((الزكف)).. صورة جديدة للتفاهمات الميدانية.. بقلم: سامر ضاحي

((الزكف)).. صورة جديدة للتفاهمات الميدانية.. بقلم: سامر ضاحي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٠ سبتمبر ٢٠١٧

ساهمت التطورات الأخيرة على الساحة السورية بإعادة بناء التفاهمات الإقليمية والدولية حول سورية بصورتها الميدانية بانتظار تبلور صورتها السياسية، وفي ضوء ذلك لا يمكن قراءة الانسحاب الأميركي المفاجئ من قاعدة «الزكف» في البادية الشرقية إلا عبر جملة من المتغيرات والتفاهمات التي سبقتها.
أولى المتغيرات كانت نجاحات التنسيق الدبلوماسي الروسي السوري بتعطيل غرفة «الموك» الاستخباراتية في عمان والمشكلة من خليط من مخابرات الدول التي تدعي أنها «أصدقاء الشعب السوري»، وهو ما ساهم عملياً بخلق منطقة لتخفيف التوتر في جنوب غرب البلاد أدت لاحقاً إلى سيطرة الجيش العربي السوري على قسم كبير من الحدود مع الأردن.
ورغم أن معبر نصيب الحدودي مع الأردن بريف درعا الجنوبي ما زال تحت سيطرة ميليشيات «الجيش الحر» إلا أن إصرار عمان على ربط فتحه بسيطرة قوات تتبع للحكومة السورية، ما هو إلا دليل على تغيير لافت في موقف إحدى العواصم التي كانت تمد الإرهابيين والمسلحين جنوباً بالعتاد والمال لسنوات عدة من عمر الأزمة.
المتغير الثاني، كان حرص ميليشيات الجنوب على توريط داعمتها واشنطن بتسريب مفاده أن الأردن طلبت منهم الانسحاب من «الزكف» ومخيمه إلى مخيم الركبان، ورغم إعلان تلك الميليشيات الرفض، إلا أنها نفذت فيما بعد الأوامر التي تلقتها، لا بل وتبع ذلك التسريبات التي نقلتها الصحف الأميركية عن انسحاب القوات الأميركية من المعسكر الواقع على بعد 75 كيلو متراً عن «التنف» وعلى بعد 130 كيلومتراً عن مدينة البوكمال بريف دير الزور الجنوبي، وسبقها في ذلك انسحاب القوات البريطانية من المعسكر ذاته حسبما أعلنت صحف بلادها أيضاً.
المتغير الثالث والأهم، كان إعلان واضح وصريح من قائد غرفة حلفاء الجيش العربي السوري عن إطلاق معركة «الفجر3» لتحرير الحدود السورية العراقية، موضحاً أن التوجه سيكون إلى مدينة البوكمال، وهو ما يشير إلى أن التفاهمات نضجت في شرق البلاد أو تم تعديل التفاهمات السابقة، وليس الإعلان بحد ذاته هو المهم، إذا ما قيس بتوقيته الذي سبق الإعلان عن الانسحاب الأميركي، وهو الأمر المستغرب بشدة، ففيما سبق كانت واشنطن تحرص على استهداف القوات السورية أو الحليفة إذا ما اقتربت من قواعدها، وأسقطت طائرة سورية ودمرت عدة أرتال اقتربت سابقاً من القوات الأميركية في «التنف»، على حين لم تعلق هذه المرة على إعلان حلفاء دمشق، لا بل وتشير الترجيحات إلى اقتراب انسحاب مماثل من قاعدة «التنف».
المتغير الرابع كان عبور الجيش أول من أمس إلى ضفاف الفرات الشرقية، بعدما كانت واشنطن لا تخف على أحد أنها اتفقت مع موسكو على اعتبار نهر الفرات خطاً فاصلاً في دير الزور، وتحدثت بأن قوات كردية ستحرر ريف دير الزور فيما يقوم الجيش العربي السوري بتحرير المدينة، لكن ورغم هذه التفاهمات إلا أن الواقع يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن التفاهم السابق جرى نسفه، وخاصة أن واشنطن والقوات الكردية لم ترد على استهداف القوات السورية والروسية، رغم نفي الأخيرة، لـ«قوات سورية الديمقراطية – قسد» منذ أيام بريف دير الزور، كما أن الأوامر التي أعطيت للطائرات الأميركية بالانسحاب من أجواء دير الزور حين اقتراب المقاتلات الروسية منها منذ أيام، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن واشنطن وموسكو اقتربتا من الوقوف على ضفة شبه واحدة من الأزمة السورية بانتظار موقف أميركي واضح من مستقبل القضية الكردية وهي التي لا تزال صامتة إلى حد ما.
تأتي الأنباء الواردة من الأراضي المحتلة والتي تعلن عن إنشاء أول قاعدة جوية أميركية في أراضي فلسطين المحتلة، لتشير إلى أن التوافق الروسي الأميركي بات عبر سلة إقليمية كانت أولى تجلياتها رغبة واشنطن بضبط التيرمومتر الإسرائيلي بعدما أظهرت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي مراراً نيتها لتخريب التفاهمات في سورية وسعيها لتقسيم البلاد.
في الشمال أعطي الضوء الأخضر، ولو بشكل غير معلن، لتركيا لاجتياح إدلب، وإنهاء وجود جبهة النصرة الإرهابي فيها، بعد سنوات من العسل بين حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان والتنظيم الإرهابي، لتدخل بذلك في صراع مستتر مع حليفتها الدوحة التي خرجت من سلة الحل بلا حمص، مثلها مثل الرياض، وسط تطمينات حصلت عليها أنقرة، بعدم السماح للمشروع الكردي الفيدرالي في الشمال أن يرى النور.
وفي كل ما سبق تكون الحكومة السورية هي الرابح الأكبر.
الوطن