ترامب يتهاوى أمام التحدي النووي؟

ترامب يتهاوى أمام التحدي النووي؟

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٢ سبتمبر ٢٠١٧

التخمينات الأميركية الراهنة تفيد بأن "بيونغ يانغ" في صدد إجراء تجربة جديدة بصواريخ باليستية "كما هي العادة،" لا سيما بعد تعهد مسؤوليها بإرسال "صناديق هدايا للإمبرياليين الأميركيين." بالمقابل وبخلاف التوقعات والتحليلات العسكرية، أحجمت واشنطن عن إعلان تقييمها للتجربة الكوريةعما إذا كانت لقنبلة هيدروجينية  ذات مرحلتين من الانفجار، كما يعتقد، وهي أشد فتكاً ودماراً من السلاح النووي التقليدي، أم لنمط تفجير أقل وطأة، وما يستدعيه ذلك من رد انتقامي؛ واكتفت بالإشارة أن المعطيات المتوفرة تدل على حدوث "تجربة نووية متطورة".

المسألة المحورية في الأزمة المتبلورة الراهنة تستدعي المقاربة الهادئة والتحلي بالدقة لسبر أغوار مطبخ القرار السياسي الأميركي، وفصل "الحنطة عن الزوان." الادارة الراهنة، أسوة بمن سبقها، تتميز بأغلبية من الصقور والداعين للحرب في مطبخ القرار، يقابلها عدد محدود يتضاءل مع مرور الزمن متوخياً إعتماد السبل الديبلوماسية. أما الغلبة لأي من الفريقين فتميل الى ترجيح منطق الصقور، وليس بالضرورة المضي بتنفيذ تهديداته على الفور، استناداً الى معايير واعتبارات حساسة تؤثر مباشرة على الاستراتيجية الكونية الأميركية، من أبرز عناوينها عملاقي الصين وروسيا وفي حديقتهما الخلفية.

 

ضربة استباقية وليس وقائية

فرضية الصقور ومواليهم على امتداد المؤسسة الأميركية تخاطب الهاجس الأمني للعامة، والذي أضحى أشد تأييداً لسياساتها دون مساءلة منذ اطلاقها "الحرب العالمية على الإرهاب." أقطاب المؤسسة البارزين لا يتوانون عن التحريض وعدم المراهنة على "الفرضية السائدة بأن كوريا الشمالية لا تستطيع تهديد الاراضي الأميركية، اذ أن التسليم بذلك سيكون خطأً استراتيجياً ذو أبعاد تاريخية."

  يفضل المسؤولون الأميركيون "اطلاق التصريحات دون الكشف عن هويتهم،" سواء في المؤسسات الاستخباراتية أو العسكرية. البعض منهم أوضح لشبكة أن بي سي للتلفزة، 8  أيلول /سبتمبرالجاري، أن "استخدام الولايات المتحدة أسلحتها النووية (ضد كوريا الشمالية) احتمال وارد لكنه بعيد .. لا سيما أنه لا يحظى بتأييد محلي أو لدى الحلفاء الدوليين." أما إن طرأ أي تغيير "دراماتيكي" او القيام بخطوات استفزازية نحو كوريا الشمالية، فسيحضر ذلك الخيار بقوة تشفي غليل المؤسسة الإستخباراتية والأمنية.

  نائب مدير وكالة الإستخبارات المركزية السابق، مايكل موريل، لم يخفِ نواياه بشن عدوان عسكري في المدى القريب. واوضح في مقال نشرته يومية واشنطن بوست، 6 أيلول الجاري، مجاهراً بمخالفته "الرأي السائد،" بأن بيونغ يانغ ليس باستطاعتها استهداف الأراضي الأميركية. وأكد على يقينه بأن "كوريا الشمالية قد تمتلك القدرة (التقنية) في الوقت الراهن لإجراء تجربة على هجوم نووي ناجح ضد الولايات المتحدة .. أما مجرد كوريا الشمالية لم تثبت حتى الآن مدى قدرتها لا يعني أنها تفتقدها." ومضى بتأكيده استنادا إالى المعلومات الإستخباراتية المحظورة أن كوريا الشمالية "أثبتت في تجربتيها الأخيرتين على صواريخها العابرة للقارات بأن مداها يصل الى مدينة شيكاغو."

