مؤسساتنا ودور الأبحاث والدراسات .. بقلم: سامر يحيى

مؤسساتنا ودور الأبحاث والدراسات .. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٣ يناير ٢٠١٨

 شارف الشهر الأول من العام الجديد على الانتهاء، وتلقائياً استقرّت موازنة المؤسسة والخطط الإدارية والاقتصادية والانتاجية وحتى الفكرية إلى ما هنالك، وبدأت بشكلٍ جدي عملية التنفيذ المفترض أن تبدأ معها الأخذ بالحسبان التحديات والثغرات والإيجابيات.

       تكمن المشكلة التي نعاني منها منذ زمن ولا زلنا نغوص في هذا الخطأ، أننا نضع الخطط والموازنة، دون أن نضع التحديّات وإمكانيات التعزيز والتطوير لها، وخلال العام ننادي بضرورة ضغط النفقات ومنع الهدر، وندّعي عدم وجود موارد مالية وبشرية لعملية التطوير وتحسين الأداء، ونتذرّع بالظروف التي تحيط بسوريتنا، والعلاج بسيط وسهل ألا وهو تفعيل دور أقسام ومراكز الدراسات والأبحاث والعلاقات العامة، التي هي صلة الوصل بين المؤسسة وجمهورها الداخلي والخارجي ونظرائها، لتحقيق التوازن بين النظري والعملي للتطبيق على أرض الواقع، وتفعيل عجلة الإنتاج، والتنبّه لكل المخاطر والتحديّات والاستعداد لمختلف الظروف، وتلقائياً ستحقق موارد مالية وموارد بشرية بآنٍ معاً، ونهوضاً بناءً وحقيقياً، وتطبيق المراقبة لتصحيح وتصويب وتقويم أي عثرة تتعرّض لها المؤسسة.

        ولا يحتاج المسؤول ليقول لا يعرف كيفية تسويق فكرته أو خطّته، ولا يتعثّر بأي سؤال يوجّه له أو تحدٍ يواجهه، لأنّ كل ذلك ستتوفر الإجابة عليه، ويكون مدروساً بحكمة وحنكة وموضوعية، وعدا ذلك سيكون فشلاً في المستقبل، أمام أي عقبة أو ثغرة قد تواجه هذا المشروع أو المخطط، فكل مؤسساتنا لديها هيكلية ثابتة وأثبتت صموداً ونشاطاً رغم كل محاولات تفتيتها وتشويهها وتقصير أو خيانة بعضاً من أبنائها، وما نحتاجه هو عملية التطوير والنهوض بدور كل فردٍ بالمؤسسة، لنلمس نتائج التطوير والتحديث بشكلٍ آنيٍ مباشر، ونحقّق المستقبل الذي نطمح إليه.

      علينا الانطلاق من التجربة السورية، فالمدينة الفاضلة التي تكلّم عنها افلاطون قبل الميلاد، وتمنى أن يحكمها الفلاسفة، ومونتسكيو الذي نادى قبل حوالي مائتي عام فصل السلطات والغاء الرق وقسم الدولة إلى ثلاثة أجيال، وتعريف توماس هوبز الدولة بأنها تعاقد إرادي وميثاق حر بين البشر، وسبينوزا اعتبر أن تأسيس الدولة صيانة حقوق الأفراد وحرياتهم بعيداً عن الحقد والظلم والخداع، وهيجل يرى أن الدولة ليست فقط حماية الفرد، بل انخراط الفرد ضمن الروح الاجتماعية المطلقة، ورؤية فايبر أن السياسة تدبير الشأن العام، والكثير من الدراسات والتحليلات والأفكار والتجارب .... لم تكن عبارةً عن نسج أحلام ولا مجرّد كلمات كتبت، إنّما نتيجة تجارب وقراءات وأفكار وتحليل ونقاش مع تلامذتهم بالدرجة الأولى، وضمن البيئة المحيطة بهم، فحريٌ بنا الاستفادة من تجارب الآخرين، ولكن ألا نتجاهل أننا لدينا من التجارب، التي يجب أن نستفيد منها، لأنها منطلقة من واقعنا، وتسهّل علينا تطبيق الأفكار والآراء والاجتماعات التي تحصل لتكون أكثر إيجابيةً ومستدامةً ويلمسها المواطن العادي مباشرةً، فلا يوجد شيء في العمل الإداري اسمه نتائج مستقبلية، بل هي نتائج حالية تمهّد للتطوّر المستقبلي، لا سيما أنّنا في عصر التقدّم التكنولوجي، ومن السهل الحصول على المعلومة، والحصول على البيانات وقياس الرأي العام ومعرفة ردّة فعله، مما يتطلّب قيام مديريات ومراكز الأبحاث والدراسات، تسليط الضوء عليها، وتمييز الغث من الثمين، الصادق من الكاذب، وصناعة رأي عامٍ مؤمن بإنسانيته متشبّث بوطنه، مقتنع بأداء مؤسساته، عنصراً فعّالاً في استكمال بناء وطنه، لا مجرّد النقد الهدّام، أو النقد بهدف الثرثرة وإضاعة الوقت، أو الدفاع غير المنطقي، أو تحميل المسؤولية دون تحمّلها، وهنا لا بدّ من الإشارة لضرورة تقسيم مراكز الأبحاث والدراسات:

