المال عصب الدولة.. هل يمتلك إقليم كردستان المقومات الاقتصادية للاستقلال؟

المال عصب الدولة.. هل يمتلك إقليم كردستان المقومات الاقتصادية للاستقلال؟

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٣ أكتوبر ٢٠١٧

جرى الاستفتاء إذًا.. لينهي سجالًا طال الحديث عنه فيما إذا كان سيحدث أم لا، وأظهرت النتائج الأولية التي تشير إلى التصويت بنعم، لكن من السابق لأوانه أن يستقل إقليم كردستان فعليًا، والأمر يحتاج من سنتين إلى ثلاث سنوات لفض المتعلقات مع الحكومة المركزية في بغداد – وفق بعض التقديرات -.

الاقتصاد هو العمود الفقري لأي دولة، فهل يملك إقليم كردستان فعليًا اقتصادًا يمكنه من الاعتماد على نفسه في تدبير شؤون الكرد؟ وماذا عن كركوك ونفطها القابع تحت أرضها وهل ستنضم بنفطها للدولة الجديدة أم لا؟ «ساسة بوست» يحاول الإجابة على هذين السؤالين وعن مقومات الاقتصاد الكردي من خلال ملف متكامل يتناول مختلف القطاعات الاقتصادية في إقليم كردستان.
اقتصاد كردستان العراق دون النفط

على الرغم من أن مفهوم «اقتصاد الدولة» قد يبدو معقدًا للبعض، إلا أنه يعمل بطريقة ديناميكية بسيطة، حيث يتكون من أجزاء بسيطة وكثير من المعاملات التي تتكرر مرارًا ولمليارات المرات، هذه المعاملات تولِّد ثلاث قوى رئيسية تدفع الاقتصاد لأيّ دولة وهي: نمو الإنتاج، ودورة الديون قصيرة الأجل ودورة الديون طويلة الأمد. وبهذه القوى الثلاث والتفاوت بينها يمكن حساب قوة البلد الاقتصادية.

يعتمد العراق ومن ضمنه إقليم كردستان في مجمل اقتصاده على النفط، حيث يشكل بيع النفط ما نسبته 95% من إجمالي الدخل القومي، يقول الكاتب والصحفي العراقي «محمد رضا عباس» إن إقليم كردستان شبه المستقل عن العراق منذ عام 1991 لم يستطع تنويع اقتصاده على الرغم من الاستقرار الأمني الكبير الذي يتمتع به مقارنة مع باقي المحافظات، صحيح أن الإقليم في وضع أفضل حالًا من الحكومة المركزية فيما يخص الفساد المالي والإداري إلا أنه لم يفلح في القضاء عليه في مؤسساته مجتمعة، وهذا عامل سلبي جدًا في اقتصاد أي بلد.

ويضيف عباس أيضًا أن الحصة الأكبر في واردات ميزانية الإقليم تعتمد على تصدير النفط بنسبة تصل بين 85- 90% فضلًا عن أن الإقليم لم يستطع تأسيس قطاع صناعي أو زراعي يشبع حاجات المواطن الكردي ويغنيه عن الاستيراد الكامل للبضائع، وإنما سارت حكومة إقليم كردستان على طريقة بقية الدول العربية المصدرة للنفط بالاعتماد المتزايد على الواردات النفطية واستعمال هذه الموارد في استيراد المواد الاستهلاكية وهكذا وبعد تدهور أسعار النفط في السوق العالمية، انخفضت واردات الإقليم من بيع نفطه وتوقف العمل بما يقارب 6 آلاف مشروع في الإقليم، ونتيجة لذلك خسر المواطن الكردي فرص عمل كبيرة وفوائد جمة من هذه المشاريع.
الاقتصاد الزراعي والصناعي في كردستان

يتمتع إقليم كردستان بوفرة المياه إلى حد كبير إضافة إلى خصوبة أرضه، إلا أن مسؤولًا في وزارة الزراعة والموارد المائية في إقليم كردستان كشف أن وزارته لم تتمكن من تنمية الإنتاج الغذائي في مقابل ازدياد عدد السكان، بسبب النقص في الموازنة المخصصة لقطاع الزراعة، وأوضح أن 90% من المواد الغذائية في إقليم كردستان مستوردة. ويبلغ عدد السكان في إقليم كردستان بحسب الإحصائيات الأخيرة، 5 ملايين ونصف مليون مواطن.

