ستلايت فوق بيت من طين.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

ستلايت فوق بيت من طين.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الخميس، ٢٩ مارس ٢٠١٨

لن يطول الوقت لكي تتكشف مفاعيل زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الأخيرة إلى واشنطن، وهي الزيارة الأهم منذ لقاء الملك عبد العزيز آل سعود مع الرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفلت في عام 1945، حيث المعروض فيها أكبر بكثير من نظيره في هذا اللقاء السابق الذكر، كانت المسائل التي تقض مضجع ابن سلمان عديدة أبرزها حرب اليمن وربما يمكن اختزال هذا الوجع عبر معادلة بسيطة تقول: إن المملكة تنتج شهرياً، وفق المعلن، ثلاثمئة مليون برميل نفط يذهب 40 بالمئة منها للاستهلاك الداخلي و30 بالمئة لحرب اليمن و30 بالمئة للاقتصاد السعودي بكل حمولاته والإتاوة التي يجب دفعها للخارج، وعلى الرغم من أهمية الأمر إلا أن ابن سلمان لم يستطع الحصول على وعد أميركي بوضع حد لتلك الحرب، ومنها أيضاً قانون «جاستا» الذي أقره الكونغرس الأميركي في أيلول من عام 2016.
على الرغم من الانعطافة الكبرى التي اعتمدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه ذلك القانون لاعتبارات عديدة إلا أن ابن سلمان يدرك أن ما جرى هو غض بصر مؤقت لن يلبث أن يستعيد مساره الطبيعي عندما تزول موجبات الانعطافة، وفي التقارير يذكر أن الرياض كانت قد استبقت مجيء ولي عهدها إلى واشنطن بفتح قنوات عدة مع هذه الأخيرة، أما العروض التي كانت تنقلها تلك القنوات فمفادها أن الرياض مستعدة لدفع أي قيم تطلب منها سواء أكان للدولة الأميركية أم للأهالي المتضررين من إحداث أيلول 2001 لكن شريطة أن يكون الدفع سراً، وبمعنى آخر ألا يكون بقرار قضائي لا بد له أن يدين النظام السعودي طالما أنه أدانه بدفع التعويضات.
لم تنجح القنوات ولم ينجح ابن سلمان في الوصول إلى حل نهائي، فترامب يصعب عليه «العمل السري» اليوم بعدما أخفق فيه، وها هو يهدد وجوده في البيت الأبيض، ثم لم يكن لواشنطن أن تتخلى عن «سكين» حاضرة لحظة تشاء لتهديد العنق السعودية، ومع ذلك سار ابن سلمان في «صفقة القرن» التي يدرك أن بقاءه في الحكم مرتبط بنجاحها، إلا أن الانطلاقة نحو تلك الصفقة تقرر تأجيلها انطلاقا من «تعنت» القيادة الفلسطينية في رفضها وهو ما جاء على لسان الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي شن هجوماً عنيفاً على ترامب وسفيره لدى إسرائيل ديفيد فريدمان قبيل أن توضع الصفقة على طاولة البحث في واشنطن، صحيح أن العديد من المسؤولين الأميركيين كانوا قد أعلنوا أن الصفقة للتنفيذ وليست للنقاش وأن الدور الفلسطيني فيها ليس مقررا، إلا أن ذلك كله كلام للضغط على القرار الفلسطيني ولا يمكن بأي حال من الأحوال تمريرها من دون مشاركة الفلسطينيين فيها وتحديداً منهم الذين وقعوا اتفاق أوسلو 1993، ولذا فإن الرفض الفلسطيني يعتبر عاملاً مهماً وإن كان لا يملك الكثير من مقومات المواظب على الفعل، وربما كان رهان عباس يقع أولاً على إمكان أن تفضي المتاعب الداخلية التي يتعرض لها ترامب وكذا رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى خروج كل منهما، أو أحدهما، من الحلبة فيصبح الموقف عندها أفضل.
يلاحظ هنا أن الحديث عن صفقة القرن كان بالتوازي مع مشروع نيوم الذي أطلقه ابن سلمان بدعم أميركي، وهو يؤمل منه أن يؤدي إلى إيجاد قاعدة اقتصادية واجتماعية قادرة على دعم التغييرات الجيوسياسية التي ينتظر حدوثها، وفي الآن ذاته يأمل ابن سلمان أن يؤدي داخلياً إلى إنشاء طبقة اقتصادية مرتبطة به شخصياً بعد أن قرر نسف الطبقة القائمة عبر اعتقالات فندق الريتز والتداعيات التي نجمت عنها.
ما انفكت الرياض تشد منذ قيامها في اتجاه يعاكس تماماً آمال وتطلعات وحاجات شعوب المنطقة لأنها ببساطة كانت رأس حربة للمشروع الأميركي فيها، ومشروع نيوم لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانهيارات، فهو يطمح إلى استثمار 500 مليار دولار في مشاريع سياحية وخدمية، والمنطقة فيها 57 مليون عربي لا يعرفون القراءة أو الكتابة، وفيها 5 ملايين طفل لم يدخلوا المدارس أساساً، وهناك 75 بالمئة من اللاجئين في العالم هم من العرب، و68 بالمئة من قتلى الحروب هم من العرب، والأرقام السابقة كلها مستقاة من تقرير القمة العالمية للحكومات المنعقدة في دبي أوائل آذار الجاري، ألم يكن من الأجدى توظيف تلك الأموال في قطاعات التعليم والصحة والسكن؟ ثم كيف يمكن لشعوب فيها كل تلك الويلات أن تطرق أبواب العصر؟ ألا يعتبر مشروع نيوم وفق هذه الصورة التي رسمناها أشبه بمن يضع صحن استقبال فضائي فوق بيت من طين وهو يصر على تحديثه جهاز الاستقبال بآخر وأحدث الأنواع؟!