خفض التصعيد في الجنوب السوري... والهزيمة الإسرائيلية

خفض التصعيد في الجنوب السوري... والهزيمة الإسرائيلية

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٤ نوفمبر ٢٠١٧

اتفاق خفض التصعيد في الجنوب السوري الموقّع عليه من الضامنين الرئيسيين له، أميركا وروسيا، يُعدّ الحد الأقصى للمراعاة الأميركية ــ الروسية للطرف الإسرائيلي، بما لا يلزم محور المقاومة وإمكانات التصعيد الأمني اللاحق. حدّ أقصى، كما يبدو، لا يلبّي الحد الأدنى المطلوب إسرائيلياً، ليس على مستوى الجنوب السوري وحسب، بل باعتباره مؤشراً دالاً على اتجاهات التسوية السياسية اللاحقة التي تخشى تل أبيب أن تكون مبنية على واقع انتصار الدولة السورية وحلفائها، بما يتعارض مع المصالح الإسرائيلية.

رغم ما يرد ويتسرّب عن مضمون الاتفاق، الذي يحاول كل طرف تفسير تسريباته بما يتوافق ومصلحته المباشرة، الموقف الإسرائيلي واضح جداً: رفض من أعلى الهرم السياسي، وخيبة أمل من المؤسسة العسكرية. والموقفان المتماثلان يستدعيان كثيراً من التأمل، والبحث في إمكانات إسرائيل الفعلية على الرفض، وما يمكن أن يبنى على هذا الرفض، عملانياً.
رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أشار في معرض تعليقه المتأخر أياماً عن إعلان التوقيع على الاتفاق، إلى أن «إسرائيل ستعمل في سوريا وفقاً لحاجاتها الأمنية». وأضاف أن «إسرائيل ستعمل في سوريا، بما في ذلك جنوبها، وهذا ما حصل وهذا ما سيحصل». وهو موقف يعدّ، وربما بشكل مباشر، إشارة إلى عدم التزام إسرائيل باتفاق خفض التصعيد في الجنوب السوري. يتوافق ذلك، وربما بناءً عليه، مع «خيبة أمل» المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، إذ نقلت وسائل الإعلام العبرية، أمس، أنها «خائبة» من مضمون الاتفاق ومن تهديداته، وتحديداً ما يتعلق بإمكان «بقاء الإيرانيين بالقرب من الحدود»، ما يعني أن الموقف الإسرائيلي الرافض عملياً للاتفاق مبني على تقدير موقف عملياتي تكتيكي للمؤسسة الأمنية وعلى رأسها الجيش، فضلاً عن أنه تقدير موقف سياسي واستراتيجي على المدى البعيد، وتحديداً ما يتعلق بما وصفته المصادر العسكرية بـ«الإبهام» حول مصير الإيرانيين وحزب الله، في المدى المتوسط والبعيد من الحل السياسي في سوريا.
مع ذلك، الترجيح أن لا تقدم إسرائيل، في هذه المرحلة، على ما من شأنه التسبّب في تصعيد كبير بينها وبين الدولة السورية وحلفائها، وإن من بوابة حثّ الجماعات المسلحة على خرق الاتفاق. كذلك، من المستبعد أن تقدم الدولة السورية وحلفاؤها على خرق الاتفاق المعلن في هذه المرحلة أيضاً. الجانبان، وإن كانا غير موقّعين وغير ملزمين بنصّ الاتفاق، بل ويريان أنه لا يخدم مصالحهما كما هي محددة من قبلهما، سيكونان معنيين، عملياً، بمراعاته، وتحديداً بوصفه وسيلة متفقاً عليها أميركياً وروسياً على منع الانفجار الأمني الكبير من البوابة الجنوبية، وتحديداً من بوابة حدود الجولان، الأمر الذي يصبّ في مصلحتهما، في هذه المرحلة، إذ إن الطرفين ينظران إلى الاتفاق على أنه تجميد مؤقت لوضع ميداني قائم، أكثر من كونه اتفاقاً تأسيسياً لوضع سياسي دائم.
