البورتريه المدمّر لترامب… “غضب ونار” يروي القصة كلها

البورتريه المدمّر لترامب… “غضب ونار” يروي القصة كلها

تحليل وآراء

الاثنين، ٨ يناير ٢٠١٨

قبل سنوات من تباهي الرئيس الاميركي دونالد ترامب بأن حجم زره النووي أكبر من حجم زر الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ-أون، تفاخر سيد البيت الابيض بأنه أقام علاقات جنسية مع زوجات أصدقائه، أو هذا على الاقل ما ورد في كتاب”نار وغضب… داخل البيت الأبيض لترامب”، الذي يقول كل شيء عن ادارة تكاد تكون الاكثر غرابة في تاريخ أميركا. وفي غضون 15 دقيقة من صدوره، صار الأكثر مبيعاً على الإنترنت، وبدأ مخزونه ينفد.

منذ تسرب مقتطفات من الكتاب يوم الاربعاء الماضي، تزايد الطلب عليه على الانترنت. وكان ناشره، وهو مؤسسة هنري آند هولت، يعتزم إصداره في التاسع من كانون الثاني الجاري، لكن بعد تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب باتخاذ إجراء قانوني كي تحجب دار النشر اصدار الكتاب، سارع الناشر الى إصداره قبل الموعد المقرر بأربعة أيام “بسبب الطلب الساحق عليه”.

وفجَّر الكتاب مفاجآت كبيرة، لم تكن معروفة خارج نطاق مكاتب البيت الأبيض، وموظفي فريق ترامب وأعضاء إدارته. ولعل أكثر ها غرابة أن ترامب نفسه لم يكن يتوقع الفوز، وأن مسؤولي البيت الابيض مقتنعون بعجز الرئيس عن القيام بوظيفته.

وكتب مؤلف الكتاب مايكل وولف، الأكثر مبيعاً على الإنترنت وسط طلب غير مسبوق، في مجلة “هوليوود ريبورتر” الاميركية: “كان الجميع على وعيٍ، بشكلٍ واضح حد الألم، بازدياد وتيرة تكراره للكلام. فكان معتاداً على تكرار القصص الثلاث ذاتها، كلمةً كلمة وتعبيراً تعبيراً، كل 30 دقيقة، والآن أصبح يُكررها كل 10 دقائق. وبالفعل، كانت الكثير من تغريداته نِتاجاً لهذه التكرارات، إنَّه فحسب لا يستطيع التوقف عن قولِ شيءٍ ما”.
وأضاف وولف: “كان انطباعي، الذي لا يُمحى، الذي خرجتُ به من التحدُّث إليهم (موظفي البيت الأبيض)، الذين يأملون في حدوث الأفضل، وفي ظل اعتماد مستقبلهم الشخصي ومستقبل البلاد عليه، ومراقبتهم خلال السنة الأولى من رئاسته هو أنَّهم جميعاً – بنسبة 100٪ – يعتقدون أنَّه غير قادر على أداء وظيفته”.

وفي حكاية أخرى، كَتَبَ وولف: “في مار آلاغو (وهو منتجع الرئيس ترامب الخاص في ولاية فلوريدا)، وقبل العام الجديد بالضبط، فشل ترامب في التعرف على مجموعة من الأصدقاء القدامى”.

ويروي الكتاب الذي انتشرت نسخة مقرصنة منه على نطاق واسع، أخبار الادارة الاميركية من يوم الانتخابات حتى تشرين الاول الماضي، مجرياً مقابلات على مدى 18 شهراً مع الرئيس واعضاء كبار في ادارته وأشخاص كثيرين مقربين منه، بمت فيهم المخطط الاستراتيجي السابق للبيت الابيض ستيف بانون.

فبعد وقت قصير من تنصيب ترامب، يقول وولف إنه اتخذ لنفسه مقعداً شبه دائم على كنبة في الجناح الغربي، وهي فكرة شجهعا الرئيس نفسه، قبل أن يعود وينفي أمس حديثه لوولف.

ويقول في كتابه إنه منذ البداية كانت تهمين على ترامب فكرة أن حملته سيئة، وأن المنخرطين فيها ليسوا جيدين. ففي آب، عندما كان يحل خلف هيلاري كلينتون في الاستطلاعات بأكثر من 12 نقطة، لم يكن يحلم بالفوز، وكان يعتبره سيناريو بعيد المنال. وقد شعر بالاحباط عندما ضخ الملياردير اليميني روبرت ميرسر، وهو داعم للمرشح السابق تيد كروز، خمسة ملايين دولار في حملته. وعندما عرض ميرسر وابنته ربيكا خطتهما لتسلم الحملة وإدخال ستيف بانون وكونواي فيها، لم يستطع ترامب المقاومة، وإن يكن لم يفهم سبب قيام أحد بذلك.

