ماذا فعل الفکر التكفيري بمجتمعاتنا وكيف نقاومه؟!.. بقلم:تمارة المجالي

ماذا فعل الفکر التكفيري بمجتمعاتنا وكيف نقاومه؟!.. بقلم:تمارة المجالي

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٦ يناير ٢٠١٨

إستغلت بعض الدول الغربية، وعلى رأسها أمريكا، الجماعات الإرهابية والتكفيرية لتنفيذ مخططها الرامي إلى تمزيق المنطقة، والعبث بمقدّراتها والتحكّم بمصيرها. وأوعزت هذه الدول إلى حلفائها الإقليميّين،

وفي مقدمتهم قطر والسعودية وتركيا والأردن بدعم هذه الجماعات بالمال والسلاح لإرتكاب أفظع الجرائم بحق شعوب المنطقة، من أجل تشويه صورة الإسلام من جانب، وبثّ الفُرقة بين أتباعه لإحكام سيطرتها على العالم الإسلامي خدمة للمشروع الصهيو-أمريكي في هذه المنطقة من جانب آخر.

إنّ الفكر التكفيري، يُعدُّ من جملة الأخطار التي هزت أرض المسلمين هزة عنيفة، فأطاحت ببُناه الإجتماعية والإقتصادية والثقافية وحتى العقائدية، بسبب ما فرضته وأدخلته من تشوّهات وأفكار شاذة ومسمومة، عملت على التفريق بين الناس، وأضرّت بكل المذاهب والملل، وأحدثت صدعاً قويا في صرح الأمة، مكّن الأعداء من التشويه والطعن في مقدّساتها وأئمّتها وعقيدتها بكل توجهاتها على حد سوى. وتلك فتنة، دعمتها عقول مريضة وضعيفة قدّمت خدمات مجانية لهؤلاء، لتمزيق الأمّة، وتفكيك سبل الإرتباط بينها.

ماذا فعل التكفيريون؟! كيف توغّلوا في مجتمعاتنا؟! ماهي سبل مقاومة ما زرعوه في عقول شبابنا؟! هذه مجموعة من إشكاليّات وجب طرحها، ومحاولة إيجاد الحلول لمعالجتها.

لابدّ لنا من الإعتراف أوّلا، أنّ التكفيريين لم يخرجوا من فراغ، لعل ما تعانيه مجتمعاتنا اليوم، وللأسف، من تشتّت في البنى الإجتماعية والأخلاقية، ومن فقر، وبئس، وظلم إجتماعي، وإنعدام الأمن، وحالة الضياع التي تعيشها الفئات الإجتماعية وخاصة الشباب منهم، هو الذي جعل منهم فريسة سهلة لهذا الفكر المتطرف والشاذ.

لكن لا ننسى أيضا، أن التاريخ الإسلامي حافل أيضا، بالكثير من التناقضات والإختلافات، التي زرعت شقاقا فكريا كبيرا بين مختلف التيّارات، وربما كانت حجج إعتمدها أنصار الفكر المتطرّف، للضغط والتشويه واللعب على عقول المخالفين وإستمالة الضعفاء منهم، لمشروع تدميري فوضوي أكثر خطورة على الأمّة كلها.

لكن علينا النهوض من هذا السبات، والعمل على مقاومة هذا التيار المدمّر بكل الوسائل، فكرية كانت، أو إعلامية، أو ثقافية أو إقتصادية أو سياسيّة.

فمجتمعاتنا الإسلامية بحاجة لمصالحة مع نفسها، بحاجة لأمن إقتصادي وغذائي، وإجتماعي وفكري وروحي، يبعد عنها شبح الإستسلام والضعف والسقوط في ايادي خبيثة عدوانية، همّها الأول تحقيق مشاريع هدّامة، خدمة لقوى إستكبارية، وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل.

اليوم لابد من الإعتماد على وسائل الإعلام، لما تقوم به في ظل  ثورة الإتصالات والتقدم التقني- في تشكيل الوعي والتأثير العميق والشامل على جميع مناحي الحياة والثقافة والفكر، لبيان كيفية معالجة ظاهرة التكفير.

وللأسف، لابد لنا أن نذكر هنا، أنهاّ أيضا كانت سلاحا فتّاكا إستغلّته هذه الجماعات، لإستقطاب المؤيدين وتجنيدهم. كما من الضروري، صياغة حلول للمشكلات النفسية والإجتماعية التي ينعكس عنها هذا التطرف. إضافة إلى ذلك، معالجة الدوافع النفسية السقيمة التي تدفع بعض الأفراد إلى تكوين بؤر نكدة تنعكس على الرؤية والفهم والثقافة والسلوك، كحب الظهور، والشعور بالإحباط، والتأثر ببيئات التوتر والصراع الفكري.

لابد أن تتصدى المجتمعات الإسلامية بقوة لهذه الظاهرة بالوعي، عبر آليات متناغمة أهمها إستعمال الأسرة- النواة الأولى في المجتمع-، إطلاق حملات المواجهة ضد التكفير الذي يعمل على تشتيت الأسر وتفكيكها. ثم بعد ذلك، التصدي للثالوث المدمر (الجهل- الفقر- العشوائية) المؤدّي للتشنّج النفسي المفضي إلى التكفير. دون إغفال مسألة مهمّة، أنّه من الضروري، التركيز على الجانب الوقائي قبل العلاجي، أي حماية المجتمعات، ومنحها المناعة الكافية للتصدي لهذه الآفات ومواجهتها.

إنّ ظاهرة التكفير هي سقوط في الهاوية، فالجماعات التكفيرية تنتحر بيدها، وتختنق بالظروف العدائية التي أنشأها الغلوّ والتعصّب بعيداً عن روح الأحكام الشرعية، ومرونة الوسطية والإعتدال التي وصف بها الإسلام.

إنّه من الضرورة بما كان، تحجيم الثقافات والتوجّهات الداعية لفتنة التكفير، وإستعمال كل السبل للوقوف في وجهها، وحجبها عن التسلّل لعقول شبابنا خاصة، لأنهّم الحلقة الأضعف.

ونعتقد أنّ دور العلماء والدعاة مهم في هذا الشأن لإسترجاع الثقة، ووضوح الرؤية لدى تلك العقول الضائعة. ولابد من إنشاء جهات وروابط عالمية فعالة متخصصة لمواجهة التكفير، تبعد عن الإسلام ما نسب إليه من نتاج هذا الفكر من تشوّه وإرهاب.

قد يكون الأمر صعبا، لكنه، لم ولن يكون مستحيل إذا ما عزمنا على تطهير أمّتنا من هذا الفكر المشوّه الشاذ، الذي بوجوده تمكن العدو منا. إنّ الهزيمة العسكرية لهذه الجماعات التكفيرية التي خربت،
ودمّرت وسرقت تاريخنا، كفيل بأن يعطينا أمل، لنعمل على هزيمتها فكريا وعقائديا، بكشف زيفها وإبتعادها عن القيم العقائدية والأخلاقية والإنسانية للإسلام المحمدي الأصيل.