الرئيس الأســـد شماعة أردوغان لابتزاز روســيا...بقلم: ســـراج ســـــعيد

الرئيس الأســـد شماعة أردوغان لابتزاز روســيا...بقلم: ســـراج ســـــعيد

تحليل وآراء

الخميس، ٢٨ ديسمبر ٢٠١٧

يواصل الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان اللعب في الوقت الضائع وعلى التصريحات والمواقف مع الخصوم والحلفاء على حدٍ سواء.
أردوغان الحالم بإعادة ارث الأجداد الغابر يمارس سياسة منفلتة من أي قانون أو أي نظرية في العلاقات الدولية يمكن من خلالها استشراف توجهاته أو مواقفه وتصريحاته وحتى البناء عليها لأبعد من شهر واحد على أبعد تقدير.
 
اليوم يعيد أردوغان المسار السوري - التركي إلى نقطة الصفر النقطة التي لطالما راوحت عندها العلاقات السورية - التركية منذ أواسط آذار/مارس العام 2011 حين بدأ الحراك السوري مسلّحاً ومدعوماً تركياً منذ أيّامه الأولى.
 
" من المستحيل مواصلة مساعي السلام السوريّة في وجود الأسد"
 
تصريحات عالية النبرة أطلقها إردوغان في تونس الأمس بعد أن حفلت الفترة الماضية بالعديد من مواقف التهدئة ومحاولة ردم الهوّه العميقة بين دمشق وأنقرة بمساعي حثيثه من موسكو للتوصل إلى حل ينهي الأزمة السورية ويصل بجمع السوريين بكل أطرافهم وأطيافهم على طاولة مفاوضات واحدة.
آخر هذه المواقف الإيجابية جاءت أواخر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بعد قمة سوتشي الثلاثية التي جمعت إردوغان مع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني يومها أجاب إردوغان من على متن طائرة العودة عن سؤال حول امكانية التواصل مع الرئيس السوري بشار الأسد لبحث الملف الكردي والتعاون الثنائي فيه قائلا:
 
"مهما حدث غداً كل شيء يعتمد على الظروف. إن أبواب السياسة تبقى مفتوحة ومن غير المناسب القول "أبدا" بشكل عام". لم ينفي إردوغان يومها إمكانية إجراء اتصال مستقبلي بالرئيس السوري، بشار الأسد، حول وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا.
 
لكن أي أبواب سياسية تحدث عنها السيد إردوغان وهل ما زال يعتقد بأنه مالك أبواب المنطقة وأنه سلطانها الذي يمتلك مفاتيحها السياسية والعسكرية والمستقبلية ؟
 
أيّاً تكن الأوراق التي ما تزال تركيا تمتلكها في سورية إن كان من خلال أذرعها العسكرية من الجماعات الإرهابية المتطرفة كالنصرة وغيرها وحتى من خلال تواجدها العسكري المباشر في إدلب وغرب حلب وريفها الشمالي (التواجد الذي لطالما اعتبرته الحكومة السورية احتلالاً وتواجداً غير شرعي) إلا أنه وبفضل الحلفاء الروس الذين وقبل دخولهم العسكري المباشر على خط الأزمة السورية في 30 أيلول/سبتمبر العام 2015 كان المسار السياسي على رأس أولويات دبلوماسيتهم في محاولة للتوصل إلى اتفاق بين السوريين جميعاً من دون ضغوط وتدخلات خارجية وإنهاء محاولات تقسيم الوطن السوري.
 
في سياق هذا الدعم الروسي جاءت قمة سوتشي الثلاثية في 22 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في سياق التوصل إلى حل ينهي الحرب السورية التي اقتربت من انهاء عامها السابع حينها تحدثت تسريبات صحفية عن لقاء جمع الأسد وإردوغان في سوتشي قبل يوم واحد من اللقاء الثلاثي رغم النفي الرسمي في البلدين لحدوث هذا اللقاء إلا أن ذلك لم يستطع نفي مُناخات التقارب والتهدئة الحاصلة حينها.
فالملف الكردي الشاغل الكبير لإردوغان وحكومته قد يكون أحد أسباب التصعيد عالي النبرة للرئيس التركي، فالروس مصرّون على دعوة الأكراد إلى مؤتمر الحوار السوري المزمع عقدة في سوتشي أواخر كانون الثاني/يناير المقبل، الأمر الذي لا يقبل به إردوغان وهو الذي رفض منذ البداية مشاركة أي طرف كردي في أي مفاوضات بداية من جنيف مروراً بآستانا وليس انتهاءً بمؤتمرات المعارضة في الرياض واسطنبول.
 
