استفتاء البرزاني.. إلى أين؟.. بقلم: د.سليم بركات

استفتاء البرزاني.. إلى أين؟.. بقلم: د.سليم بركات

تحليل وآراء

الأربعاء، ٤ أكتوبر ٢٠١٧

ما أن وصلت مسألة الحسم مع الإرهاب إلى خواتمها على مستوى المنطقة، ولاسيما في سورية والعراق، حتى برزت مسألة قديمة جديدة وهي ما يسمى “الأزمة الكردية”، والتي ظهرت ملامحها بعد إعلان البرزاني إجراء استفتاء في شمال العراق يؤسس لقيام دولة يطمح البعض إلى تحقيقها منذ زمن طويل، وفي إطار مخططات امبريالية صهيونية خبيثة.. دولة يطلق عليها “كردستان”.

مثلت تصريحات البرزاني هذه، والتي سبقت الاستفتاء، قنبلة سياسية أثارت الكثير من التكهنات حول مغزاها، أهي استباق لما يمكن أن يفرضه المستقبل من تحولات استعداداً لقيام “الدولة” العتيدة، أم هي مجرد رسالة للحكومة المركزية في العراق وغيرها من حكومات دول الجوار لتذكيرها بالإنفصال عن الدولة المركزية؟ أم هي وسيلة ضغط للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب الدولية، وبما يساعد البرزاني على تحقيق أحلامه في إقامة إقطاعيته الخاصة.

واقع الحال، لا تنطلق تصريحات البرزاني، لا بل تحدياته، من فراغ، الأمر الذي يستدعي التعامل معها ورصدها من زاويتين: الأولى أنه اختار الوقيت المشجع  لمثل هذا الطرح مستفيداً من الأجواء المهيئة والمناسبة لتأكيد مشروعه الانفصالي، وكي يختبر ردود الأفعال المحلية والإقليمية والدولية تجاه هذا المشروع، والثانية تتعلق بالتباين بين جوهر مطالبته بالانفصال والواقع العراقي الجديد بعد تعزيل الإرهاب، والذي تتمسك فيه سلطة شمال العراق بحصتها في الحكم وفي النظام للعب الدور الأساسي والجوهري في إدارة الحياة السياسية العراقية وصولاً إلى الانشقاق عن الحكومة المركزية، وهذا ما ظهر من خلال ردود الفعل المتفاوتة لمختلف القوى السياسية العراقية، والتي اعتبرت إجراء الاستفتاء إعادة للأوضاع العراقية إلى مرحلة الصفر مع المكون الكردي. زد على ذلك ما تتركه تصريحات البرزاني من تداعيات سلبية وخطيرة ليس على مستوى العراق فحسب وإنما على مستوى المنطقة بكاملها، إذ على الرغم من الموقف المتوقع فيما يخص القادة العراقيين في رفض الاستفتاء ومن يغرد في سربه ويدعمه، فإن هذا الاستفتاء يجسد تجسيداً حياً خطة الحركة الصهيونية الكردية في تقسيم العراق، تمهيداً لإقامة مشروع “دولة كردستان الكبرى”. وهل نبالغ إذا قلنا إن الخطوة التي أقبل عليها مسعود البرزاني في إقرار هذا الاستفتاء تعد الأخطر على أمن دول المنطقة، العراق وسورية وإيران وتركيا، وهي خطوة ستتلوها خطوات لها تأثيراتها الداخلية على هذه الدول، الأمر الذي يتطلب إجهاض احتمالات نجاح هذا الاستفتاء، وما يترتب على هذا النجاح من نتائج.

السؤال المطروح هو: إلى أي حد يمكن أن تتحول دعوة البرزاني إلى واقع؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال، لابد من التوضيح بأن إقليم شمال العراق لم يكن يتبع للعراق منذ أن أعلن استقلاله الذاتي من طرف واحد، وحتى يومنا هذا. بمعنى أن تبعية هذا الإقليم إلى الحكومة المركزية لم تكن سوى تبعية اسمية، حيث لم يكن للحكومة المركزية أي سلطة في إدارة هذا الإقليم، بل وصل الأمر في بعض الأحيان إلى عدم السماح للعراقيين بدخوله دون تأشيرة دخول، بينما كان الدخول الإرهابي الإسرائيلي وغير الإسرائيلي مسموحاً وحاضراً وملحوظاً وبدون هذه التأشيرات. وبالعودة إلى السؤال المطروح، نقول إن في انسلاخ الإقليم عن العراق يعني إدخال المنطقة في المجهول مع كمّ هائل من المواقف الإقليمية الرافضة لذلك، وبأي شكل كان، لأن في تغيير الحدود تأثير على الكيانات الداخلية لدول المنطقة، ومنها أزمة كركوك بما تمتلك من ثروات تقدرها المصادر الأمريكية 04% من احتياطات العالم، فضلاً عن التركيبة السكانية المتنوعة، وتخوف الحكومة المركزية من خروج هذه الثروة عن سيطرتها كونها تشكل مصدراً مهماً من مصادر الدولة العراقية، ومنها الصعوبات القانونية التي تتعلق بإجراء تعديلات دستورية محلية وتشريعات دولية تستوجب قراراً جديداً من مجلس الأمن يلغي قراره السابق رقم 1905 لسنة 2009، والقاضي بالالتزام بوحدة العراق واستقلاله وسيادته.