نبي النفط ونبي الإسلام.. بقلم: نبيه البرجي

نبي النفط ونبي الإسلام.. بقلم: نبيه البرجي

تحليل وآراء

الأحد، ٥ نوفمبر ٢٠١٧

منذ أن وطأت قدماه تلة الكابيتول، والسناتور جون ماكين لا يرى في الشرق الأوسط سوى دولتين محوريتين في الرؤية (ولعلها الرؤيا) الأستراتيجية للولايات المتحدة .
الأولى هي اسرائيل التي ثروتها التوراة. البيوريتانز (الطهرانيون) الذين خرجوا من أنكلترا على متن السفينة «ماي فلاور» في القرن السابع عشر الى العالم الجديد، وقد تمثلوا خروج العبرانيين من مصر، تمكنوا من اختراق اللاوعي الديني هناك.
كانت الأرض التي رأى فيها البيوريتانز أرض الميعاد مهيأة تماماً لتلقف تلك التخيلات التي نزلت من حقيبة الله. هكذا كانت أول أطروحة دكتوراه في جامعة هارفارد عن اللغة العبرية، كما أن أول مجلة صدرت هناك كانت بالعبرية.
الثانية هي المملكة العربية السعودية التي ثروتها النفط. أفريل هاريمان الذي رافق الرئيس فرنكلين روزفلت الى يالطا، ومنها الى قناة السويس للقاء عبد العزيز آل سعود، قال ان الرئيس الأميركي الذي قرأ عن «شغف» الانكليز بالشرق، تعامل مع العاهل السعودي على أنه «نبي النفط» الذي يضع جانباً «نبي الاسلام».
مثلما فعل تيودور هرتزل، باطلاقه الحركة الصهيونية، لتجميع أسباط اليهود في فلسطين، فعل عبد العزيز، بتبنيه الحركة الوهابية، لاستقطاب القبائل التي كانت مشتتة، وتائهة، في الصحارى.
هنا دولة اللاهوت الديني والتكنولوجي، وهناك دولة اللاهوت النفطي والقبلي . كان الملك المؤسس يدرك، على خطى هيرودوت، أن المنطقة تقع على خط الزلازل . منذ أكثر من سبعة عقود، عرف أين يسند رأسه، وان جاء حفيده محمد بن سلمان ليكتشف، وبايحاءات أميركية، أن المملكة التي عاشت القوقعة، لا يمكن لها أن تبقى أمام اعصار العولمة، واختراق الثقافات الجديدة حتى لسكان الأدغال.
مشكلة سمو الأمير أنه ظهر في زمن تقهقر النفط، وفي احتدام الصراعات في المنطقة والانزلاق فيها، استخدم خياله لاغواء خيال الناس. ها هي رؤيته لعام 2030 التي يحذر باحثون في منطقة الخليج من تفاعلاتها السياسية والأمنية والآجتماعية على أرض المملكة.
أكثر من ذلك اطلق الـ«نيوم» (المستقبل الجديد). دولة تنتمي الى القرن الحادي والعشرين داخل دولة تقوم، بنيوياً، على مفاهيم القرون الوسطى . النفط أصبح وراءه وان عاود الارتفاع ببطء شديد.
رهانه الآن على مناجم الذهب (240 مليار دولار) ومناجم الفضة (140 مليار دولار), اضافة الى الثروات المعدنية الأخرى . الحصيلة نحو تريليون دولار.
غير أن عائدات السعودية من النفط في نصف القرن المنصرم تقدر بـ22 تريليون دولار. هذه العائدات لم تنقل الاقتصاد السعودي من الاقتصاد الريعي الى الاقتصاد الانتاجي، ولم تنقل المجتمع السعودي من التقوقع السوسيولوجي الى صناعة الأفق.
ربما «الأشد هولاً» من ذلك، أن المبالغ الخيالية التي انفقت على شراء السلاح لم توظف لبناء قوة ضاربة توفر الأمن الذاتي للمملكة. البديل كان الاسترخاء في ظل الأساطيل.
صوت المملكة يدوّي حيال الخطر الايراني. أين هو البلاط السعودي، وأين كان لتطوير دولة قادرة على أن تحمل على كتفيها قضايا العرب (بالطبع ليس بالطريقة التي يتحدث عنها ببغاءات الشاشات اللبنانية)، وتحمي العرب من اللوثة الجيوسياسية الايرانية، ومن الهيستيريا التركية التي أطلقها رجب طيب أردوغان، وحيث الاسلام بمثابة العربة التي تقلّ السلجوقية والطورانية.
هل يستطيع الأمير الشاب أن يحقق أحلامه، وهو الذي يتنقل بين الصراعات. هنا يقتضي التوقف أمام ما قاله كبير المخططين السابق، في ادارة دونالد ترامب، ستيف بانون، من أن تركيا «أكبر الأخطار التي تهدد الولايات المتحدة. هي ليست في خطورة جارتها ايران. انها أخطر».
حين تكون ايران بين الخطر التركي والخطر الايراني، هناك من يدق على ظهرها : شاطىء الأمان على سفوح جبل الهيكل، أي اسرائيل.
ثمة رهان على حيدر العبادي، حيث تتقاطع في شخصه أميركا وروسيا، تركيا وايران والسعودية. هل يستطيع أن يضطلع بالمهمة المستحيلة، فيكون اللقاء بين الرياض وطهران لأن استمرار الصراعات يعني أن الأمير محمد انما يراقص الزمن الغابر لا الزمن الآتي؟!