أرقام أرعبت إسرائيل.. بقلم: رشاد أبو داود

أرقام أرعبت إسرائيل.. بقلم: رشاد أبو داود

تحليل وآراء

السبت، ٣١ مارس ٢٠١٨

زمان، كان كل شيء أكثر خصباً، الحقول، الصباحات، البحر، الأمواج، وحتى النساء. عمتي زينب أنجبت أربعة عشر مولوداً، خالتي فاطمة ستة عشر، وزوجة عمي لطيفة أقسمت أنها أنجبت ثمانية عشر، أما أمي فكانت أقلهن خصباً، حيث أنجبت اثني عشر فقط!
طبعاً، لم تكن تلك القبائل من الأبناء يعيشون، بعضهم يقتله المرض والجهل، بعضهم يختطفه الحسد والفقر، وكثر القدر الذي كان رحيماً بالأب، الذي بالكاد يطعم من يتبقى. الكل كان تحت رحمة المطر. فإذا جاء كريماً، كان خيراً وشبعوا، وإن لم يكن، فلا بد مما حُفظ في «بيت المونة» من الموسم السابق، عدس وفول وبرغل، ملوخية ناشفة وبامية وكشك، ومما أنبتت الأرض. الأرض مباركة، فيها بيت المقدس باركها الله، هي وما حولها. كانت تتسع للكثيرين، مسلمين ويهود ومسيحيين. كلهم كانوا فلسطينيين. إلى أن سيّست الحركة الصهيونية، الدين، وادعت أنها تمثل كل اليهود. فغررت بالبعض منهم، وأغوتهم بأرض اللبن والعسل والمن والسلوى، فإذ بها أرض الدم والموتى.
أوائل هؤلاء «المهاجرين» قبل عام 1948، عاشوا بين الفلسطينيين، تمسكنوا حتى تمكنوا، وحين تمكنوا طردوا أهل الدار، غيروا اسمها، وأقاموا على أرض فلسطين كياناً أسموه «إسرائيل».
فعندما صدر وعد بلفور عام 1917، وضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني من عام 1918 حتى عام 1948، حيث تم تقديم التسهيلات اللازمة لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وبدأ اليهود بالتدفق بالآلاف، وارتفع عددهم من حوالي عشرة آلاف شخص في منتصف القرن التاسع عشر، إلى ما يقرب من 62,5 ألف شخص عند بداية الانتداب البريطاني، وإلى ما يقرب من ستمئة وخمسين ألف شخص عند نهاية الانتداب المذكور عام 1948، وبذلك، ارتفعت نسبة اليهود إلى مجموع عدد السكان في فلسطين من 8. 3 % عام 1919، إلى 31. 5 % في 15 أيار عام 1948.
ما يرعب القائمين على المشروع الصهيوني، هو العامل الديموغرافي. فقد انشغلت الصحافة الإسرائيلية بداية الأسبوع، بإحصاءات ديموغرافية، نشرتها الإدارة المدنية الإسرائيلية حول أعداد العرب واليهود، ومخاوف إسرائيلية من تراجع الأغلبية اليهودية.
وقال يوتام بيرغر، الكاتب بصحيفة هآرتس، إن الإدارة المدنية الإسرائيلية، قدمت معطيات إحصائية مفاجئة، أظهرت أن أعداد العرب الفلسطينيين بين البحر المتوسط ونهر الأردن، تزيد عن اليهود، حيث يوجد خمسة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، دون أن يشمل فلسطينيي شرقي القدس، بجانب 1. 8 ملايين عربي يعيشون داخل إسرائيل، فيما وصل عدد اليهود 6. 5 ملايين.
وأضاف بيرغر، في تقرير، أن هذه الأرقام عرضها الجنرال حاييم مانديس مساعد رئيس الإدارة المدنية، خلال اجتماع للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، واستند في معطياته هذه، لإصدارات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ما أثار انتقادات إسرائيلية، ودفع أعضاء الكنيست من اليمين، لشن هجوم على هذه الأرقام.
رئيس القائمة المشتركة في الكنيست، أيمن عودة، قال إن أعداد العرب واليهود آخذة بالتساوي، وهذه ليست معلومة جديدة، لكن إيرادها اليوم، يرجح فرضية حل الدولتين بين الشعبين على حدود 67، أو دولة واحدة على نموذج الأبارتهايد، أو دولة واحدة لكل مواطنيها، ينالون فيها الحقوق ذاتها، ليس هناك من خيارات أخرى.
رئيس حزب المعسكر الصهيوني، آفي غاباي، قال إنه آن الأوان، لأن ننفصل كلياً عن الملايين الخمسة من الفلسطينيين، رغم الدعم الذي تحصل عليه إسرائيل من إدارة ترامب. أما وزيرة الخارجية السابقة، تسيبي ليفني، فقالت إن هذه الأرقام، تعطي مبرراً لمهاجمة خطط الضم الاستيطاني، لأننا إن لم نتوقف عن هذه الخطط، فإننا سنفقد الأغلبية اليهودية.
وأشار زعيم المعارضة، يتسحاق هرتسوغ، إلى أن هذه الأرقام، ترسل تحذيرات للقيادة الإسرائيلية، التي لا تفهم بعد مخاطر الدولة ثنائية القومية، وتسعى بكل ما أوتيت من قوة لإيجاد واقع الدولة الواحدة، مع أن الهدف الحقيقي للشعب اليهودي، يكمن في الانفصال عن الفلسطينيين، وتطبيق حل الدولتين.
عضو الكنيست، وزير الدفاع الأسبق، عمير بيرتس، قال إن هذه المعطيات، ينبغي أن تشعل الأضواء الحمراء في إسرائيل، لأنها تعني أنها لن تستمر دولة يهودية، فيما نحن ماضون في الطريق لدولة واحدة، مع أن الانفصال عن الفلسطينيين، هو ما يوفر الأمن لليهود، وينعش اقتصادهم.
واضح من الأرقام الجديدة التي أرعبت الإسرائيليين، أن العامل الديموغرافي، هو الرد الرباني على الصهاينة، الذين يستطيعون أن يسرقوا ويشردوا ويقتلوا، لكنهم لا يستطيعون أن يمنعوا امرأة فلسطينية أن تنجب.