قليلون ممن عرفوا ترامب كانت لديهم أوهام حياله. الجميع في دائرته الاجتماعية الغنية كانوا يعرفون بجهله الواسع. منذ الايام الاولى للحملة، أُرسل سام نانبرغ لشرح الدستور للمرشح.

حملة مفلسة
ووصف بانون حملة ترامب الذي صار رئيساً لها في منتصف آب، بأنها مفلسة. فبالكاد كان قد تسلم منصبه عندما لاحظ أنها مهددة بفجوة بنيوية أكثر عمقا، إذ إن المرشح الذي يصف نفسه بالملياردير رفض استثمار أمواله في المعركة. وبعد المناظرة التلفزيونية الاولى بين المرشحين في أيلول، قال بانون لجاريد كوشنر أنهم سيحتاجون الى 50 مليون دولار اضافية حتى موعد الانتخابات. فرد عليه صهر الرئيس: “لا مجال للحصول على 50 مليون دولار الا إذا ضمنا له الفوز”.
فرد بانون: “25 مليوناً؟”. فقال بانون: “اذا قلنا فوز، فان ذلك ممكن”.

وفي النهاية، كان أفضل ما يقوم به ترامب هو اقراض الحملة 10 ملايين دولار شرط ان يستعيدها ما أن تتمكن الحملة من جمع أموال أخرى.

ويؤكد وولف أن ترامب لم يكن يتوقع الفوز بالرئاسة، وهو لا يقرأ الوثائق السياسية التي يوفرها مستشاروه، وغير مهتم بالاطلاع على بنود الدستور، وأنه لا يأكل سوى وجبات “ماكدونالد” لأنه يخشى تسميمه.

انقسامات البيت الابيض
ويشير الكتاب الى الانقسامات داخل البيت الأبيض، مع التركيز على المعركة الشرسة التي كانت بين بانون من جهة وابنة ترامب، إيفانكا، وزوجها جاريد كوشنر من جهة أخرى، وهي معركة لخّصها هنري كيسينجر في الكتاب بأنها “حرب بين اليهود وغير اليهود”.

وتطرق الكتاب أيضاً إلى اجتماع دونالد ترامب جونيور في حزيران 2016 مع عملاء روس يدعون أن لديهم معلومات عن المرشحة الديموقراطية، هيلاري كلينتون، في خطوة وصفها بانون بأنها “خيانة”. كما حاول توريط الرئيس عبر التلميح بأن دونالد جونيور أخذ على الأرجح هؤلاء العملاء إلى مكتب والده. والتقى دونالد ترامب جونيور بالمحامية الروسية نتاليا فيسلنيتسكايا في حزيران 2016. وحضر أيضاً كوشنر ومدير الحملة الانتخابية آنذاك بول مانافورت، اللقاء الذي عقد في برج ترامب في نيويورك. وينقل الكتاب عن بانون قوله “ظن الرجال الكبار الثلاثة في الحملة أن لقاء حكومة أجنبية في برج ترامب في قاعة المؤتمرات في الطابق الـ25 من دون محامين فكرة جيدة”. ويضيف “لم يكن برفقتهم أي محام”. ويتابع “حتى لو كنت تعتقد أن اللقاء ليس خيانة وليس غير وطني أو قذارة، وأنا أعتقد أنه كل ذلك، كان الأجدى الاتصال بمكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي آي) فوراً”. وينقل الكتاب عن بانون قوله إن التحقيق الذي يجريه المستشار الخاص في قضية التدخل الروسي في انتخابات 2016، روبرت مولر، سيركز على تبييض الأموال. ويذكر الكتاب أن الرئيس لم يكن يعرف من هو رئيس مجلس النواب السابق، جون بوينر، وأن فريقه لم يكن يعتقد أنه قادر على الفوز في الانتخابات. ويقول “بعد الثامنة مساء بقليل ليلة الانتخابات، عندما بدا أن المنحى الذي لم يكن متوقعاً ويشير إلى أن ترامب قد يفوز، أصبح مؤكداً، قال دونالد جونيور لأحد الأصدقاء إن والده، أو كما يناديه اختصاراً دي جي تي، بدا كأنه شاهد شبحاً. وكانت ميلانيا تذرف الدموع. ليس دموع الفرح”. ويضيف “في غضون ما يزيد على الساعة بقليل، وبحسب مشاهدات ستيف بانون المستاء، بدأ ترامب المرتبك يتحول إلى ترامب غير المصدق ثم ترامب المذعور. لكن بقي التحول النهائي: فجأة أصبح دونالد ترامب رجلاً يصدق أنه يستحق أن يكون رئيس الولايات المتحدة، وقادراً على أن يكون رئيساً”.

