مكاشفات عفرين.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

مكاشفات عفرين.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الخميس، ٢٢ مارس ٢٠١٨

قرأ السوريون الأكراد المشهد الذي أفرزته الحرب السورية مبكراً بأنه يمثل فرصة الجائزة الكبرى التي يمكن لها أن تسمح بقفزة نوعيه تفضي إلى كيان سياسي مستقل، ولا أهمية هنا تذكر لسيل التصريحات التي كان يطلقها، ولا يزال، مسؤولون وقيادات كردية وهم يعلنون فيها بأنهم سوريون وأن لا طموحات لهم في الانفصال عن الجسد السوري، لأنه ما أهمية التصريحات والمواقف ما دامت السلوكيات تظهر النقيض منها؟
انطلقت القراءة الكردية للمشهد السابق الذكر من معطيين مهمين ارتأت فيهما رجحاناً لكفتها أولهما انشغال الحكومة السورية على العديد من الجبهات، وفي سلم أولوياتها، كما هي القراءة، فإن الشرق السوري وما يجري فيه يحتل المرتبة الثالثة إن لم تكن الرابعة، الأمر الذي لم يكن متوافراً للأكراد في شمال العراق، فعشية إعلان هؤلاء عن إجراء استفتاء أيلول للعام الماضي كانت تحديات داعش قد زالت بدرجة كبيرة، بمعنى أن الحكومة العراقية كانت شبه متفرغة للحدث الكردي، وثانيهما تقاطع المصلحة الأميركية مع الأهداف الكردية في الشرق السوري، الأمر الذي ارتأى الأكراد فيه مظلة حامية لن يجرؤ أحد على اختراقها، والشاهد هو أن هذه النظرة الأخيرة قد ترسخت عبر مآلات «درع الفرات» فالعملية العسكرية التي أطلقها الأتراك في 24 آب من عام 2016 لم تلحق الأذى بـ«الإدارة الذاتية» و«روج آفا»، ولذا فإن أنقرة لن يكون بمقدورها تهديد أي تركيبة سياسية يمكن أن ينتجها الأكراد بما فيها تركيبة الدولة نفسها، وعليه فقد جرى العمل على تحصين المواقع في عفرين بالدرجة الأولى ومنبج بالدرجة الثانية كحلقتي وصل لا غنى عنهما لربط الأقاليم الكردية الثلاثة لتصبح الجغرافيا الممتدة ما بين عين ديوار في أقصى الشرق السوري وبين قرية السمراء في أقصى الغرب على البحر المتوسط من دون انقطاع.
أما قرار الأميركيين بإنشاء «قوات سورية الديمقراطية – قسد» في تشرين الثاني من عام 2015 ومن ثم القرار بتأسيس «جيش لحماية الحدود» في أواخر العام الماضي، فكلا القرارين كان بالنسبة لصانع القرار السياسي الكردي يعني أن ثمن القطاف قد حان.
اخطأ الأكراد في كل القراءات السابقة، وعندما تحولت التهديدات التركية إلى واقع عبر إطلاق عملية «غصن الزيتون» رد الأميركيون على طلب الأكراد بالدفاع عنهم بأنهم، أي الأميركيين، غير معنيين بالمعارك الكردية في غرب الفرات، والراجح هو أن الأتراك سوف يستهدفون المواقع الكردية في شرق الفرات وفق ما أعلن عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام في خلال وقت قريب وسنرى ما الذي سيفعله الأميركيون لحليفهم الكردي في شرق الفرات آنذاك!
كان الاعتقاد الكردي أن تقديم التضحيات في حربهم مع داعش لا بد أن تكافئهم أميركا عليه، وهو الخطأ القاتل نفسه الذي ارتكبه الرئيس العراقي السابق صدام حسين عندما قام بغزو الكويت عام 1990 فقد ظن أن محاربته إيران لثماني سنوات لابد أن يدفع الأميركيون نحو غض بصرهم عن حالة توسع جغرافي صغير كما فعل، الأمر نفسه والخطأ نفسه، تكرر عبر إحساس الأكراد بوجود «فائض قوة» لديهم بعد هزيمة داعش، والشاهد هو أن واشنطن هي من عملت على ترسيخ ذلك الشعور في الذات الكردية لأنها كانت بحاجة لرفع معنويات حلفائها في حربها على داعش، ومن المؤكد أن ما انتهت إليه معركة داعش مؤخراً كانت ستحصل هي عينها أياً كان الحليف البري للأميركيين في تلك الحرب، من دون أن يعني ذلك تقليلاً من التضحيات والقدرات الكردية إلا أن اللحظة العصيبة تقتضي وضع الحقائق كما هي.
الآن بعد 18 آذار وبعد أن تسبب الأكراد في سقوط عفرين تحت السيطرة التركية عبر فرض معركة لم تكن القيادة السورية ترى فيها أولوية لها في المكان ولا الزمان، أما آن الأوان لقيام الأكراد بمراجعة شاملة، وما نقصده أن تكون حقيقية، لا إعلامية، كما كانت في السابق، وهي يجب أن تفضي إلى تحديد الحجوم والأدوار والسياسات التي يجب أن يمارسها الأكراد، ومن ثم الإعلان عن فشل الإستراتيجيات السابقة، وصولاً إلى مد الذراع نحو دمشق.