً لمساحة من الرهانات الاسرائيلية على مفاعيل وتداعيات التباينات بين الاطراف الثلاثة. لكن انعقاد القمة وما نتج عنها، بدَّد هذه الرهانات. وهو ما حضر في مقاربة محرر الشؤون الخارجية في قناة "كان" "موآف فردي"، بالقول أن "كل واحد من الاطراف الثلاثة التي اجتمعت في أنقرة، عمد للمحافظة على مصالحه من دون المس بمصالح الاخر". موضحاً أن "بوتين ربما لا يريد ايران، لكن لا يمكن له أن يقول لها ان ترحل غدا صباحا، وكما ان أردوغان الذي يريد أن يرحل الأسد لكن لا يستطيع التسبب بذلك غدا صباحا".
 
مع ذلك، تبقى الكلمة الفصل للواقع الميداني. والمشكلة بالنسبة للكيان الغاصب أن هذه القمة تأتي تتويجا لمسار ميداني  كانت فيه الغلبة للجيش السوري وحلفائه، ومعهم الجيش الروسي، في الساحة السورية. وهو ما ساهم في تغيير مجرى الاحداث من كونها فرصة للنظام التركي، كي يسقط النظام السوري وعلى رأسه الرئيس بشار الاسد، الى مصدر تهديد استراتيجي يمس الامن القومي التركي. هذا التبدل في مجرى الاحداث، دفع الرئيس اردوغان، للتقارب من الطرفين الروسي والايراني، باعتبارهم الضمانة الوحيدة لمنع تقسيم سوريا، والحؤول دون انفصال المناطق الكردية التي ترى فيها انقرة، مصدر تهديد لوجود الدولة التركية.
 
البدائل
 
في أجواء هذه الرسائل التي تنطوي عليها قمة انقرة، تضيق مروحة الخيارات أمام تل ابيب. مع ذلك، فإن مصلحتها الابتدائية، تكمن دائما في بقاء الولايات المتحدة قوية في الشرق الاوسط. لأن البديل عنها إما قوى معادية لاسرائيل، أو على الاقل تربطها علاقات صداقة وتداخل مصالح مع اعدائها. لكن هذا الطموح بات أقرب الى الاماني، وتحديدا بعد اعلان ترامب نواياه الانسحاب من سوريا. وهكذا يجد الميان الغاصب نفسه ملزماً بالرهان على علاقاتها مع موسكو، باعتبارها اللاعب الاساسي في سوريا.  لكن المشكلة بالنسبة لها، أن موسكو تربطها مروحة علاقات ومصالح واسعة مع الجمهورية الاسلامية في ايران، وسائر محور المقاومة، وهو ما يقيد من هامش رهاناتها، ويدفعها للتكيف مع سقف موسكو.
 
وهكذا بات الكيان الصهيوني، أمام واقع يتشكل في الساحتين السورية والاقليمية، من أهم معالمه، انحسار وتراجع النفوذ الاميركي في المنطقة، في مقابل تصاعد النفوذ الروسي، الذي تربطه علاقات تحالف وتقاطع مع أطراف محور المقاومة، وفي الوقت نفسه، تدرك تل ابيب حجم التداعيات والاثمان التي يمكن أن تترتب على أي مغامرة عسكرية تبادر اليها بهدف تغيير موازين القوى في الساحة السورية.
 
القدر المتيقن، أننا سنشهد في المرحلة المقبلة، المزيد من المواقف والمحطات التي تستند الى تقديرات المؤسسة الاسرائيلية، بشقيها السياسي والامني، لمفاعيل ما بعد قمة انقرة، وما بعد تنفيذ ترامب الانسحاب من سوريا. ولكن هذه المرة من موقع الادراك لمحدودية التأثير في مجرى الاحداث، وعلى قاعدة دفع السيناريو الأكثر خطرا وتهديداً، بعدما كانت الرهانات على تحقيق الأكثر ملاءمة للمصالح الاسرائيلية