عن نهايات الحرب فى العراق وسورية.. بقلم:طلال سلمان

عن نهايات الحرب فى العراق وسورية.. بقلم:طلال سلمان

تحليل وآراء

الخميس، ٢٦ أكتوبر ٢٠١٧

لقد تم إسقاط مشروع التقسيم فى العراق، بعد إفشال الانفصال فى كردستان العراق، وجرى تثبيت الصيغة الاتحادية، بعد مقامرة مسعود البرزانى الذى لم يستطع المضى بها بعيدا فى تضاد مع الوقائع الصلبة لحقائق التاريخ والجغرافيا.

وفى سوريا التى تقترب الحرب فيها وعليها من نهاياتها، ميدانيا، تلوح فى الأفق مخاطر تقسيم عنصرى تدفع الولايات المتحدة الأمريكية بالأقلية الكردية لأن تكون أداته أو حصانه.

ولعل الهدف الأمريكى فى سوريا من المشاركة المباغتة فى تلك الحرب بتشجيع الأكراد ومعهم بعض العرب على الاندفاع فى مغامرة احتلال الرقة كمدخل لمحاولة ابتزاز النظام، ومعه وبعده، روسيا بوتين الذى عبر عن تخوفه من احتمال تقسيم سوريا، وإن هو لم يؤكده.. علما أن الأكراد فى سوريا لا يشكلون أكثر من عشرة فى المائة، يضاف إليهم أعداد تتراوح بين مائتين وخمسمائة ألف كردى هربوا من الاضطهاد التركى، وانتظم شبابهم فى حزب مسلح رأسه ذات يوم عبدالله أوجلان الذى لجأ إلى سوريا حيث عكف على الإعداد لثورة مسلحة تحت شعار «حقوق أكراد تركيا» فى الاستقلال أو فى صيغة اتحادية مع أنقرة. وعندما استشعرت تركيا خطر هذه الحركة ضغطت على دمشق إلى حد التهديد بالحرب، فطلبت إلى أوجلان المغادرة فغادر فعلا.. لكن المخابرات التركية تمكنت من «اصطياده» فى إحدى دول افريقيا، واقتادته إلى محاكمة عسكرية فى أنقره حيث حكم عليه بالسجن مدى الحياة، لكن ذلك الحكم لم ينفذ، بل يستخدمه أردوغان، الآن، فى سجنه كورقة ضغط على الأكراد تلجمهم عن الاندفاع إلى الحد الأقصى من مطالبهم.

على هذا فليس وضع الأكراد فى سوريا مشابها لوضع أكراد العراق.. بل إن سوريا عرفت، فى تاريخها الحديث، أكثر من رئيس للدولة كردى، وأكثر من مفت كردى، وحضور الأكراد فى الحكومة والمجلس النيابى والجيش مؤثر، وإن كانوا يشكون من إهمال أعداد منهم لم يشملهم الإحصاء وظلوا مكتومى القيد حتى اليوم.. علما أن مفتى الديار السورية (أحمد كفتارو) وبعض كبار رجال الدين والعلماء كانوا من الأكراد، ولهم منزلتهم وتقديرهم.

***

لقد كان للأكراد فى العراق، خصوصا، تاريخ من الاضطهاد بلغ ذروته فى عهد صدام حسين، الذى فاوض البرزانى الوالد الملا مصطفى وأقر للأكراد بنوع من الحكم الذاتى لا يصل إلى الفيدرالية وإن كان يقاربها.. ثم نكث باتفاقه وشن حربا مدمرة على الأكراد فى شمالى العراق بلغت ذروتها المأساوية بمذبحة حلبجة، حيث استخدمت الأسلحة الكيماوية فأحرقت البلاد والعباد.

ولقد انتهى عهد صدام حسين الذى أنهك العراق بالحروب العبثية التى شنها على إيران ــ الثورة الإسلامية وامتدت لسبع سنوات طويلة، ثم على الكويت وكلفت الاحتلال الأمريكى الجزئى للعراق الذى سرعان ما تحول إلى حرب شاملة توقفت مع إسقاط صدام الذى اختفى لفترة، حتى إذا كشفه جنود الاحتلال الأمريكى تم تسليمه إلى شيعة العراق لكى يعدموه.. فتكون فتنة !

بعد العام 2003، أعاد الاحتلال الأمريكى هندسة السلطة فى العراق، فاستغل شبق سياسيى الشيعة إليها فمنحهم رئاسة الحكومة المعززة بأنها مصدر القرار، فى حين أعطى الأكراد منصب رئاسة الجمهورية، محدود الصلاحيات، والذى شغله فى الفترة الأولى ولمدة سبع سنوات الراحل مصطفى البرزانى، ثم خلفه الرئيس الحالى فؤاد معصوم، فى حين بقيت رئاسة المجلس النيابى من نصيب السنة.

أُقرت لحكم العراق صيغة فيدرالية، إرضاء للأكراد، وصار كردستان العراق «إقليما» برئيس منتخب فيه وحكومة محلية ومجلس نيابى، فضلا عن مشاركته فى الدولة المركزية بعدد من الوزراء كان بينهم، قبل حين، وزير الخارجية هوشيار زيبارى ( وهو خال البرزانى)..