ويشير تقرير نشر على موقع قناة «روداوو» الكردية أنه لا توجد لدى حكومة كردستان استراتيجية واضحة لتطوير القطاع الزراعي، حيث لم يخصص سوى 1.8% من الموازنة السنوية للإقليم للقطاع الزراعي.

بينما يقول المدير العام للزراعة والبساتين حسين حمه كريم: «لدينا سياسة واستراتيجية لتطوير الإنتاج المحلي، لكننا لا نستطيع القول إننا نملك خطة لذلك، لعدم وجود إحصائية دقيقة حول مساحة البساتين والمزارع وحجم الإنتاج واليد العاملة وعدد السكان ومدى حاجتهم للمنتجات، فضلًا عن عدم تخصيص الموازنة الضرورية للمشاريع في الوقت المناسب».

كما يؤكد رئيس منظمة الفلاحين المعاصرة «مام فارس حسين» أن المشاريع الزراعية باتت معدومة في الإقليم وأغلب المعامل التي تعتمد على الإنتاج الزراعي المحلي أغلقت أبوابها منذ مدة وأصبحت الرقع الزراعية المستغلة محدودة جدًا على الرغم من وجود جميع مقومات النجاح للاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية، ويشير حسين إلى أن الموارد البشرية متاحة والتربة خصبة والمياه السطحية والجوفية متوفرة على مدار السنة في الإقليم، مما يوفر تنوعًا في المحاصيل الزراعية.

يقول الكاتب والباحث الكردي «أكو حماكريم» في تقرير نشره معهد واشنطن إن اقتصاد إقليم كردستان يعتمد اعتمادًا كبيرًا على النفط، ومن غير المحتمل أن يظلّ صامدًا على المدى الطويل، خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية، عجزت السلطات الكردية عن بناء اقتصاد محلي قوي قادر على تأمين أساس متين لبناء دولة مستقلة. وفي الواقع، عملت على تدمير الاقتصاد التقليدي لصالح النفط وشجعت السياسة الاستهلاكية المفرطة داخل المجتمع الكردي.

ويضيف «حماكريم»: «أن اقتصاد حكومة إقليم كردستان يواجه مشاكل هيكلية ترتبط بالفساد وانعدام الشفافية واحتكار الأسواق والتدخل المفرط في الشؤون الحكومية من قبل زعماء الأحزاب لصالح شركات أو أشخاص نافذين مرتبطين بالحزب، وقد ساهمت هذه المشاكل في انتشار الظلم الاجتماعي حيث أفرزت أقلية ثرية تتمتع بعلاقات وثيقة مع الأحزاب الحاكمة، في حين بقيت غالبية الشعب فقيرة. إضافة إلى فوارق جغرافية كبيرة أثبتها البون الشاسع والكبير في الإعمار بين المدن والمناطق الريفية».
وضع إقليم كردستان الجيوسياسي

جغرافيًا، من شأن دولة كردستان المستقلة ألا تملك أي منفذ بحري وأن تكون محاطة بالكامل من دول مجاورة قد لا تدعمها بالكامل. يقول الخبير الاقتصادي العراقي كاظم حبيب إن اقتصاد الإقليم كان ولا يزال يعاني كحال الاقتصاد العراقي عمومًا، حيث يعاني من طابع ريعي نفطي وغياب الصناعة التحويلية وتراجع النشاط الزراعي وتخلف الإنتاج الحرفي وارتفاع البطالة المكشوفة وخاصة المقنعة، فضلًا عن استنزاف نسبة عالية من دخل الإقليم السنوي لدفع رواتب الموظفين في مؤسسات الإقليم، كما يؤخذ على الاقتصاد الكردي الفساد المالي والإداري الذي يظهر بصورة جلية في التوظيف بعيدًا عن الاختصاص والنوعية من جهة وغياب التوفير الاقتصادي في المشاريع وضعف الرقابة على الصرف والتنفيذ ومستوى الجودة والجدوى الاقتصادية.

