روسيا التي “لا تقهر”.. بقلم: سميح صعب

روسيا التي “لا تقهر”.. بقلم: سميح صعب

تحليل وآراء

السبت، ٣ مارس ٢٠١٨

لا حاجة الى فلاديمير بوتين ليغرف من كتاب “الأبله” لفيودور دوستويفسكي كي يعرف “أن الليبرالية الروسية لا تهاجم نظاماً قائماً. إن ما تستهدفه هو جوهر الحياة القومية، هو هذه الحياة نفسها لا المؤسسات، هو روسيا لا النظام”.
فالرجل الذي أعاد روسيا إلى قيد الحياة ورد إليها الكثير من مكانتها الدولية، هو هدف للغرب عموماً وللولايات المتحدة خصوصاً.
ففي أميركا أيقظوا شياطين المكارثية وأعادوا الاعتبار الى إيديولوجية تجعل روسيا هي العدو الرئيسي للولايات المتحدة، عدو تبدو معه كل التحديات التي تواجه العالم ومنها الإرهاب الممثل بـ”داعش” و”القاعدة” وصعود الحركات اليمينية المتطرفة، تحديات هامشية إذا ما قيست بروسيا.
وأميركا نفسها هي التي تبحث في صلب عقيدتها العسكرية عن اللجوء الى صنع قنابل نووية صغيرة قابلة للاستخدام في حروب المستقبل، تضمن إلحاق الهزيمة بالخصم وتوفر على الأميركيين خسائر في الأرواح والاقتصاد، شيء يشبه قنبلتي هيروشيما وناغازاكي. لا بل يذهب “البنتاغون” الى الحديث عن قرب إنجاز قواعده العسكرية في الفضاء، بعدما ضاقت الأرض والبحار بأميركا ولم تعد تفي بغرض إحكام السيطرة على العالم وإخضاعه لمشيئتها.
بعد تفكك الاتحاد السوفياتي كادت روسيا تتلاشى عندما حاول الغرب تذويبها في عقيدته واغراقها في ليبرالية لا متناهية، تخرجها من كل تاريخها وثقافتها، التي لم تكن الحقبة الشيوعية سوى مرحلة من مراحلها، في حين ان الشخصية الروسية تكونت مدى قرون ولا يمكن اختصارها بالفترة الشيوعية وحدها، على رغم الانجازات التي تحققت في تلك الفترة وكانت كفيلة بنقل روسيا من المحراث الى الفضاء.
ولأن عقيدة أميركا قائمة على الاحادية، تتخلى اليوم عن الاعداء الوهميين، الذين اخترعتهم في الفترة التي تلت الحرب الباردة، مثل التنظيمات الجهادية وبعض الانظمة، من العراق وايران وكوريا الشمالية وسوريا، وتعود الى التركيز على روسيا.
ومن هنا وجب التغيير في العقيدة العسكرية الاميركية، التي تضمن تفوقاً عسكرياً على الاسلحة النووية الروسية، لأن هذه الاسلحة في الحسابات العسكرية الاميركية، هي الخطر الذي يجب تحييده، كي تجفف آخر منابع القوة لدى بوتين المقبل على انتخابات رئاسية محسومة لمصلحته لست سنوات مقبلة.
ربما لهذا السبب اختار بوتين توجيه رسالة ردع للرؤوس الحامية في الولايات المتحدة، باعلانه في خطابه السنوي أمام مجلس الاتحاد الروسي، ان موسكو اختبرت أسلحة “لا تقهر”، وأن روسيا سترد فوراً في حال استخدام القنبلة النووية ضدها أو ضد حلفائها.