وكان أن دخلت جحافل «داعش» العراق، فاحتلت بعض شماله وشرقه بعنوان الموصل وما جاورها، فى العام 2014، من دون أن تدخل «الإقليم» الكردى، واستمر احتلال هذا التنظيم المتوحش أكثر من ثلاث سنوات، وتجرى تصفية عصاباته الآن».

ومعروف ما جرى فى الآونة الأخيرة، حين أقدم مسعود البرزانى على إعلان «استقلال» الإقليم، بعد إجراء «استفتاء شعبى» نال الأكثرية المطلقة، من دون أن يلغى ذلك أن قوى كردية وازنة أعلنت تمسكها بالاتفاق مع بغداد... ثم إن الحكومة المركزية شنت حملة عسكرية استعادت فيها ما اقتطعه البرزانى من أرض عراقية خارج الإقليم، أهمها مدينة كركوك ومنطقة سنجار وبلدات ريف الموصل وأنحاء أخرى.

واستقر الرأى بعد المغامرة العسكرية وإفشالها على «الحوار» وفى بغداد، وعلى أساس القواعد التى قامت عليها صيغة الحكم فى العراق.

***

وبين ضمانات الاستقرار فى العراق مع إنهاء التمرد الكردى والعودة إلى الصيغة الدستورية الدعوة التى وجهها المرجع الشيعى السيد السيستانى الذى يحظى باحترام الأطراف جميعا فى العراق، للتلاقى وتثبيت التوافق الأصلى والالتزام به.

أما فى سوريا فلم يكن الأكراد انفصاليين فى أى يوم، بل هم كانوا شركاء فى السلطة دائما، وفى مواقع قيادية، وتتمثل ظلامتهم بضرورة قيد من أهمل قيدهم، على مر السنوات من الأكراد فى المناطق النائية (على الشريط بين الحدود التركية والحدود العراقية)..

على أن الإدارة الأمريكية، والبنتاجون تحديدا، فكروا بالرد على دخول القوات الروسية إلى سوريا، بناء لطلب النظام، لمساعدته فى القضاء على «داعش» و«النصرة» وسائر مشتقات «القاعدة»... وهكذا توجهوا إلى بعض التنظيمات الكردية، وشكلوا منها «جيشا» ضموا إليه بعض عرب البادية، ودفعوا به إلى احتلال بعض المناطق التى تقع على حدود تركيا، ثم تراجعوا بعد إنذارات حاسمة من الرئيس التركى أردوغان... وهكذا دفعهم الأمريكيون بعدما عززوا قدراتهم نحو مدينة الرقة، فى شرق العراق.. واسم هذه المدينة مطابق لموقعها على نهر الفرات وهوائها المنعش.. ويقال أن الخليفة العباسى هارون الرشيد هو من بناها، وأنه كان يأتيها من بغداد وسط طريق تظلله خضرة البساتين على الجانبين.

ولقد نجحت « قوات سوريا الديمقراطية» فى تحرير مدينة الرقة لتجدها خرابا، بينما كانت قوات النظام معززة بالطيران الروسى والدعم الإيرانى ومقاتلى «حزب الله»، تتقدم من دير الزور فتستعيدها ومعها مدينة الميادين وتسابق القوات المدعومة أمريكيا نحو استعادة آبار النفط فى المنطقة الأغنى به فى الأرض السورية.

وكانت لافتة تلك الأخبار التى تحدثت عن زيارة قام بها وزير الدولة السعودى ثامر السبهان إلى الرقة، بحراسة أمريكية مشددة.. من دون أن يفهم الغرض منها، وإن كانت دلالاتها قد أثارت قلق المعنيين فى سوريا.

***

يبقى أن أهم ما قيل فى ما يتصل بتطورات الحرب فى سوريا وعليها هو ما جاء على لسان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين الأسبوع الماضى، محذرا من خطر تقسيم سوريا، وإن كان قد استبعده أو رأى أنه ليس داهما، خصوصا إذا ما أحسن علاج المسألة.

وواضح أن المقصود بمعالجة الأمر هو السلطة فى دمشق، لا سيما وأن الاجتماع الجديد الذى سيعقد فى أستانا، تحت الرعاية الروسية وبحضور النظام والمعارضات السورية المختلفة، ومشاركة أمريكية محددة، لأول مرة، يتضمن جدول أعماله البحث بصيغة النظام مستقبلا، مع الحفاظ على وحدة الدولة.

وبالتأكيد فإن سوريا، التى لم تشهد فى ماضيها دعوات تقسيمية لكيانها، يمكنها أن تعالج المسألة الكردية فى نطاق وحدة الدولة، كما تؤكد مصادر رسمية فى دمشق.

مع الإشارة إلى أنه حتى لو وافقت دمشق على صيغة تعطى أكرادها شيئا من الحكم الذاتى فإن تركيا ستزيد من قمع أكرادها الذين ما زالت اعتراضاتهم المسلحة تزعج أنقرة.

المهم أن فلول «داعش» فى العراق وسوريا، تعيش أيامها الأخيرة..

والأهم النظر إلى المستقبل فى سوريا، كما فى العراق، واستعادة الدولة ووحدة الأرض فى هذين البلدين العربيين وهما من بناة التاريخ..