 المدير السابق لجهاز الإستخبارات الوطني، جيمس كلابر، يشاطر موريل في "يقينه" حول قدرة بيونغ يانغ الوصول للأراضي الأميركية وفق رواية الأخير.

 أما ما يبغي موريل وأقرانه الوصول إليه فهو إرساء مبررات واقعية لدى الشعب الأميركي والتمهيد لتقبله شن "حرب عسكرية إستباقية" ضد كوريا الشمالية "دون المخاطرة بقيام بيونغ يانغ تسديد غارة نووية،" جازماً أنه "بالإمكان تنفيذ هذا المخطط دون تعريض الولايات المتحدة للخطر."

 

مراهنة واشنطن

تصعيد الأزمة مع كوريا الشمالية، منذ بدء ولاية الرئيس ترامب، وفّر مناخاً مناسباً لواشنطن لتخطي تحفظات حلفائها في سيؤول وطوكيو بنشر بطاريات صواريخ اعتراضية من طراز (ثاد) التي تعارضها بشدة كل من بيجينغ وموسكو. ونجحت في استدراج كوريا الجنوبية بموافقتها على نشر "أربعة منصات إطلاق إضافية" لصواريخ (ثاد)، ليصبح عددها الإجمالي ستة منصات داخل الخدمة.

واقع الحال أن تلك النظم من البطاريات المضادة للصواريخ "لا يمكن الإعتماد عليها،" وفق تقييم خبراء المؤسسة العسكرية الأميركية عينها. وتتمثل الخشية من ميل أعضاء الكونغرس بمجلسيه للموافقة على صرف ميزانيات إضافية للتزود بالسلاح المضاد للصواريخ.

الموازنة السنوية لشؤون الدفاع لعام 2018 تتضمن بنداً ينص على تخصيص موارد مالية تكفي لشراء "28 بطارية" ثاد لنشرها في أراضي ولاية ألآسكا، إضافة لحث الكونغرس للبنتاغون الإعداد لشراء 100 بطارية أخرى لنشرها في مناطق متعددة من الولايات المتحدة.

الكلفة الإجمالية، مرة أخرى، للبطاريات المنتشرة في أراضي ولايتي ألاسكا وكاليفورنيا تجاوزت 40 مليار دولار، وعددها 36 منصة، وفق بيانات وزارة الدفا ع.   دوائر صنع القرار تدرك مثالب ومواطن الضعف في تركيبة نظم السلاح، خاصة وأن شهادة هيئة التجارب الصاروخية التابعة للبنتاغون اوضحت في تقييمها عام 2016 أن ذلك "البرنامج ينطوي على قدرات محدودة للدفاع عن الأراضي الأميركية؛" فضلاً عن التقارير العملياتية المحايدة التي وصفت منصات (ثاد) بأن أداءها "غير كافٍ للبرهنة على قدرة عملياتية مفيدة للدفاع."

 

خيارات الطرفين

إذا نحّينا جانباً دور الصين وروسيا في التأثير على مسار الأزمة النهائي، يتبين كم هي محدودة الخيارات المتاحة للطرفين، ومقلقة لأبعد الحدود على الصعيد الكوني برمته.

 فيما يخص كوريا الشمالية، من منظار أميركي صرف، باستطاعتها شن حرب تطال التواجد الأميركي براً وبحراً بالقرب من أراضي شبه الجزيرة الكورية، ودخول أراضي خصمها الجنوبي عبر "سلسلة متقنة من الأنفاق السرية" وإلحاق أضرار كبيرة في البنى الإقتصادية والعمرانية؛ يعززها سلاح مدفعيتها "المدمر." إضافة لسلاحها النووي فإن القلق الأميركي له ما يبرره وفق تقديراته لقدرات كوريا الشمالية التي "استثمرت في أسلحة بيولوجية وكيميائية وإلكترونية منذ انتهاء الحرب الكورية،" مطلع خمسينيات القرن الماضي.

