لعبة الأمم الأميركية تطحن الكرد بدعم سعوديّ

لعبة الأمم الأميركية تطحن الكرد بدعم سعوديّ

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٠ أكتوبر ٢٠١٧

سيطرة الكرد على مدينة الرقة في شرق سورية، بمشاركة أميركية ودعم سعودي تمويلي وسياسي، تراكم المزيد من الأخطاء الكردية التي تجمع بين عدم الاستفادة من التاريخ وتجاوز حقائق الجغرافيا.

وما باتَ واضحاً أنّ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي أفرز بمعونة أميركية كاملة وحدات حماية الشعب الكردية وقوّات سورية الديمقراطية، العسكريّتين، يحمل مشروعاً سياسياً لإدارة منطقة تستظلّ حماية التحالف الدولي الأميركي، في منطقة سوريّة، يشكّل العرب السوريّون فيها نحو ثلثيها وأكثر، وتمتدّ من الشمال الشرقي لسورية عند الحدود التركية وحتى الحدود العراقية في الجنوب والجنوب الشرقي، بموازاة شرق نهر الفرات، وتحتوي على معظم موارد الطاقة في سورية.

هناك طرفان كبيران داعمان لهذا المشروع، وطرف ثالث يختبئ محاذراً إظهار دوره كي لا يتسبّب بحرق مشروع كردي يقسّم سورية ويفتّتها. أمّا الطرف الأوّل، فهو الراعي الأساسي للهيمنة على كامل المشرق العربي، إمّا بتدمير الدول أو بتفتيتها في حال تعذّر تفجير الأنظمة، وهو بالطبع الطرف الأميركي.. والسعودية هي الطرف الثاني، التي انكفأ دورها السوري تحت مطحنة الانتصارات التي أنجزها الجيش السوري. وها هي تعود من النافذة السوريّة من طريق دعم الكرد بالمال والسلاح وإقناع العشائر العربية في أرياف الرقة والطبقة ودير الزور والبادية، بالتعاون العميق مع قوات سورية الديمقراطية الكردية لتشكيل إدارات محلية تتولّى إدارة الأمن والحياة الاقتصادية والاجتماعية، على أن يتولّى حزب الاتحاد الديمقراطي مع السعودية الإمساك بسياسات هذه المناطق. وهذا ما يؤمّن حسب ما يريد المشغّل الأميركي هيمنة الكرد وعودة السعوديين إلى سورية سياسياً.

لقد تمظهرت هذه العودة بانتقال وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان إلى أرياف الرقة مع المندوب الأميركي للتحالف الدولي بطائرة عسكرية حطّت في قاعدة أميركية شرق سورية، وانتقل منها للقاء شيوخ عشائريين أقنعهم بواسطة الوعود السياسيّة والماليّة والحماية الأميركية أنّهم القادة الجدد لشرق سورية في إطار دولة مستقلّة… ومع الأكراد.

ويبدو أنّ السبهان استعان بخدمات أحمد الجربا الرئيس السابق للهيئة العليا للمفاوضات، والمحسوب على السعودية والمنتمي إلى عشائر شمّر السوريّة، التي تُعتبر من أكبر القبائل في شرق البلاد وغربها. لذلك لم يعُد صعباً اكتشاف الطرف الثالث، وهو «إسرائيل» التي تعمل بصمت لدعم مشروع الانفصال الكردي في سورية. وهذا ما تفعله في كردستان العراق، عبر علاقة تاريخية بدأت منذ ستينيات القرن الماضي مع البرزاني الأب.

ولن يمضي وقت طويل قبل إعلان «إسرائيل» عن دورها في شرق سورية عبر قسم من الكرد، وفي العلاقة العلنيّة مع «داعش» و«النصرة» قرب الجولان، بالإضافة إلى انتهاجها أسلوب الغارات الجويّة على مواقع للجيش السوري في مختلف أنحاء البلاد لدعم تنظيمات التكفير والتفتيت والتقدّم العسكري الكردي.

بذلك تعيد واشنطن إنتاج مشاريع كردية مستقلّة وأخرى خاصة بها عند الحدود الجنوبية، مع صمتها عن المشاريع التركية في إدلب وإعزاز وعفرين والباب، ورعايتها لمطالبة «إسرائيلية» بمنطقة حاجزة بين الجولان المحتل والداخل السوري بعمق تريده «إسرائيل» أربعين كيلومتراً وبطول خمسين كيلومتراً، ما يشكّل نحو ألفي كيلو متر مربع من مساحة سورية.

ضمن هذه المعطيات، يرتكب القادة الكرد الأخطاء التاريخية نفسها التي ارتكبها نظراؤهم في كردستان العراق في العشرينيات والستينيات، وحتى الوقت الحالي، وإخوانهم في إيران في 1946، وأهلهم في تركيا بين 1919 و1924…

هناك سبع دول تلاعبت بالطموحات الكردية نحو دولة مستقلة بشكل متتابع منذ مطلع الحرب العالمية الأولى، بدأت مع بريطانيا التي استعمرت العراق، وبدأت بتحريض الأقليات الكردية والآشورية والكلدانية والمسيحية والشيعة والسنّة، لجعله ضعيفاً على الدوام. فوعدت الأكراد بدولة في 1920، وباعتهم لتركيا في 1924، تاريخ المجازر التي اقترفها بحقّهم أتاتورك. كما أنّ الاتحاد السوفياتي دعم الكرد الإيرانيين، فأسسوا دولة لهم في مهاباد تمرّدت على الشاه في تلك المرحلة، متخلّياً عنها بعد تحقّق مطالبه في أقل من عام واحد. كما استعلمتهم فرنسا للضغط على تركيا أتاتورك، وقدّمت لواء الإسكندرون السوري لأنقرة مقابل الاعتراف باستعمارها لسورية، وبعض الحقوق لليونانيين.

