الفيلم الكيميائي والحرب اللا باردة الأميركية.. بقلم: سيلفا رزوق

الفيلم الكيميائي والحرب اللا باردة الأميركية.. بقلم: سيلفا رزوق

تحليل وآراء

الأربعاء، ٧ مارس ٢٠١٨

لم يكن من المستغرب ومع إعلان الجيش السوري والحليف الروسي بدء العمليات العسكرية لاجتثاث الإرهاب من الغوطة الشرقية، أن تتجه بوصلة الخيارات الأميركية صوب استخدام ذريعة الكيميائي من جديد، والولايات المتحدة التي أثبتت على الدوام أنها لا تتعب من اختلاق الأكاذيب والتهم الواهية، استرجعت أدبياتها المعروفة ورمت بكل خياراتها المحتملة خلف فيلم الهجوم الكيميائي المنتظر.
لا شك أن خسارة الغوطة الشرقية وما تملكه أميركا من أدوات هناك سيشكل ضربة شبه نهائية لقدرات واشنطن على التحكم بمآلات الحرب القائمة والتداعيات المنتظرة، وبقاء هذا الملف مفتوحا في خاصرة العاصمة شكل على الدوام هاجسا وحاجة أميركية، حاولت واشنطن دونه استخدام كل ما تيسر لها من أدوات لإبقاء هذا العنوان قيد الاستخدام.
التلميحات الأميركية بمجملها وحتى اللحظة تشير إلى أن الخيارات المحتملة تسير صوب سيناريو العدوان على طريقة ما جرى في الشعيرات وانتظار تمثيلية كيميائية محكمة قادمة من الغوطة، للسير بهذا الطريق، غير أن دمشق والتي لم تستبعد على لسان رئيسها منذ أيام، اللجوء لهذا الخيار، باعتبار أنها تفهم جيداً سياسة الكاوبوي الأميركية، حرصت على تذكير واشنطن بمآلات السيناريوهات السابقة، والتي أفضت إلى تحرير الجيش السوري ومعه حلفاؤه للمدن السورية من الإرهاب وإعادتها مجدداً إلى كنف الدولة، وما عناه ذلك من محدودية تأثير أي فعل أميركي منتظر.
تبعات اللجوء الأميركي للخيار العسكري، وما تبعه لاحقا من ردود سورية وأخرى روسية تصعيدية، عكس فيما عكسه حجم التدهور في العلاقات الروسية الأميركية، والذي وصل على ما يبدو إلى أدق وأخطر مراحله.
أميركا التي أصرت خارجيتها على الخروج بتصريحات توحي بأنها لا تزال المتحكم الوحيد بمصير الحرب والسلم في العالم، أصرت أيضاً على التعامي عن المعطيات الميدانية والسياسية التي كانت كفيلة بإثبات أن الوضع على الأرض بات مغايراً تماماً، وبأن حقيقة تغير الموازين العالمية جاءت أسرع مما يظنه الأميركي نفسه، وبأن روسيا صارت اللاعب الدولي الأقدر على مواجهة ما تخطط له واشنطن في المنطقة وغيرها.
من هنا لم يكن من المستغرب أن تخرج تصريحات أكثر واقعية من المنابر المتحكمة بالقرار الأميركي ومنها إعلان البنتاغون بأن روسيا باتت «تشكل الخطر الوجودي الوحيد على الولايات المتحدة في الوقت الحالي»، ولتسبقها تصريحات خارجة عن القيادة المركزية للقوات الأميركية تؤكد أن روسيا تمنع الولايات المتحدة من الهيمنة في أجواء الشرق الأوسط بسبب منظومات الصواريخ المضادة للطائرات، لتشكل هذه التصريحات ومعها جملة الاتهامات المستمرة والمتصاعدة، الإعلان الأميركي الأول عن بدء نهاية حقبة عالم القطب الواحد.
على الجهة المقابلة أصر الروس على الرد عملانياً، فمن جهة أظهرت موسكو قدرة غير متوقعة على التعامل مع ملفات المنطقة بالمجمل، وبدت الجهة الأكثر اتزاناً وحكمة، ومن جهة أخرى نجحت ولا تزال في قيادة ملف مكافحة الإرهاب، وتغيير بوصلة الاستخدام الأميركي له والاتجاه صوب العرقلة الفعلية لمخططاتها بالمنطقة ومنع مفاعيلها.
التصعيد الأميركي الروسي يبلغ اليوم ذروته مع اقتراب الانتخابات الروسية، وفيما واشنطن لا تخفي رغبتها وحلمها بسقوط بوتين، وهي تدرك استحالة هذه الفرضية، ترمي بكل ما تستطيع للتشكيك بنزاهة هذه الانتخابات، وتستمر في الوقت نفسه على ذات وتيرة الاتهامات لموسكو بالتدخل المزعوم بانتخاباتها الرئاسية التي جاءت بترامب إلى سدة الحكم، لتتخذ من هذه الادعاءات ذريعة جديدة ومستمرة للتصعيد مع موسكو، وصلت حدود إعلان بعض الدوائر الاستخباراتية الأميركية أن هذا التدخل يوازي إعلان حرب على أميركا، وهو أشبه بعملية «بيرل هاربر»، والتي ردت عليه واشنطن وقتها بقنبلتي هيروشيما وناكازاكي.
كل هذه التلميحات والتصريحات الأميركية بمحصلة الأمر وإذا ما عدنا إلى نقطة الاشتباك الأسخن وما يجري اليوم على الأرض السورية، لا تعني بالتأكيد أن واشنطن ستذهب بعيداً نحو الصدام العسكري مع موسكو، وهو ليس بوارد الدخول لا في حرب باردة ولا ساخنة جديدة، لكنها أيضاً لا تبدو بوارد تقبل الواقع الدولي الجديد حتى الآن، والذي بدأت ملامحه الأولى ترسم من على الأرض السورية، وعليه يمكن لحالة «الاستعصاء الدولي» إذا ما صح التعبير أن تستمر طويلاً، وتنعكس نزاعات ساخنة في غير بقعة، ربما قد تدرك بعدها وبنتيجتها أميركا أنها لم تعد وحيدة في هذا العالم.