وعن تسريحة شعر ترامب، ينقل الكتاب عن إيفانكا قولها لأصدقاء إنها على هذا الشكل بسبب تمشيطه شعره من الأمام والجانبين باتجاه الأعلى وتثبيته بالرذاذ. ويقول الكتاب إن “اللون، بحسب ما تقول (إيفانكا) وما يثير الضحك، هو بسبب مستحضر اسمه للرجال فقط. كلما ترك على الشعر أصبح داكناً أكثر. وعدم صبر ترامب نتج عنه شعر برتقالي – أشقر”.

وعن إيفانكا وطموحاتها الرئاسية، يقول وولف إنه “بعد مقارنة المخاطر بالمكاسب، قرر جاريد وإيفانكا قبول أدوار في الجناح الغربي (للبيت الأبيض) دون الأخذ بنصيحة كل شخص يعرفونه تقريباً. اتفقا على أنه إذا سنحت الفرصة في المستقبل، تترشح هي للانتخابات الرئاسية. الرئيسة الأولى، كما تحلو الفكرة لإيفانكا، لن تكون هيلاري كلينتون، بل إيفانكا ترامب”.

* شكل الهجوم الكيميائي على خان شيخون في سوريا الاختبار الرئيسي لترامب في السياسة الخارجية.

هجوم خان شيخون
ويقول وولف إن مواقف الرئيس الأميركي في السياسة الخارجية كانت من اكثر المظاهر العشوائية والمتقلبة لإدارة قد تكون الاكثر اضطراباً في تاريخ أميركا. فمستشاروه لا يعرفون ما اذا كان يميل الى الانعزال أو الى الحروب، أو ما اذا كان يميز بين الاثنين. كان محاطاً بالجنرالات ومصمماً على اعطاء زمام المبادرة في السياسة الخارجية لأشخاص يتمتعون بخبرة عسكرية، لكنه يكره أن يقال له ما يفعله. كان معارضاً لسياسة بناء الأمم، الا أنه يعتقد أن ثمة حالات قليلة لا يستطيع شخصياً القيام بأفضل من ذلك. لم يكن يملك خبرة واسعة في السياسة الخارجية ولكنه لا يحترم الخبراء. وفجأة، صار رده على هجوم شيخون اختباراً لإدارة طبيعية في البيت الابيض.

محمد بن سلمان
وتباهي ترامب أمام أصدقاء، كما ورد في الكتاب، بأن تعيين محمد بن سلمان في منصب ولي العهد السعودي نصر له. ويقول وولف في كتابه إن ترامب تبجح قائلاً “وضعنا رجلنا في القمة”، وأن ترامب أخبر أصدقاءه بأنه وصهره جاريد كوشنر قد هندسا انقلاباً في السعودية، وذلك بعد تعيين بن سلمان في منصبه.

ومن النهفات الواردة عن ترامب أنه كان يواجه عقبة رئيسية تتمثل في أنه لم يستطع نطق اسم الزعيم الصيني شي جين بينغ.

وكان الحل بأن يُفكر في نظيره الصيني كامرأة عندما يلفظ اسمه؛ حتى لا يتلعثم أمامه. وهو كان ينوي مناداة زعيم ثاني أكبر دولة اقتصادية في العالم بـ”زي X-i”. ولتجنب مثل هذه الزلات خلال زيارة شي، “قيل للرئيس أن يفكر فيه كامرأة ويدعوه (شي she)، التي تعني (هي) باللغة الإنكليزية”، وفقاً لما ذكره وولف في كتابه الجديد.

ويكشف الكتاب أن تعلُّم ترامب اللغة الصينية، ومحاولته ترك انطباع جيد لدى الزعيم الصيني شي، بمنتجع ترامب، في بالم بيتش بفلوريدا، آتتا ثمارهما؛ إذ “كان الرئيس الصيني في مزاج جيد، وكان من الواضح أنه على استعداد لتقبُّل فكاهة ترامب. وسرعان ما أدركوا أنه إذا جاملتَه ببعض الكلام الطيب، فسيجاملك هو أيضاً”.

عملية السلام
على صعيد آخر، ذكر ترمب، وفق الكتاب، أنه سيحدث أكبر اختراق في التاريخ على صعيد المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وقال إنه سيغير اللعبة بشكل كبير وغير مسبوق.