ـ مراكز الأبحاث العلمية، ومعروف دورها وطبيعة عملها وضرورتها للنهوض بالبلد.

ـ مراكز الأبحاث والدراسات السياسية والفكرية والاقتصادية... إلخ.

ـ قسم أو مديرية البحوث والدراسات بكل مؤسسة، سواء كان اسمها البحوث والدراسات أو العلاقات العامة، التي دورها البحث بحكمة وحنكة ضمن الإمكانيات المتوفرة للغوص في مكامن المعلومة والخبر والقدرة والإمكانية للمؤسسة، متفاعلة مع كافة العاملين بها، بهدف الاستفادة منها وتطبيقها على أرض الواقع، لزيادة الأداء والإنتاج.

        وتفعيل دور المراكز الثلاث كافٍ لمعالجة الفساد، وزيادة الإنتاج وتحقيق دخلٍ مادي للمؤسسة والمواطن والوطن بآنٍ معاً، ودورها ليس في نقل المعلومة أو الخبر، أو جلسة تدريبية نظرية أكاديمية منقولة أو أُعيد صياغتها، إنما دورها عملية تأهيل حقيقية، وتوفير دراسات جدية، وعندما لا تستطيع الأنواع الثلاثة، ايجاد الفكرة المناسبة لكلٍ من صانع القرار، والمحلل السياسي أو الاقتصادي ..إلخ، والرأي العام، فهي مراكز لا تقوم بالدور المنوط بها، ودراساتها مجرّد نقلاً عن الآخرين، وترهق كاهل المؤسسة والوطن، وتهرّب من تحمّل المسؤولية الوطنية والقومية بآن معاً.

       دائماً نحمّل تقصيرنا للوضع المالي، بكل تأكيد الوضع المالي ضروري لنجاح أي عمل دون استثناء، ولكن في الظروف الحالية علينا الانطلاق ضمن الامكانيات المتوفرة، والكوادر البشرية الموجودة لتفعيل دورها، وتعاون الجميع مع المراكز المتخصصة، فلدينا في المؤسسات التعليمية من الأكاديميين المفترض على الأقل كل شهر يكون قادر على تقديم بحث مختصر ضمن تخصّصه، وكذلك الأبحاث التي يقدّمها الطلبة خلال سني دراستهم والتي لا تقل للطالب الواحد عن عشرين بحثاً خلال سني دراسته إضافةً لرسائل الماجستير والدكتوراه، والأبحاث المفترض أن يقدّمها الطلبة الموفدون، عدا عن الخبرات والأكاديميين لدى كل مؤسسة من مؤسساتنا، والممارسة العملية اليومية للموظفين، والتي عليها وضع المعطيات الأساسية لدى هذه المراكز والأقسام، وتفعيل التعاون والتعاضد مع المراكز ذات المبادئ والقواسم ومجالات البحث المشتركة.

     إن مراكز الأبحاث ليست مجرد قلم وورقة، مقرّ وأشخاص، متخصصون أو غير متخصصين، نشرة إعلامية أو اقتصادية أو سياسية، ينقل ما يقال هنا وهناك، ترجمة أو تفسير ما قاله الآخرون، إنّما هي العقل الناضج وقاعدة بيانات حقيقية لاستنهاض الهمم وتفعيل العمل الجماعي، وابتكار السبل الأفضل للنهوض والانطلاق بقوة لسورية الحاضر والمستقبل بآنٍ معاً، وبديلٌ فعلي وجاد عن المعلومات التي ينقلها المقرّبون من هذا المسؤول التي تكون عادةً مقولبةً كما يريد المسؤول ضمن مصلحة بطانته..  

        جزء من الثمن الذي نسدّده للشهداء الذين افتدوا الوطن بدمائهم، هو الابتعاد عن الشخصانية والبدء بالعمل الجماعي، وتفعيل واستنهاض همم الجميع، بعيداً عن الانتهازيين، وابتكار السبل الكفيلة بتفعيل عجلة الإنتاج والنهوض بإمكانيات وموارد المؤسسة المتوفّرة.