من جهة أخرى، تبرز مشكلة أخرى للإقليم الذي يسعى للتحول إلى دولة قريبًا، إذ يقول المحلل الاقتصادي رياض الزبيدي لـ«ساسة بوست» إن من المؤسف أن نقول إن النموذج الخليجي هو الذي يسيطر على عقول وأفئدة المسؤولين عن النشاط الاقتصادي للإقليم، فوضع دول الخليج العربي وموقعها والبحر والخليج المائي الذي يحيط بها يميزها عن وضع الإقليم، فكردستان محاطة بأعداء لها مثل تركيا وإيران وحتى سوريا الذين يخشون مجتمعين من تحول عدوى النزعة الانفصالية للإقليم إلى نموذج يحتذي به بقية الأكراد في المنطقة.
العربي اليوم

وأشار الزبيدي إلى أن مشكلة خطيرة ستبرز فيما لو استقل الإقليم وتكمن في الخلافات الداخلية الكردية وكيف ستتقاسم الأحزاب الثروة، ويضيف أنه على الرغم من كل ما أشير إليه من عيوب في اقتصاد الإقليم، إلا أنه يظل أفضل حالًا بكثير من باقي مناطق العراق، حيث إن الزائر للإقليم يلاحظ من الوهلة الأولى الطفرة العمرانية الكبيرة والبنية التحتية التي تفتقر لها العاصمة بغداد.
السياحة في كردستان

قبلة سياحية بامتياز، تعد محافظات إقليم كردستان قبلة سياحية مهمة في العراق، حيث تتمتع مناطق الإقليم بمناطق سياحية خلّابة، تتنوع بين المواقع التاريخية والشلالات والجبال والكهوف والمنتجعات السياحية وتجذب هذه مجتمعة عشرات آلاف السياح من الداخل العراقي.

هيئة سياحة الإقليم كانت قد أعلنت في عام 2013 عن ارتفاع نسبة السياح الزائرين لإقليم كردستان بنسبة 33%، وقال المتحدث باسم الهيئة «نادر روستاي» إن إقليم كردستان استقبل عام 2013 مليونين و950 ألف سائح، وأضاف أن نسبة السياح الزائرين لإقليم كردستان من محافظات الوسط والجنوب العراقي بلغت 66% لافتًا إلى أن نسبة الأجانب سجلت 18% من السياح.

وفي هذا الصدد يقول المحلل الاقتصادي رياض الزبيدي لـ«ساسة بوست» إن انفصال إقليم كردستان سيشكل ضربة موجعة لقطاع السياحة في كردستان، فالسياحة الداخلية تشكل العمود الفقري للسياحة في الإقليم، وفي حال استقلال الإقليم فإن الإقليم سيمنى بخسائر بعشرات ملايين الدولارات.

وكانت مدينة أربيل (عاصمة إقليم كردستان) قد فازت في منافسة اختيار عاصمة السياحة العربية لعام 2014 متقدمة على مدن الطائف والشارقة وبيروت، وكان من المقرر أن تقيم سلطات أربيل في حينها أكثر من 80 نشاطًا سياحيًا وفنيًا واقتصاديًا، وخصصت السلطات آنذاك 20 مليون دولار لهذه المناسبة، إلا أن الخطة لم يكتب لها النجاح بسبب الأزمة المالية بين بغداد وأربيل إضافة إلى ظهور تنظيم داعش وسيطرته على مساحات واسعة من العراق في يونيو (حزيران) 2014.
ملف النفط.. كركوك «بيضة القبّان»

مرّت العلاقة بين أربيل والحكومة المركزية العراقية منذ عام 2014 بأزمات حادة سياسيًا واقتصاديًا، وذلك بعد أن امتنعت بغداد عن دفع رواتب موظفي الإقليم المدنيين والعسكريين فضلًا عن رفضها دفع نسبة الـ17% من عائدات النفط المخصصة بموجب الدستور العراقي لإقليم كردستان، كل ذلك كان بسبب تشييد كردستان خط أنابيب نفطيًا يصل إلى تركيا في سعي من الإقليم إلى تحقيق استقلال اقتصادي.