عموماً، يقول وولف إن التفكير الجديد في الادارة الاميركية حيال الشرق الاوسط يتمثل في أن ثمة اربعة لاعبين هم اسرائيل ومصر والسعودية وايران. ويمكن الدول الثلاث الاولى أن تتحد ضد الرابعة، وأن مصر والسعودية ستضغطان على الفلسطنيين للتوصل الى اتفاق سلام.

كما نقل الكتاب كلاما لمستشار البيت الأبيض السابق ستيف بانون عما سمي بصفقة القرن قائلا إن ترامب يوافق عليها تماما، وأضاف أن الضفة الغربية ستكون للأردن وقطاع غزة لمصر، وقال بانون أيضا إن السعودية على شفا الهاوية ومصر كذلك… وإنهم يموتون خوفا من بلاد فارس (إيران).

ميلانيا
عن ترامب وميلانيا، يقول الكتاب إن هذا الزواج كان مربكاً للجميع تقريباً. كان الاثنان يمضيان وقتاً قصيراً نسبياً مع بعضهما، وقد تمضي ايام من دون حصول اي اتصال بينهما، حتى عندما كان الاثنان في برج ترامب. وغالباً لم تكن تعرف اين هو، أو تهتم بذلك. كان زوجها يتنقل بين مقراته كأنه يتنقل بين الغرف. ولم تكن تهتم باعماله ايضاً.

وكما كان أباً غائباً بالنسبة الى أولاده الاربعة الاوائل، كان أكثر غياباً لابنه الخامس بانون. ففي زواجه الثالث، قال لأصدقاء إنه صار يتقن فن اللعبة، وهو أن يعيش ويترك غيره يعيش.

كان ترامب فاسقاً سيئ السمعة، وخلال الحملة صار الاكثر شهرة ربما. ومع ذلك، لم تكن الفكرة السائدة بأن زواجه اسمياً فحسب حقيقية. كان يذكر ميلانيا غالباً عندما لا تكون موجودة. كان يبدي اعجابه بشكلها، في حضور آخرين. هي في رأيه “امرأة جذابة”. ومع أنه لن يكن يشاركها حياتها دائماً، كان يتباهي بالنتائج، قائلاً: “زوجة سعيدة هي حياة سعيدة”، مكرراً وجهة نظر شعبية. وكان يتطلع الى موافقتها. ففي عام 2014، عندما فكر للمرة الأولى جدياً الترشح للانتخابات، كانت ميلانيا واحدة من القلائل الذي اعتقدوا أنه سيفوز. كان الامر بمثابة مزحة لابنته ايفانكا التي نأت بنفسها بحذر عن الحملة. ومع نفور غير خفي حيال زوجة أبيها، كانت ايفانكا تقول لأصدقاء: كل ما عليكم أن تعرفوه عن ميلانيا هو أنها تعتقد أنه إذا ترشح فهو سيفوز بالتأكيد. ولكن احتمال فوز زوجها كان مرعباً بالنسبة لميلانيا، إذا إنها كانت تعتقد أن الامر سيدمر حمايتها التي كانت بعيدة نسبياً عن العائلة الموسعة التي كان يقتصر اهتمامها على الابن الصغير.

اللبناني طوم باراك
عن الايام الاولى بعد فوزه في الانتخابات، يقول الكتاب إن إحدى الافكار الاولى لترامب كانت تقضي بتعيين صديقه طوم باراك، رئيساً لأركان موظفي البيت الابيض.

وباراك، هو حفيد مهاجر لبناني، ومستثمر في “ستارباكس” ذكي جداً ويملك مزرعة نفرلاند التي كانت لمايكل جاكسون. وصار المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة الاسهم الخاصة “كولوني كابيتال” مليارديراً من خلال الاستثمار في الديون المتعثرة في العقارات حول العالم، بما فيها المساعدة على انقاذ صديقه دونالد ترامب. واخيراً، ساهم في انقذا جاريد كوشنر.

ولكن براك، وبعد محاولات واتصالات عدة من ترامب خيب صديقه، قائلاً له إنه “غني جداً بما يكفي، وأنه لن يستطيع فك الارتباطات بين ممتلكاته ومصالحه، بما فيها استثمارات في الشرق الأوسط، بما يكفي لارضاء هيئات مراقبة الاخلاقيات. كما براك الذي كان عقد زواجه الرابع لم يكن متحمساً لأن يجعل حياته الشخصية التي عاشها مع ترامب على مر سنوات، تحت الاضواء.