في جانب آخر صرّح السيد سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي بالأمس: " إن القضاء على جبهة النصرة هو المهمة الرئيسية في مكافحة الإرهاب في سورية" توازياً مع تأكيد رئيس هيئة الأركان المسلحة الروسية ونائب وزير الدفاع الروسي فاليري غيراسيموف " أن المهمة الرئيسية في سوريا لعام 2018 هي تدمير مسلحي "جبهة النصرة" الذين يتواجد بعضهم في مناطق خفض التصعيد".
 
تزامنت هذه المواقف مع اسقاط المجموعات المسلّحة في ريف حماة الشمالي الشرقي طائرة عسكرية سورية مما أدى لاستشهاد طاقمها وليس سراً أن هذه الجماعات تأتمر بأمر أنقرة وتتسلّح عبرها بالسلاح وتحصل على الدعم اللوجستي.
 
يبدو أن هذه التصريحات أثارت حفيظة السيد إردوغان وهو الذي ما انفك يعتبر "النصرة" إحدى أوراق أنقرة الرئيسية في الساحة السورية والتي استخدمها مراراً للتصعيد العسكري ومحاولة كسب نقاط على الأرض في مواجهة الجيش العربي السوري وحلفائه، كما كانت ذراعه لمواجهة الأطماع والمحاولات الكردية لتأسيس كيان انفصالي في شمال وشرق سورية وما يترتب عليه من خطر يتهدد استقرار الكيان والديموغرافيا التركيين.
 
مع عدم اغفال أهمية ما سبق يأتي الرفض السوري المطلق لأي مشاركة لجماعة الإخوان المسلمين في العملية السياسية المقبلة في سورية مؤشراً قوياً على أسباب هذا التصعيد المفاجئ في توقيته للرئيس التركي. فالسوريون كما لم يعد خافياً رفضوا مراراً فتح أبوابهم لقطر الحليف فوق العادي لتركيا والتي أدخلت يوم أمس دفعة جديدة من قواتها العسكرية إلى الأراضي القطرية، فالتحالف التركي القطري الإخواني تحالف صلب خسرت بسببه قطر مكانتها الخليجية بل وتتعرض اليوم لمقاطعة سياسية وحصار اقتصادي غير مسبوقين لفك هذا التحالف والتوقف عن دعم هذه الجماعة الغير مقبولة خليجياً على أقل تقدير.
 
كل هذه الأسباب وغيرها مما لم يظهر بعد على سطح الأحداث قد تكون دفعت إردوغان إلى رفع السقف مجدداً في محاولة لإظهار نفسه أنه في حِل دائم من أي اتفاق مع الروس وحتى مع الإيرانيين إذا لم يأتي هذا الاتفاق بما يوافق مصالحه وأمنياته.
 
لا يبدو أن الروس ومعهم الإيرانيون وحلفاؤهما في المنطقة في وارد التراجع أو حتى المساومة على الأهداف التي وضعوها للمرحلة المقبلة:
 
سياسياً: عقد مؤتمر الحوار السوري - السوري في سوتشي أواخر كانون الثاني/يناير المقبل بحضور النسبة العظمى من ممثلي الشعب السوري ومن ضمنهم الأكراد السوريون.
 
عسكرياً: إنهاء التواجد الإرهابي القاعدي في سورية ممثلاً بـ "جبهة النصرة" وأخواتها.
 
لا يعي السيد إردوغان أن من دعم الرئيس الأسد سبع سنوات سياسياً وعسكرياً ومن استخدم في سياق ذلك10 فيتوات في مجلس الأمن من الفيتو الأول في 4 تشرين الأول/اكتوبر 2011 انتهاءً بالفيتو العاشر في 17 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ليس في وارد تقديم التنازلات أو الرضوخ لمنطق الابتزازات.