وبحسب أستاذ الاقتصاد الدولي بجامعة المستنصرية في بغداد، عبد الرحمن المشهداني، فإن الجوانب السلبية لانفصال إقليم كردستان عن العراق لن تكون واضحة لأسباب عدة لعلّ من أهمها أن حكومة الإقليم لم تقدّم منذ عام 2003 وإلى اليوم أي كشف بحساباتها المالية لبغداد خاصة ما يتعلق منها بالإيرادات والتحصيل الجمركي.

وأشار المشهداني إلى أن حكومة الإقليم كانت تخلّ بالاتفاقيات النفطية التي تُوقّع في بداية كل موازنة جديدة تقرّها الحكومة المركزية، والتي تنص على وجوب قيام حكومة الإقليم بتصدير 550 ألف برميل نفط يوميًا، منها 300 ألف برميل من حقول كركوك، مؤكدًا أن الإقليم يُصدّر النفط دون تحويل الإيرادات النفطية إلى خزينة الدولة المركزية.

من جهة أخرى، يقول المتحدث باسم وزارة النفط عاصم جهاد إن أهم الملفات العالقة بين بغداد وأربيل هو سيطرة الإقليم على بعض الحقول النفطية في مناطق متنازع عليها مثل كركوك إلى جانب الحقول ضمن إقليم كردستان والتصدير منها دون الرجوع إلى الحكومة المركزية، وهو ما يعدّ مخالفًا للدستور، مضيفًا أن العراق بموجب عضويته في منظمة الشفافية العالمية فإنه ملتزم بالإعلان عن الكميات التي يصدرها من النفط والشركات التي يتعاقد معها وجنسياتها إلى جانب التصريح عن الإيرادات النفطية، فيما الحكومة لا تعلم عن كميات النفط التي يبيعها الإقليم ولا عن أسعارها ولا عن الجهات التي تشتري النفط من الإقليم، فضلًا عن أن العقود التي أبرمها الإقليم مع الشركات النفطية كانت دون مراجعة بغداد.

فيما أكد النائب الكردي في البرلمان العراقي «سرحان ملاك» أن إقليم كردستان لم يلجأ إلى هذه الخطوة والتصدير إلا بعد صدور قرار بقطع الموازنة عن الإقليم، مضيفًا أن هذا القرار كان فرديًا وسياسيًا صدر عن حكومة المالكي ولم يتم الرجوع فيه إلى السلطة التشريعية المركزية.

يقول وزير النفط العراقي السابق عصام الجلبي إن المحافظات التي تتبع الإقليم حاليًا لا يوجد بها النفط إلا بكميات محدودة، حيث إن معظم إنتاج الإقليم من الخام هو من محافظة كركوك وأجزاء أخرى توجد حاليًا تحت سيطرته العسكرية في ما يعرف بـ«المناطق المتنازع عليها» وهي قانونيًا ودستوريًا تتبع بغداد.

ويضيف الجلبي أن محافظة كركوك تمثل ما يقرب من 85% من الطاقة الإنتاجية من النفط بإقليم كردستان العراق، وأن مساعي الإقليم للاستقلال قد تحرمه من هذا المصدر المهم، ذلك أن بغداد لن توافق على الأرجح على ضم كركوك للإقليم.

ويشير الجلبي أيضًا إلى أن حجم صادرات إقليم كردستان من النفط تقدر حاليًا بـ550 ألف برميل يوميًا، ليصل حجم الإيرادات إلى نحو 11 مليار دولار سنويًا، وهي موارد تمثل بديلًا لنسبة 17% التي التزمت الحكومة العراقية بدفعها للإقليم وفق ما هو معمول به بين بغداد وأربيل حيث تعادل نسبة الـ17% هذه 15 مليار دولار وفق آخر موازنة اتحادية.

ساسة بوست