ولا يمكن نسيان العلاقة العلنية بين كردستان البرزاني «الأب» و«إسرائيل»، التي تطوّرت من الدعم السياسي إلى التسليح والرعاية والعلاقات الاقتصادية، ولا تزال حتى الآن تتطوّر باعتراف صحف غربية قالت إنّ أسراباً من سلاح جو العدو «الإسرائيلي» موجودة في أربيل عاصمة كردستان. إلا أنّ العلاقة الأميركية الكردية هي الأكثر دهاء، ومنذ الثمانينيات وواشنطن ترعى الأكراد، لكنّها أرجأت مشروعهم التقسيمي لمرحلة ما بعد صدام حسين الذي كان مكلّفاً من أميركا ومعها السعودية بإسقاط إيران الإسلامية، ولم تتأخّر السياسة الأميركية عن الدعم العلني للكرد… أنشأت لهم منطقة حظر طيران منعت الجيش العراقي من التعامل مع مشروعهم العسكري، وبالتالي السياسي… وأتاحت لهم منذ التسعينيات وحتى 2003، فرص التشكّل العسكري والسياسي والاقتصادي، حتى أنّه لم تنقصهم إلا العلاقات الدبلوماسية المستقلة حتى يصبحوا كياناً مستقلاً. كما أدخلتهم في إطار مشروعها الإقليمي الكبير، ولم يبقَ سياسيّ أميركي من أدنى المستويات إلى أعلاها إلا وتحدّث عن دولة كردية في كردستان إلى جانب دولة سنّية وأخرى شيعية.

ونفّذوا في سورية وضعاً مشابهاً، إنّما بطريقة تدريجية بدأت مع انطلاق الدور الكردي في الشمال الشرقي لسورية في 2001، وابتدأت ترعاه تسليحياً وتمويلياً، وأمّنت له مستشارين أميركيين وأوروبيين وقوات عسكرية، إلى جانب وحدات حماية الشعب الكردية، أتاحت له التقدّم حتى وصل إلى الرقة مستحوذاً على مناطق عربية كاملة… فهل هذا مشروع كرديّ؟

وضغطت باتجاه إجراء تحالفات بالقسر والإكراه وإغراءات المال، مع شيوخ عشائر وقبائل للتغطية…

وتعزّز هذا الدور الكردي مع انحسار «داعش» و«النصرة» بالنسبة للأميركيين، وخسارة الدور في سورية لمصلحة الأتراك بالنسبة للسعودية.

لذلك، شكّلت وحدات حماية الشعب الكردية الكامنة خلف ما يسمّى قوات سورية الديمقراطية استمراراً للدور الأميركي في سورية، وعودة للدور السعودي إليها. أمّا بالنسبة للكرد السوريّين، فأصبح السوريون يعتبرونه جزءاً من الهيمنة الأميركية في المنطقة بأسرها، متسائلين متى تبيعهم السياسة الأميركية، كما فعل كلّ المستعمرين معهم!

هم اليوم حاجة أميركية وسعودية، كما كانوا في الماضي حاجات ضرورية للبريطانيين والفرنسيين والسوفيات و«الإسرائيليين» والأميركيين والأتراك أنفسهم، فلماذا ننسى حتى الماضي القريب… فهذا النوع من الاستعمار يمسك بالتاريخ أي تطوّرات الأحوال والسياسة، لكنّه لا يستطيع أن يؤمّن أخطاء الجغرافيا إلا بتغييرات حدودية واسعة تتطلّب حروباً عالمية جديدة.

ومشكلة الكرد أنّ مناطقهم مقفلة ضمن حدود دول لا تقبل باستقلالهم الكامل، وهم بالتالي لا يمتلكون منافذ بحرية، وممرّات برّية أو جويّة، لأنّها تمرّ بالضرورة في إيران والعراق وسورية وتركيا.

الأمر الذي يتيح للكرد المطالبة بإدارات فدرالية تتيح لهم التعبير عن ثقافاتهم وتفاعلاتهم، إنّما ضمن أطر الدول المركزية، وإلا فإنّ الكرد لن يخرجوا من إطار الاستعمال المؤقّت تمهيداً للتخلّي عنهم في مراحل لاحقة، فهل يستفيد الكرد من أخطاء التاريخ؟

لا يبدو أنّ قياداتهم في سورية قد استوعبت ما جرى سابقاً لإخوانهم، مراهنين على الوقت وتفتيت الدول، والخوف أن يخسروا ما كسبوه من حقوق فدرالية جرّاء الحسابات الخاطئة استراتيجياً، فالعرب أقرب إليهم من الأميركيين الذين يحتاجون أحلام الشعوب بحوافر آلاتهم العسكرية وطموحاتهم الاقتصادية.

وهذا ما يدفع إلى تحالف عربي كردي، يبدو صعباً في الوقت الحاضر، لكنّ أخطاء التاريخ ولعنة الجغرافيا تدفعان إلى هذا اللقاء… إنّما بعد تحطم الأحلام.