الاندفاع السعودي نحو (التطبيع) مع اسرائيل يثير الفوضى ويخلط الاوراق

الاندفاع السعودي نحو (التطبيع) مع اسرائيل يثير الفوضى ويخلط الاوراق

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٤ نوفمبر ٢٠١٧

بسام بدارين
يحاول الأردن تلمّس ما هو جوهري وجدّي، وأيضاً ما هو مضلّل وعبثي في عمق المؤسسات الأمريكية. على الأرجح يُشكّل هذا التلمّس المباشر الهدف التكتيكي الأعمق للزيارة التي يقوم بها اعتباراً من الأمس العاهل الملك عبدالله الثاني إلى واشنطن في محاولة تؤكد مصادر «القدس العربي» المطلعة أنها ستشتبك مع التفاصيل على أمل «اتضاح الرؤية» خصوصًا في البعد المتعلق حصريًا بالملف الفلسطيني.
بالنسبة للأردنيين، وفي المسار الفلسطيني، ثمة ثلاث مساحات أمريكية لا تزال غامضة، ولا بد من الضرب مجددًا على أوتارها لتبيان الواقع ومعرفة الخطوة التالية، خصوصًا أن انتظار زيارة الرئيس دونالد ترامب للمنطقة طال جدًا وخلَط الأوراق بعدما دخلت المسارات جميعها في المساحة التي كانت دومًا مخصصة للقضية الفلسطينية.
الوقفة الأردنية بهذا المعنى على بوابة واشنطن لأغراض الاستيضاح والحث، خصوصًا في ظل الخطوات الأحادية التي يحاول الاستئثار فيها رئيس حكومة إسرائيل اليمينية بنيامين نتنياهو وتبدو في عمق الحوار الاستراتيجي وإن كانت استشعارية وتكتيكية.
قبل تلك الوقفة صدرت إشارات مباشرة إلى أن عمّان تنتظر مصير ما سمّي بخطة ترامب- كوشنر لإطلاق عملية السلام في القضية الفلسطينية، وثمة مخاوف عبّر عنها حتى المُفكر السياسي البارز عدنان أبو عودة من أن يكون الحديث عن «حلول إقليمية دُولية» لها علاقة بالبعد السكاني والإنساني فقط، لا السياسي أو الجغرافي.
بكل الأحوال موقف عمّان إزاء المشكلات التي ينتجها جدل عملية السلام تحديداً، قبل الجولة الملكية الجديدة في واشنطن، كالتالي: لم نتعرف بعد على ما يسميه صهر ترامب كوشنر مؤتمراً دولياً للحل الإقليمي، ولم يطرح أي موضوع بصفة رسمية وأكيدة، وإدارة البيت الأبيض تفسح المجال أمام تحرشات وألاعيب نتنياهو. والظروف في المنطقة والإقليم تتسارع على حساب القضية الفلسطينية.
الأردن عملياً وحده تماماً اليوم في مضمار البحث في القضية الفلسطينية وطرحها أصلاً في المحافل الدولية… هذا ما يقوله الرئيس محمود عباس لزواره في عمّان ورام الله هذه الأيام، حيث أن مصر مشغولة بمشكلاتها المعقدة والعراق وسوريا خارج المحور برمته، ومنظومة الخليج العربي مشغولة بحزب الله والتواصل مع إسرائيل ضدَّه وضدَّ إيران أكثر بكثير من الانشغال بأي ملف آخر وفقاً لسياسي رفيع المستوى.
القصر الملكي الأردني لا يريد الإقرار بالواقع السلبي الحالي الذي تواجهه القضية الفلسطينية، ولا ترك المجال للفراغ الذي يستثمر في تعبئته وبنشاط خلافاً للمجموعة العربية نتنياهو ورفاقه من اليمين المتطرف والفرصة بالتقدير الأردني اليوم متاحة لبذل محاولات جديدة لهز الغربال وتذكير الجميع وعلى أساس أن ما يحصل في أرض فلسطين المحتلة هو أساساً له صلة مباشرة بالمصالح الأردنية العليا.