بناءً على ذلك، بات بالإمكان فهم المعارضة الإسرائيلية للاتفاق من دون المسارعة إلى خرقه، إذ إنه (الاتفاق) لا يجسّد الحد الأدنى الذي تطمح إليه تل أبيب، لا على مستوى الجبهة الجنوبية ولا على مستوى الساحة السورية ككل، وكذلك، وربما بشكل أكثر أهمية، ما يتعلق بالموقع المستقبلي للدولة السورية في محور المقاومة. مع ذلك، لن تسارع إسرائيل إلى خرق الاتفاق وتحمّل مسؤولية التصعيد في أعقابه، وإن كانت تؤكد عبر مواقفها وتصريحاتها بقاء خياراتها العملانية على حالها بلا تغيير.
هذا الموقف، الذي يظهر حزماً إسرائيلياً في المواقف مع «حكمة ومسؤولية» في الأفعال، من المرجّح أن يبقى على حاله في هذه المرحلة، وكذلك في المدى المتوسط، خاصة أن لا يقين ولا قطع حول تقدير المرحلة النهائية من الوضع في سوريا، وإن كان التقدير المعلن والمرفوض إسرائيلياً في الوقت نفسه، أن النتيجة ستكون مبنية على واقع انتصار الدولة السورية وحلفائها ميدانياً. من هنا بات بالإمكان فهم موقف نتنياهو أمس، الذي قال: «أنتم تعلمون جيداً أننا نهتم بأمن إسرائيل، فنحن نعمل من خلال الدمج بين المسؤولية والحسم».
صحيفة «هآرتس» نقلت أمس عن مصادر عسكرية إسرائيلية قولها إن «المؤسسة الأمنية تشعر بالقلق إزاء عدم ظهور بوادر من قبل القوتين العظميين (أميركا وروسيا) للعمل الحقيقي من أجل إخراج الإيرانيين من سوريا عامة، ومن جنوبها خاصة». وأضافت أن التصريحات الإسرائيلية المتكررة في هذا الشأن تدلّ على قلق متزايد لدى القيادتين السياسية والأمنية إزاء الخطوات الإيرانية في سوريا، والتي تهدف إلى استغلال التفوّق الذي حققه نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد في الحرب هناك، وقطف ثمار الدعم الإيراني للجهة المنتصرة.
وكان موقع «واللا» الإخباري العبري قد كشف أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وعلى رأسها الجيش، تشعر بالخيبة من الاتفاق الأميركي ــ الروسي ــ الأردني في الجنوب السوري، مشيراً إلى أنّه «وفقاً للتقديرات، إيران ستحافظ في هذه المرحلة على تخفيف ظهورها العلني، في الوقت الذي تنشغل فيه في تركيز قوة عسكرية في سوريا استعداداً لليوم الذي يلي داعش. وفي طهران، لن يكتفوا فقط بقواعد لقوات برية، بل على ما يبدو (يعملون) على التأسيس لقواعد صواريخ»، وهو أكثر ما يقلق إسرائيل.
إلى ذلك، أكدت «القناة 12» العبرية أمس، مجدداً، في معرض تعليقها على اتفاق خفض التصعيد في الجنوب السوري وردود فعل تل أبيب الرافضة والمتحفظة عليه، ما قالت إنه «هزيمة تلقتها إسرائيل في سوريا». وبحسب القناة، «يمكن لنا العمل على تغطية وإخفاء الهزيمة عبر الكثير من الكلمات، لكن الهزيمة حصلت. الإيرانيون انتصروا، وليس لدينا القدرة على خلق منطقة أمنية واسعة ما وراء الجولان باتجاه الشرق. الإيرانيون لا يهتمون كثيراً بما نقوله وبما نفكر فيه، فيما الروس، مع كل الودّ الذي يظهرونه لنتنياهو، يعلمون أن لديهم سلاح جو فقط في سوريا»، في إشارة إلى حاجة الروس إلى المساعدة الإيرانية في سوريا.