التقارير الأميركية الرسمية تفيد بأن لدى بيونغ يانغ مخزون من الأسلحة الكيميائية يتراوح حجمه من 2,500 الى 5,000 طن يتضمن غاز الأعصاب – سارين و VX – ومادة الجمرة الخبيثة (أنثراكس).

أما الخيارات الأميركية، فترسانتها العسكرية متضخمة بأحدث ما تنتجها الصناعات العسكرية المختلفة: برًا وجواً وبحراً وإلكترونياً، فضلاً عن الترسانة النووية والقنابل الخارقة للتحصينات. تجدر الإشارة الى ان كراس "خطة الحرب" الأميركية سالف الذكر تفادى النظر باستخدام السلاح النووي من الجانب الأميركي، دون استبعاده.

 سلاح بحريتها في المنطقة يضم "ما بين 70 الى 80 سفن مدمرة وطوافات وغواصات تتبع الاسطول السابع." بيد ان القطع البحرية المختلفة تعاني من إعياء طواقمها وتراجع أدائها كما أوضحه تقرير صدر حديثا عن هيئة محايدة، مكتب المحاسبة الحكومي، حزيران 2017، جاء فيه ان "8 من مجمل 11 مدمرة وفرقاطة مرابطة في مياه اليابان انتهت مدة صلاحيتها العملياتية للتنقل والملاحة البحرية، والقيام بمهام حرب جوية وفي أعماق البحار."

أميركا قد تلجأ لإستفزاز كوريا الشمالية، كما يُتداول في واشنطن، بغية إيجاد المبرر لاستخدام سلاحها النووي على نطاق محدود، في ساحة مليئة بالأسلحة النووية، مدركة أن قواتها العسكرية في كوريا الجنوبية ستكون ضحية سريعة للحرب "في يومها الأول،" واستغلال ذلك ذريعة لإطالة أمد الحرب التدميرية بحجة الثأر لضحاياها.

الولايات المتحدة لا تخفِ قلقها من الموقف الصيني "الغامض." الصين ارسلت إشارة عابرة لطمأنة  واشنطن في صحيفة غلوبال تايمز، المقربة من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، بأنها "لن تهب لنجدة كوريا الشمالية إن كانت هي البادئة في إطلاق صواريخ باليستية تهدد الولايات المتحدة." واشنطن اعتبرت ذلك مؤشراً على تفضيل بيجنغ للمسار الديبلوماسي لتفادي أهوال حرب نووية.

خيارات واشنطن "العملية" تتمحور حول الحلول الديبلوماسية، وفق ما يتسرب عن المقربين من الرئيس ترامب، مدللين على ذلك بنقطة التحول في خطابه اثناء استقباله لضيفه أمير الكويت الزائر بالقول أن الخيار العسكري ليس الخيار الأول بالنسبة له "لا أفضل السير باتجاه السبل العسكرية .."

الخيار الدائم الحضور في جعبة واشنطن هو المقاطعة وإنزال العقوبات الاقتصادية، الذي لم يؤتِ أكله أمام كوريا الشمالية، باعتراف السياسيين الأميركيين أنفسهم. اللافت في التوجهات "الديبلوماسية" الأخيرة ما صدر عن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس قائلاً "لا تخلو جعبتنا من الحلول الديبلوماسية مطلقاً." التصريح له دلالاته البعيدة لا سيما وأن المصدر هو أحد أضلع مثلث عسكري يتحكم بالقرار السياسي.

السياسة الأميركية المعلنة، منذ ثلاثة عقود، تدعو في مناسبات متباعدة لإخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية. بالمقابل يطالب بعض الساسة والعسكريين ارسال معدات "نووية تكتيكية" لكوريا الجنوبية رغم تناقض ذلك مع تعهدات واشنطن المعلنة.

كما باستطاعة واشنطن تسخير هيئة الأمم المتحدة لخدمة مخططاتها في الحالة الكورية، واستصدار قرار أممي يتيح تفتيش السفن التجارية المتجة والمغادرة من موانيء كوريا الشمالية؛ إضافة لما يجري تداوله من اتخاذ إجراءات مماثلة ضد المصارف الصينية التي تتعامل مع كوريا الشمالية "وما ينطوي عليها من مخاطر ديبلوماسية" مع بيجنغ.