يؤشر الناطق الرسمي الأردني وزير الاتصال الدكتور محمد مومني وأمام «القدس العربي» إلى أن الأطراف المعنيين بالقضية الفلسطينية جميعهم يقرّون ويعرفون أن مراحل حاسمة ومفصلية من المعالجة والحلول من الصعب عبورها من دون العودة للأردن.
ولمح المومني لذلك، وهو يحاول التعليق على استفسار «القدس العربي» حول سبب ضعف اهتمام الحكومة الأردنية بما يجري في قطاع غزة من برنامج تصعيدي في مستوى المصالحة الفلسطينية وتوابعها تحت المظلة المصرية.
المظلة المصرية مهمة والدور المصري أساسي ومفيد… هذا ما قيل في اجتماع سيادي أردني ناقش فكرة «اليتم العربي» الذ ي تتعرض له القضية الفلسطينية، وعملية السلام مرحليًا بصورة جعلت بعض أسس القضية المفصلية عرضة لمقايضات محتملة، من دول وأطراف عربية بصورة قد تلحق ضرراً ليس فقط بالشعب الفلسطيني وحقوقه بل بتوازن قوة النظام الرسمي برمته في مواجهة إسرائيل ولاحقاً حتى في مواجهة إيران.
الأردن برغم مشكلاته الاقتصادية المعقدة وإمكاناته البسيطة منشغل في مواجهة هذه الحالة والحد من أضرار ما يسميه سياسيون اليوم باليتم الذي تتعرض له القضية الفلسطينية، ضمن استراتيجية ثلاثية الأبعاد تحاول بذكاء وبطء مقاومة موجة «التطبيع العربي» وتحديداً الخليجي والسعودي المجانية، التي يحصل عليها الليكود الإسرائيلي هذه الأيام، بتسارع غير منطقي، الأمر الذي قصده على الأرجح وزير البلاط الأردني الأسبق خبير الإسرائيليات والأمريكيات الدكتور مروان المعشر عندما كتب يقول».. إسرائيل تختنق بحالها.. أرجو ان لا نرمي لها حبل النجاة».
«القدس العربي» كانت قد استمعت مرات عدة لتقويمات المعشر بخصوص «الوجه القبيح الجديد لإسرائيل» والإقرار العلني بإخفاق الجيل الحالي من السياسيين العرب في إنهاء الاحتلال بالسلام.
الأهم أن الاستراتيجية الثلاثية الأردنية حاليًا لمواجهة مخاطر هجمة التطبيع الخليجية والسعودية المجانية برغم تنظير الأردنيين في الماضي للتطبيع نفسه، تستند إلى ثلاثة مستويات من التكتيك يحافظ الأول على «بقاء مصر» مهتمة جدًا بالقضية الفلسطينية، وهو ما دفع عمان للاهتمام أصلاً بتسويق الرئيس عبد الفتاح السيسي بقوة لدى الإدارة الأمريكية الجديدة التي لم تكن تعرفه.
والتكتيك الثاني يحاول البحث عن ملامح هُوية توازن عبر توريط روسيا قدر الإمكان في عملية السلام على هامش انغماسها في مشاغلها بالمنقطة. أمّا الثالث فالتحفيز في الأماكن التي يمكن العمل فيها للاستثمار في إبقاء إدارة ترامب مهتمة ولو بين الحين والآخر بالقضية الفلسطينية.
الحلقة الثالثة من التكتيك الأردني يبدو أنها تطلبت الإطلالة الملكية الجديدة على واشنطن مع برنامج عمل مكثف جداً يتحدث عن تنشيط التواصل مع أفراد أساسيين في طاقم إدارة ترامب بالبيت الأبيض، والتحاور مع لجان أساسية في مجلسي الشيوخ والكونجرس، على أمل تعويض الفَقْد من جراء تسارع التطبيع غير الممنهج وغير المتفق عليه.
(القدس العربي)