موت لا «سبات».. بقلم: سامر علي ضاحي

موت لا «سبات».. بقلم: سامر علي ضاحي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٨ مارس ٢٠١٨

ينطبق على الجامعة العربية حالياً مصطلح «الميت» أكثر مما ينطبق عليها «السبات» لأن من يدخل سباتاً لا بد وأن يستفيق، ولا يبدو أن الجامعة في طريقها لأي استفاقة.
وحين كان أمام الأنظمة العربية وحكامها فرص استثمار وجود الجامعة لتحسين التعاون، كانت هذه الجامعة تكريساً للفرقة والخصام الذي لطالما تجلى في آذار من كل عام حين كانت تعقد القمم العربية وتنتهي بقرارات لا تتجاوز الأوراق المطبوعة عليها، وصولاً إلى قمة دمشق 2008 التي سعت إلى إصلاح حقيقي للجامعة فقاطعها بعض «زعماء» العرب مخافة الحرج من التوقيع على قرارات التعاون والتنسيق الحقيقية.
حين اندلعت الأزمة السورية كانت الجامعة أول من أخطأ قانونياً وسياسياً باستبعاد سورية عن مقعدها، وحين أدركت الخطأ عالجته بخطأ أكبر بمنحها المقعد لمجموعة أشخاص ليس لهم أي صفة رسمية، وهذا الخطأ لم يشفع له استبعاد هؤلاء الأشخاص ورايتهم وإعادة علم الجمهورية العربية السورية الرسمي ليعتلي منبراً لا يقف خلفه أحد، على حين تحضر الجمهورية العربية السورية اجتماعات منظمات منبثقة عن الجامعة.
ولكن التطورات المتلاحقة للأزمة السورية دفعت بعض البلدان العربية إلى إعادة نوع ما من العلاقات مع دمشق إضافة إلى دول كانت حريصة على عدم نكران موقع سورية العروبي، إلا أن طغيان التمويل السعودي على ميزانية الجامعة العربية كان له أكبر الأثر في حرف الجامعة عن هدفها الأساس، كي تصبح حالياً منبراً سعودياً يتماشى مع السياسية الأميركية في المنطقة تطلق من خلاله بيانات الإدانة ضد إيران لوقوفها إلى جانب سورية، حين أدارت أنظمة عربية أخرى ظهرها لدمشق، ولا طائل للجامعة أكثر من إصدار البيانات التي لا يمكن للكيان الصهيوني أن يحفظ عدد بيانات الإدانة التي أصدرتها الجامعة سابقاً بحقه، وهو المحتل لدولة عربية عضو في الجامعة وهي فلسطين.
مع تأجيل انعقاد القمة العربية للعام الحالي إلى الشهر المقبل بطلب سعودي لانتظار نتائج الانتخابات الرئاسية في مصر، فمن الممكن أن تتقدم بعض الدول بطلب إعادة سورية إلى مقعدها في الجامعة، ولكن الأخيرة لا تبدو أنها مستعدة للقبول بهذا العرض «غير السخي».
وإن كانت الجزائر وقبلها لبنان دعوا بشكل صريح إلى عودة سورية إلى مقعدها في الجامعة فإن سلطنة عمان ومصر والعراق كصف أول وتونس والإمارات والكويت وليبيا من خلفهم قد يكونون عرابين لمشروع كهذا يصطدم بعدة عقبات تجعله مشروعاً غير سخي.
وتتجلى العقبة الأولى بقبول دمشق العودة إلى الجامعة العربية ببنيتها وشكلها الحاليين وهو ما أكدته سابقاً المستشارة الرئاسية بثينة شعبان، إذ لا يمكن لسورية التنكر بسهولة لمن وقف معها في حربها على الإرهاب الذي مولته دول عربية معروفة للقاصي والداني وهي السعودية وقطر، والقبول بأن تمرر ولو حتى بيانات إدانة لإيران وأن تعود إلى منظمة لا تزال تشكل غطاء سياسياً للعدوان السعودي على اليمن الدولة الأخرى العضو في الجامعة.
أما العقبة الثانية فتبدو في بنية الجامعة الحالية، فأي عودة سورية إليها يكون من حقها المطالبة للأعضاء الآخرين الذين تسببوا بدمار سورية وخرابها أن يدفعوا تعويضات عن الإرهاب الذي تسببوا به وليس السماح لهم المشاركة في إعادة الإعمار كما يظن البعض، كما تنسحب العقبة البنيوية على العلاقة مع كيان الاحتلال الصهيوني إذ ازداد عدد الأنظمة «العربية» التي تطبّع جهاراً وسراً معه، كما أن ما يتعلق بهذه المعضلة هو هدف الجامعة المشاركة بحفظ الأمن والسلم الدوليين، وهي التي تخلت عن هذا الدور لتسهم بتأجيج الأزمة السورية ولو سياسياً.
تقع العقبة الثالثة في حل الأزمة السورية نفسها، إذ لا دور للجامعة في المساهمة بحل هذه الأزمة إن لم يكن دورها تعطيلياً بالفعل، ومن ثم فقدت الجامعة موقعها كبوتقة تجمع الدول العربية، وفقدت من خلفها دول عربية عديدة إمكانية بناء علاقات إستراتيجية مع الدولة السورية، ولاسيما أن الفراغ الذي أحدثته سابقاً في علاقات سورية الخارجية استطاعت دول أخرى أن تملأه وهي إيران وروسيا والصين إضافة إلى دول منظمة «بريكس»، في وقت كان يمكن للأنظمة العربية احتضان دمشق لو كانوا يرغبون في وقف تمدد المصالح الإيرانية إلى بلدانهم كما يدعون، كما أن تسابقهم اليوم لعقد الصفقات مع الحليف الروسي يضعهم في حرج وهم الذين يسمون مكافحته للإرهاب في سورية «احتلالاً».
العقبة الرابعة تقع في كنف الخلاف السعودي القطري وإن كانت الثانية تعيش في موقف لا تحسد عليه في ظل مقاطعة عربية لها تتوسع بتمويل سعودي، فالمنظمات الإرهابية والمسلحة حظيت بدعمها السخي ولم تحقق أياً من الأهداف سوى تدمير مؤقت للبنية التحتية في سورية، أو بالأحرى في المناطق التي حاولوا استغلال أهلها، إذ لا تزال السعودية تحظى بقدرة مالية في الجامعة العربية تجعلها قادرة على رفض وجود سوري على مقاعد المنظمة.