هدف أميركا إبقاء سورية تحت تهديدٍ مستمر وروسيا تفسد هدفها

هدف أميركا إبقاء سورية تحت تهديدٍ مستمر وروسيا تفسد هدفها

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٦ فبراير ٢٠١٨

تدور حربٌ عالمية في سورية بين الولايات المتحدة وروسيا عنوانها «الوضع الإنساني في الغوطة»، شرق العاصمة السورية دمشق. إنها حربٌ ضروس، كل شيء مستباح فيها ونُزعتْ عنها القفازات بحيث إن أيّ طرفٍ من الدول العظمى المتناحِرة علناً لن يقبل بالانكسار للطرف الآخر، على حد وصف مصادر سورية مطّلعة.
 
نعم،هناك وضع إنساني في الغوطة الشرقية كما هو في مناطق أخرى منذ أعوام الحرب، وكما كان قبلها في مدينة حلب ومدينة الرقة وغيرهما، ذلك أن الحرب تقضي أولاً على المدنيين الذين لا ملجأ لهم وهم تحت رحمة المسلّحين والصراع الدولي الدائر في سورية منذ نحو سبعة أعوام.
وهناك عشرات الآلاف من الساكنين في الغوطة الشرقية التي تقدرالأمم المتحدة عدد سكانها بنحو 400 ألف، مع العلم ان كل إحصاءات المجتمع الدولي – بما فيها الأمم المتحدة – لكل المدن السورية التي شنّ الإعلام الدولي حملة «لإنقاذها» كان مبالَغاً فيها، ابتداءً من مضايا إلى حلب إلى مدن كثيرة كانت تحرّكها السياسات والمَصالح.
 
وذكّرت المصادر أن الحكومة السورية كانت قد أعلنت أنها فتحت – مثلما فعلت أميركا والحكومة العراقية في مدن الموصل وتكريت والرمادي والحويجة وغيرها – ممرات آمنة لخروج المسلحين قبل بدء الهجوم، إلا أن الفارق بين سورية والعراق أن تنظيم داعش أصبح يتيماً لا معين له وأن المشاركة الأميركية الجوية التي دمّرت مدينة الموصل القديمة – كما دمّرت الرقة السورية بأكملها وقتلت أعداداً كبيرة من المدنيين فيها – مسموح لها بذلك من دون أن يَشن إعلامها أيّ حملة عليها. وقد عرف العالم عبر التاريخ أن المشاركة الأميركية في أي حربٍ تترك قتلى بحجم الدولة العظمى – أي مئات الآلاف – ابتداءً من الحرب الأفغانية أو العراقية كمثال على ذلك في الحروب المعاصِرة.
 
إلا أن الممرات التي فتحتْها الحكومة السورية لم تثمر عن خروج المدنيين من الغوطة الشرقية، وفقاً للمصادر، لأن المسلّحين الموجودين على تماس مع الجيش السوري هم من «فيلق الرحمن» وتنظيم «القاعدة» (تحت مسمى جبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام)، بينما «جيش الإسلام» يتواجد في محيط دوما شمالاً حتى الصالحية جنوباً. أما حرستا وزملكا وعين ترما فهي تحت سيطرة جماعات متطرفة تمنع المدنيين من الخروج.
 
واعتبرت المصادر أن من الطبيعي أن يتخذ هؤلاء المدنيون دروعاً بشرية، لأن «القاعدة» وحلفاءها يعولون كثيراً على الحملة الأميركية والدعم الدولي والإعلامي الذي يقف أمامهم في الدفاع عن الهدف نفسه.
 
أما الهدف الأميركي فهو إبقاء العاصمة دمشق تحت تهديدٍ مستمر، تطولها القذائف يومياً بما يعطي إشارة الى أن سورية دولة لا تتمكن من حماية سكانها في قلب العاصمة، وبالتالي لا أمان لأي سفارة أو منظمة دولية في البقاء أو التفكير في الذهاب لإعادة العلاقات مع الدولة السورية. وهذا هو الهدف الأول.
 
وأوضحت المصادر أن الهدف الثاني هو إبقاء التهديد مستمراً على دمشق لإثبات فشل كل المساعي الروسية بالتهدئة. وهذا ما صرّح به المسؤولون الأميركيون الذين قالوا ان كل لقاءات «سوتشي» و«أستانة» التي رعتْها روسيا «فاشلة». وهذه طريقة للضغط أكثر على روسيا التي تعمل جهدها لوقف الحرب السورية.
 
