ثرثرة فوق مدينة القدس.. بقلم: ثريا عاصي

ثرثرة فوق مدينة القدس.. بقلم: ثريا عاصي

تحليل وآراء

الجمعة، ١٢ يناير ٢٠١٨

يخيّل إلى المراقب أن المجتمع الدولي من غربه إلى شرقه، عربأ وإفرنج يسعى إلى إغراق  الفلسطينيين بخاصة وسكان الهلال الخصيب عموماً، في الشكليات. لقد بلغت هذه السيرورة الذروة في إعتقادي في مهزلة إتفاقية أوسلو 1993 التي تضمنت وعوداً  بدولة وهمية ذات مؤسسات إفتراضية، أو بتعبير أدق عُرض على الفلسطينيين تجسيم  دولة فلسطينية في «الضفة الغربية وعاصمتها القدس حيث مقدساتنا المسيحية والإسلامية» بحسب اللازمة الشهيرة!
 من المعروف أن سيرورة  الإغواء إنطلقت عندما أخذت الفصائل الفلسطينية طريق المنفى إلى تونس، ظهر آنذاك بوضوح أن هزيمة حركة التحرر الفلسطينية يعود تاريخها  في الحقيقة إلى ما قبل إحتلال بيروت في سنة 1982. ولا شك في أن  الإلتفاف على  الإنتفاضة الفلسطينية الأولى في 1987 بموازاة الإعلان عن «الدولة الفلسطينية» في سنة 1988 في الجزائر كانا دليلين على أن حركة التحرر الفلسطينية وقعت في الأسر وأنها مجبرة على الإستسلام!    
هكذا صار السيد رجب طيب أردوغان الذي بين حكومته وبين الحكومة الإسرائيلية ما بينهما من إتفاقيات وعلاقات في جميع المجالات، ومن ضمنها العسكرية، يغتنم الفرص «لتجسيم وصايته» الإسلامية العثمانية  على القضية الوطنية الفلسطينية بالإعلان عن نيته في نقل السفارة التركية «لدى السلطة الفلسطينية» إلى القدس الشرقية، أي من مكان تحت الإحتلال إلى مكان آخر تحت الإحتلال.
أما خادم الحرمين، الملك الشاب، ورئيس مصر، فإنهما فضلا الصمت والجمود، فليبقى الإحتلال كما تشاء الولايات المتحدة الأميركية!
مجمل القول أن زعماء منظمة التحرير الفلسطينية توهموا وأوهموا الفلسطينيين بأن النهج الذي يسيرون فيه سوف يؤدي إلى إنسحاب المستعمرين الإسرائيليين من القدس ومن الضفة الغربية. لا غرابة في هذا، فلقد إقتدوا بالقيادة المصرية التي وقعت اتفاقية سلام مع المستعمرين الإسرائيليين وأوهمت المصريين بأنها استردت سيناء . ها هي الحرب مشتعلة في سيناء وليس مستبعداً أن يصل بينها وبين المملكة السعودية جسر  يمر بجزيرتي تيران وصنافير يشبه الجسر الذي يربط السعودية بالبحرين. كانت العروبة من المحيط إلى الخليج فصار من الخليج إلى الخليج.
القدس مدينة فلسطينية إحتلها المستعمرون الإسرائيليون، وبالتالي فإن مسألة هذه المدينة هي في صلب أهداف حركة التحرر العربية منذ مائة عام من أجل تصفية الإستعمار  في بلادنا. تجدر الملاحظة في هذا السياق إلى أن الرئيس الأميركي أكثر في  إعلانه في موضوع القدس، من الإشارات إلى «يهودية القدس». بتعبير آخر إن إعلانه المذكور هو  في جوهره دعم وتأييد لمشروع «الدولة اليهودية» من خلال طمس الطبيعة  الإستعمارية الإستيطانية العنصرية للكيان الإٍسرائيلي وإظهار  النضال ضد هذا الكيان  كما لو كان منازعة دينية، بين الإسلام من جهة وبين اليهودية من جهة ثانية.تحسن الإشارة هنا إلى أن الدول الغربية التي تتزعمها الولايات المتحدة الأميركية تتبرأ  كذباً وخداعاً من النهج الذي سلكه الحزب الألماني النازي، لأن هذه الدول إرتكبت جرائم  مشابهة لجرائم النازيين ولكن ليس في أوروبا وإنما في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية وإستراليا، ولا يزالون مستمرين في أعمال القتل.
أما في موضوع  تعريف النضال ضد اسرائيل  بأنه ذو طابع ديني، فمن البديهي أن الغاية منه هي تمويه حروب الإبادة وخلق مبررات لها،  ضد الفلسطينيين والسوريين والعراقيين واليمنيين، إذ  أن الإسلام  بما هو ديانة، تعرض في السنوات الأخيرة للتشوية والتحريف على يد الدول الغربية والمملكة السعودية وتنظيمات من نوع القاعدة، داعش، جبهة النصرة، والزرقاوي والبغدادي وهجمات 11 أيلول في نيويورك وغيرها من الأعمال الإرهابية التي وقعت في المدن الأوروبية!
إن مشكلة الفلسطينيين بخاصة، والعروبيين بعامة، ليست دينية كما يحاول تقديمها الإسرئيليون والإسلاميون وأزعم شخصياً أنهم في هذا سواء. فالحديث أو  الثرثرة عن تقسيم مدينة القدس إلى مدينتين، وبلاد فلسطين إلى بلدين لا يعدو كونه مضيعة للوقت ومناورة لإشغال. فلا يجب أن ننسى أن إسرائيل دولة إستعمارية، هذه هي حقيقتها  وجوهرها، ولو كان نصف فلسطين أو ثلاثة أرباع مساحتها كافية لمشروعها الإستعماري لما أعلنت حرب  حزيران 1967 من أجل إحتلال سيناء والضفة الغربية وهضبة الجولان. كما يجب ألا يغيب عنا أيضاً أن إسرائيل دولة كبرى هذا اذا أخذنا بالحسبان امتداداتها في الدول الأوروبية وفي الولايات المتحدة الأميركية، ما يجعلها كبيرة التأثير في مجرى السياسة الدولية.
المفارقة هنا هي أن الوطنيين العرب كانوا يعرفون ذلك منذ أن بدأت تظهر معالم المشروع البريطاني في فلسطين، أي منذ أن دخلت القوات البريطانية في نهاية الحرب العالمية الأولى فلسطين. لولا بريطانيا لما كانت اسرائيل. فما الذي محا هذا كله من الذاكرة الجمعية؟
ما أود قوله تحديداً أن الإسرائيليين المستعمرين لن يقبلوا بالقطع تقسيم فلسطين أو تقسيم القدس أو التراجع عن الأرض التي استولوا عليها ولا شك في أن لديهم خطة من أجل ضم أراض أخرى  لدولتهم في سيناء وفي الأردن وفي سورية ولبنان. إن إفشال ذلك ممكن طبعاً ولكنه يتطلب مقاومة، علماً أن هذه لا تكون بالعنف فقط، لان المستعمر متفوق عنفاً وعسكرياً، وإنما بأساليب ووسائل متعددة تختلف  بحسب المكان والزمان وموازين القوى. المقاومة في 2017 لا تكون على نسق المقاومة في 1936 و1950!