إنه الله… إنها أميركا.. بقلم: نبيه البرجي

إنه الله… إنها أميركا.. بقلم: نبيه البرجي

تحليل وآراء

السبت، ٣ مارس ٢٠١٨

منذ عقود، سأل السناتور وليم فولبرايت «لماذا ننظر الى العالم بعيني الكاوبوي لا بعيني… الله؟».
بالرغم من البعد الكاثوليكي في شخصيته، وهو البولوني الأصل، عقّب زبغنيو بريجنسكي على ذلك بعد سنوات طويلة «هل استطاع الله أن يفرض عدالته على الأرض لكي تتمكن أميركا من أن تفرض عدالتها؟».
مستشار الأمن القومي في عهد جيمي كارتر، والذي لعب مع البابا يوحنا بولس الثاني دوراً محورياً في زعزعة المعسكر الشيوعي، ومن شواطئ البلطيق في بولونيا، لاحظ أنه حتى السيد المسيح لم يكن ليترك أي أثر وسط تلك الأدغال لولا سيف قسطنطين الأكبر.
اذاً، هي معادلة القنبلة النووية وطبق الهوت دوغ. الياباني ناغيزا أوشيما (مخرج… أمبراطورية الحواس) قال ان هاري ترومان لم يأمر بالقاء القنبلة ليتمتع بمرأى الأمبراطور هيروهيتو وهو ينحني أمام الجنرال دوغلاس ماك آرثر، وانما ليبعث بهذه الرسالة الى البشرية «هنا ينتهي الله، وهنا تبدأ أميركا».
أما السناتور جو ماكارثي الذي شن حملته الشهيرة بحجة شنق الشيوعيين في الولايات المتحدة، ومن تشارلي شابلن الى جورج مارشال، فقد لاحظ كيف أن الايديولوجيا، مثل التاريخ، تقتل العقل البشري.
لو كان سيغمند فرويد في هذا القرن لوضع جانباً «المسألة اليهودية» بكل تعقيداتها، السيكولوجية، والتاريخية، والتوراتية، وكتب في «المسألة الأميركية»، على أنها المثال الصاعق لعقدة أوديب (رائعة سوفوكل) الذي قتل أباه وتزوج أمه قبل أن يفقأ عينيه.
أليست أميركا كل العالم؟ ليس هناك من أمة، من ملّة، ليست موجودة على الأرض الأميركية. بالرغم من ذلك تقاتل، تقتل، وأحياناً تتزوج كل العالم.
بول كنيدي الذي كتب عن غروب الأمبراطورية لامس المسألة جانبياً، دون أن يسأل عن المآل الترجيدي لأوديب. لسنا من السذاجة بحيث نتوقع مثل هذه النهاية للأمبراطورية، لكننا نلاحظ كيف أن الولايات المتحدة تبدو، في زمننا، وكأنها في حالة هيستيرية، وتنقض على كل من يتجرأ على الوقوف في وجهها أو في وجه اسرائيل.
كيف لدولة أن تتصرف بهذه الطريقة ؟ حتى في ذروة الحرب الباردة، واندفاع الشيوعية كقاطرة ايديولوجية وتتوخى تدمير الرأسمالية، لم تكن الادارة الأميركية تتصرف كما الآن. تصوروا… لائحة تمهيدية بفرض عقوبات على رئيس الوزراء الروسي، وعلى وزيري الخارجية والدفاع.
لولا بعض الضوابط لأنزل عقوبات بحق أنغيلا ميركل. وحين عرض استراتيجيته للأمن القومي، كاد يدعو الى ازالة روسيا والصين باعتبارهما النموذجين النقيضين للولايات المتحدة.
اوبير فيدرين، وزير الخارجية الفرنسي السابق، تساءل ما «اذا كان المفروض بنا أن نكون زنوج الدرجة الثالثة»، ليمضي ساخراً «اذا كانت أميركا تعاقب كل هؤلاء الناس فماذا تركت للملائكة؟».
هذه ادارة هوجاء، ولا تمتّ بصلة الى الايقاع الأخلاقي للثفافة الأميركية الأخرى، ومن بنيامين فرنكلين الى جين فوندا. كيف لذلك المعتوه أن يهدد بقطع المساعدات عن الدول التي صوتت ضد قراره اعلان القدس عاصمة لاسرائيل؟
الخطوة الأولى، والبربرية، بدأت بحجب المعونات عن الاونروا التي تقدم خدمات محدودة الى اولئك الذين اقتلعوا من أرضهم، وتبعثروا منذ سبعين عاماً في المخيمات، حيث الحياة ما دون البشرية.
الذي لاحقه شبح جيمس كومي، والآن شبح روبرت مولر، يوزع العقوبات ذات اليمين وذات اليسار. يضحكون في واشنطن: متى يفرض العقوبات على ميلانيا لأنها طردته من غرفة النوم؟ الآن يحاول الهروب، بصواريخ التوما هوك، الى المسرح السوري، بالحجة المفبركة اياها. السلاح الكيميائي.
هذه امبراطورية حققت المعجزات في قطاع التكنولوجيا. كل العالم يدين لها بذلك. وكل العالم مفتون، بصورة أو بأخرى، بالنموذج الأميركي (من الأكثر شهرة، آدم أم… ألفيس بريسلي؟). أرقى الجامعات، وأرقى معاهد البحث. هي الدولة التي زرعت النجوم على القمر وعلى المريخ، ومع ذلك تتعامل قبلياً، أو همجياً، مع الآخرين. من المنطقي أن نسأل: متى تثور أميركا على أميركا؟
الفلسطينيون مثالاً. هؤلاء المحطمون الذين لا يحصلون من الاونروا على ما تحصل عليه القطط. هؤلاء المعذبون الذين لا مكان لهم حتى في الهواء، يعاقبهم دونالد ترامب. أما العرب، أما العرب أيها السادة، فهم القهرمانات في البلاط الأميركي.
انه الله وانها أميركا. نسأل ما اذا كانت مفاتيح جهنم باتت بين يديّ ذلك الكاليغولا الذي يدعى… دونالد ترامب؟