الحلّ السياسي للأزمة السورية: عوائق وتحدّيات

الحلّ السياسي للأزمة السورية: عوائق وتحدّيات

تحليل وآراء

الخميس، ٢٨ ديسمبر ٢٠١٧

مع اندلاع الأزمة السورية، سارعت القوى الإقليمية للدخول إلى الميدان. تدخلت إيران وروسيا إلى جانب الدولة السورية، والولايات المتحدة عملت في الخفاء والعلن على دعم داعش والمجموعات الإرهابية، ودعمت بطريقة لا تخفى على أحد، قوات سوريا الديمقراطية. أما تركيا فكانت إلى جانب ما يسمّى بالمعارضة السورية أو الجيش الحرّ، ومن جهتها عملت بعض الدول ومن ضمنها السعودية على دعم المجموعات التكفيرية. هذا السيناريو أدى إلى تضخّم الأزمة في العام 2014، وبات الجميع يرى أن الأزمة السورية لن يكون لها طريق للحلّ.

في تلك الأجواء عملت كل من إيران وروسيا أواخر العام 2015 وحتى الفترة الحالية على اتّخاذ إجراءات وخطوات مهمّة، كانت كفيلة أن ترجح كفة الحكومة السورية، وتعيد مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت تسيطر عليها الجماعات المتطرّفة. وبعد استعادة البوكمال في التاسع عشر من شهر نوفمبر من العام الحالي، وُجّهت آخر صفعة "لتنظيم الدولة الإسلامية داعش". وموازاة لذلك، كانت الجهود الدبلوماسية تسير على قد وساق، في جنيف، التي لم تسفر محادثاتها عن أي نتيجة، وأستانة لحلحلة الأزمة.

كان لمباحثات أستانة دور في خفض التوتّر في بعض المناطق، وتأثيرا في إيصال المساعدات للمواطنين السوريين، إلا أن الأسباب التي أفشلت "جنيف"، كانت كفيلة بأن لا توصل "أستانة" إلى الأهداف المطلوبة.

في نظرة دقيقة إلى هذا الموضوع، يمكن الحديث عن عوائق جديّة أمام الحلّ السلميّ للأزمة. سنستعرض أهمّها في هذا المقال:

الحضور العسكري الدائم للولايات المتّحدة

من أهم العوائق أمام الحل السلمي للأزمة السورية يمكن إرجاعه للتواجد العسكري الأمريكي هناك. أمريكا التي دخلت بحجة مواجهة داعش، تعمل على إنشاء قواعد عسكريّة لها في الشمال، الجنوب، والشرق السوري، في نيّة واضحة للبقاء هناك. هذا في ظل خروج قسم مهمّ من القوات الروسية بأمير من الرئيس بوتين، بعد إعلان القضاء على داعش. ويوم أمس اعتبر وزير الخارجية الروسي سرغي لافروف أن التواجد العسكري الأمريكي في سوريا بعد القضاء على تنظيم "داعش" في أراضي البلاد غير قانوني ويعيق التسوية السياسية ويهدد وحدة البلاد. ومن المهم الإلتفات أن بقاء تواجدها العسكري يساعد الولايات المتحدة على ايصال الدعم للجماعات المسلحة وخصوصا الكردية منها، وبالتالي يمنع ايقاف التقاتل على الأراضي السورية، ليكون مقدّمة لبدأ المفاوضات.

سيطرة الأكراد على شمال وشرق سوريا ودعم واشنطن لهم

عامل آخر يعيق حلّ الأزمة، هو سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على مساحات شاسعة من الأراضي السورية. فالأكراد يسيطرون على مناطق مهمّة واستراتيجية كالحسكة، الرقّة، حلب ودير الزور، وبدعم من الولايات المتحدة يرفضون إعادتها إلى كنف الدولة السورية.

هذا الموضوع، يعد من جهة مصدر قلق للدولة التركية، التي تعتبر أكراد سوريا مرتبطين بحزب العمال الكردستاني، وترفض رفضا قاطعا فكرة تقرير المصير، او أي خطوة تساعد الأكراد على تحصيل صيغة قانونية للبقاء في المناطق التي يسيطرون عليها حاليا. ومن جهة أخرى بات سببا لمعارضة بعض القوى الفاعلة على الأراضي السورية، وبالتالي فشل المفاوضات.

الشروط الغير منطقية التي تسبق المفاوضات

واحد من أسباب عرقلة حلحلة الأزمة، هو الشروط الغير منطقية التي تفرضها المعارضة السورية على الحكومة. فرحيل الرئيس الأسد عن السلطة وتغيير النظام السياسي في البلاد كشرط للتفاوض ليس سوى شرطا تعجيزيا، وهو من نتاج المملكة العربية السعودية. ويتعارض بشدّة مع الإنجازات الميدانية التي تحققها الدولة السورية إلى جانب محور المقاومة والدعم الروسي في الميدان.

غياب التنسيق بين المعارضين

هناك غياب واضح للتنسيق والإنسجام بين مطالب المجموعات السورية المعارضة، ويظهر ذلك جليّا في بياناتهم، مما شكل صعوبة أمام الدولة السورية في التعامل مع المطالب، وأدى إلى عرقلة مسار المفاوضات.

تفاوت جذري في أهداف الدول الخارجية

هذا التفاوت يؤثر بشدة على مسار المفاوضات، فكل دولة تسعى وراء تحقيق أهدافها، مما يعرقل الصلح على الأراضي السورية. تسعى إيران وروسيا مع تركيا للبقاء على وحدة الأرض في سوريا، وعدم تقسيم أي جزء منها. أما الولايات المتحدة فتعمل على تأمين مصالح الكيان الإسرائيلي، وتؤكد على حق الأكراد بتقرير مصيرهم. وهناك خلاف آخر بين الأطراف الخارجية يتمثّل برحيل الرئيس الأسد، حيث ترفض كل من روسيا وإيران وتركيا الفكرة بينما تسعى الأطراف الأخرى للوصول إليها.

وفي وقت تتواجد القوات الأمريكية بطريقة غير قانونية في سوريا، تطالب تلك الأطراف بخروج القوات الإيرانية. التي تعتبر أنها دخلت بطلب من الدولة السورية، ولا تخرج إلا بالطريقة ذاتها.

كل هذه عوائق وتحدّيات تواجه الحل السلمي للأزمة  وتقف بوجه إنهائها في الوقت الحالي. فهل ستتفهّم بعض الأطراف أن عليها اتخاذ خطوات للتسريع من العملية السلمية؟ أم أنها لا تسعى أصلا لإنهاء الأزمة؟