أما الهدف الثالث، حسب المصادر، فهو حماية تنظيم «القاعدة» ليبقى شبح الحرب مخيّماً على سورية، وتالياً تبرير الوجود الأميركي في شمال شرقي سورية على قاعدة أن التهديد الإرهابي لا يزال قائماً وأن بقاء القوات الأميركية في تلك البقعة ضروري لقتال الإرهاب.
فأميركا لن تخرج من شمال شرقي سورية، حيث توجد مطارات أميركية وقواعد عسكرية.
 
بالإضافة إلى ذلك، علمت «الراي» أن طائرات إسرائيلية هبطت مرات عدة في المطارات الأميركية الموجودة في تلك المنطقة (الشمال الشرقي) التي تشكّل مساحتها نحو 4 مرات مساحة لبنان، الدولة المجاورة.
 
وتملك إسرائيل أفضل وأكبر قوة جوية في الشرق الأوسط إلا أن سلاحها الجوي يتواجد في بقعة صغيرة جداً تمثّل هدفاً سهلاً لصواريخ إيران و«حزب الله» في حال نشوب حرب بدأت بها إسرائيل. ولذلك فإن القواعد الأميركية في مناطق أكراد سورية تشكل حماية وضمانة لهذا السلاح ومنطلقاً يمكنه من خلاله ضرْب أي هدف يشاء في سورية ولبنان والعراق، عسكرياً كان أو أمنياً.
 
ويبقى الهدف الرابع، وفقاً للمصادر، وهو النفط، إذ يتواجد نفط وغاز بكميات هائلة في الشمال الشرقي السوري. وهذا يؤمن موارد كبيرة للمنطقة التي يقطنها أقل من 10 في المئة من السوريين العرب والكرد لكنها تمثل أكثر من 24 في المئة من مساحة سورية الجغرافية. وبالتالي فإن أميركا لا تحتاج لميزانية ضخمة لإنعاش المنطقة بل فقط لإنشاء قواعد عسكرية ومطارات لها، بينما تستطيع شركات النفط الأميركية التزام الاستثمارات النفطية والغازية ما سيزيد الدخل القومي الأميركي، وهذا ما يسعى إليه دونالد ترامب.
 
لقد أعادت أميركا الحرارة إلى الحرب الباردة مع روسيا من خلال الغوطة الشرقية. فهي غير آبهة لقرارات الأمم المتحدة عندما رفضت وقف القصف العشوائي على الرقة ودمّرتها، كما أنها ضربت بعرض الحائط القرارات الدولية التي لا تناسبها منذ إنشاء الامم المتحدة. إذاً إنها ليست الغوطة بل روسيا والحرب عليها. وأضافت المصادر: لقد أخذت أميركا منطقة لا تحلم بالسيطرة عليها منذ أكثر من 50 سنة وهي تحتلّها تحت عناوين مختلفة بينها ممر طهران – بغداد – دمشق – بيروت الذي فتح على الرغم من التواجد الأميركي في التنف والحسكة ودير الزور. وهي وحلفاؤها يعتبرون اليوم – لذرّ الرماد في العيون – أن إيران هي الخطر الأكبر على الشرق الأوسط وربما العالم، وذلك لحرف النظر عن سورية. وتعتبر واشنطن ان «ايران تُحْدِث تغييراً سكانياً في الغوطة» عندما تُشارِك قوات الجيش السوري وحده في معركة الغوطة وعندما تعود أكثر من 1700 عائلة الى الزبداني (متوقّع عودة 5000 في أقل من شهر) ويبقى أكثر سكان حلب في مواقعهم وتُسوى أوضاع سكان مضايا وغيرها من خلال المصالحة الوطنية.
 
هناك في الغوطة الشرقية عشرات الآلاف من المدنيين المحاصَرين يتعرضون للضرب والقصف والحصار الداخلي والخارجي. وهناك الملايين في دمشق يتعرّضون للضرب والقصف اليومي من الغوطة. لقد طلبت روسيا وقف الحرب في سورية مشروطةً بانسحاب كل القوى الأجنبية التي لا توافق عليها الحكومة المركزية لإنهاء الحرب في الغوطة وسورية. إلا أن هذا المطلب مستحيل التنفيذ لأن أميركا وتركيا لا تريدان الخروج الآن من سورية ولا في المستقبل القريب بل يهمّهما تقسيم سورية.
 
وختمت المصادر بالقول: إن الغوطة هي الحرب الأخيرة على معقل المعارضة وهي أحد الأوراق – ليس كلها – المهمة لأميركا لتحاول طعْن روسيا إذا وافقتْ على الانصياع للضغط الدولي والإعلامي.
 
لقد أفسدتْ روسيا مخطط الغرب في سورية، وتالياً لن تستسلم أميركا لخسارتها المعركة بل هي أعادت أجواء الحرب الباردة التي ستخيّم على الشرق الأوسط حتى آخر أيام الصيف المقبل.