نتانياهو الديكتاتور معولماً.. بقلم: فاتنة الدجاني

نتانياهو الديكتاتور معولماً.. بقلم: فاتنة الدجاني

تحليل وآراء

الاثنين، ٥ مارس ٢٠١٨

سيعتلي رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو منصة الخطاب أمام «إيباك» بذيل طويلٍ مجدولٍ بفضائح الفساد والديكتاتورية، وهما صفتان أطلقهما عليه كلٌ من الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز، والرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وتبعتهما تسيبي ليفني وآخرون.
 
ستفضح عنجهيته ملامحَ الديكتاتور المكتمل الصفات. وسينجح حتماً بـ «فهلوة» لغوية في برقعة الانكشاف التدريجي لزعم الديموقراطية الإسرائيلية وللتآكل المجتمعي بسبب هيمنة الأطواق المتزايدة المستفيدة من الفساد المستشري، سواء تنظيمات اليمين العنصري المتطرف أو المستوطنين ومافيات المال وتجارة السلاح، وبتشبيكٍ مع أسوأ ما أفرزته النيوليبرالية عالمياً.
 
نتانياهو سبق بن غوريون في طول الجلوس على كرسي الحكم. خلال ذلك استوفى نموذج الديكتاتور، خصوصاً تجويف المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية والمدنية والإعلامية من عناصر قوتها. والأخطر في تقدير مراقبين من «محبي إسرائيل»، أنه شلَّ قدرة المجتمع الإسرائيلي ومؤسساته عن إيجاد بديل منه.
 
لا يختلف نتانياهو الديكتاتور عن أشباهه تاريخياً، ولا تختلف آليات عمله، وإن كانت بخصوصية إسرائيلية خلفيتها الاطمئنان إلى الدعم المطلق، الأميركي والأوروبي.
 
«يُتَكتِك» نتانياهو. يختار الهروب إلى أمام باختلاق تهديد وجودي خارجي هو الحرب مع إيران و «حزب الله»، فيهددهما ويتوعد. يفعل ذلك وهو مدركٌ تماماً أنه مهما كانت إسرائيل قوية عسكرياً، وهذه حقيقة، إلا أن قوتها لن تحميها من الآثار المدمرة لضربة الخصم. هذا ما تعرفه القيادات العسكرية الإسرائيلية التي تحتمي بمعارضة استراتيجيي أميركا وأوروبا للفكرة. لذلك تتحوّل تهديدات رئيس الحكومة إلى جعجعة يستفيد منها باتجاه مزيد من عسكرة المجتمع، والحصول على المزيد والمزيد من الأسلحة المتطورة، ناهيك عن استنفار المجتمع الدولي المستعد دوماً وأبداً للدفاع عن الدولة العبرية... قولاً وفعلاً. وباختلاق العدو الخارجي، يقفز نتانياهو عن القضية الفلسطينية ويهمشها ويقزّمها إلى قضية داخلية، ويروّج للانتقال إلى مرحلة السلام الإقليمي، بلا ثمن، مستغلاً وجود الرئيس دونالد ترامب في السلطة وإدارته المتصهينة من أجل صوغ «صفقة القرن» على الهوى الإسرائيلي.
 
«يُتَكتك» نتانياهو، فيسعى إلى نيل رضا المؤسسة العسكرية وجنرالاتها وتطلعاتهم الذاتية، إن لم يكن للحكم أو مناصب عالية في المؤسسات المالية الدولية، فلنيل رضا المتدينين العنصريين بالتغلغل في هيئة الأركان. وفي صراع البقاء، يُسلم لليمين المتطرف من المستوطنين والتجمعات الفاشية العنصرية، وتلك التي لها ارتباطات دولية وتموّل الاستيطان كأهم صناعة استثمارية لإسرائيل، ومافيات السلاح والمال، وهي الأطواق الخفية الفاعلة والبديلة من العمل الديموقراطي. لا ننسى هيمنة طاقم الموالين لرئيس الحكومة بالمطلق على مفاصل السياسة والاقتصاد والعسكر والإعلام، بما يجعل الكنيست محض منصة للخطابة، واحدة من مسرحيات العبث.
 
أمّا الاقتصاد، فيكفي أن المؤسسات الأكاديمية الوازنة لا تقبل باعتبار»المعجزات» الاقتصادية الإسرائيلية أنموذجاً أو منهجاً تحتذي به بلادٌ أخرى. فتلك المعجزات وراءها الإعجاز الأوروبي والأميركي بالدعم المطلق لإسرائيل، والتغاضي عن خطايا «الطفل» المدلل والمبذر.
 
في خضم شبهات الفساد، يغادر نتانياهو إلى واشنطن. خمسة أيام أميركية ليست سوى تسويق جديد لنفسه في الإعلامين الأميركي والإسرائيلي بعيداً من الملفات القانونية. سيضيء مجدداً على العلاقة المتينة مع ترامب و «صداقتهما الحقيقية». وسيكرر عبارة «أخبار مزيفة» التي استعارها من ترامب للتنديد بفضائح الفساد ضده. وسيشكره، خلال لقائهما اليوم في واشنطن، على قرار الاعتراف بالقدس «عاصمة لإسرائيل» ونقل السفارة الأميركية إلى المدينة، بل سيدعوه إلى حضور حفلة تدشين السفارة في أيار (مايو) المقبل. ثم سيتحدث أمام «إيباك»، فهل يخطب فيها أم يخطبُ ودّها؟
 
وهذا أيضاً شأن الديكتاتور حين يبحث عن حلول في الخارج. نتانياهو لا يختلف عن أشباهه تاريخياً، ولا تختلف آليات عمله. لكنه نموذج للديكتاتور في زمن العولمة.