هل يتجاوز مشروع "التحوّل شرقاً" مقولات المعارضة السورية؟.. بقلم: قاسم عز الدين

هل يتجاوز مشروع "التحوّل شرقاً" مقولات المعارضة السورية؟.. بقلم: قاسم عز الدين

تحليل وآراء

الخميس، ٢٤ أغسطس ٢٠١٧

بينما تنشغل فصائل المعارضة السورية في الرياض وتختلف بشأن "السلطة الانتقالية"، يطرح الرئيس السوري بشار الأسد التحوّل شرقاً في الاقتصاد والسياسة والثقافة وغيرها. وهو يتضمّن الانتقال من البحث عن إعادة تنظيم السلطة إلى البحث عن إعادة بناء الدولة. فهل يتقاطع هذا التحول بشيء مع مقولات فصائل المعارضة، أم يوسّع الهوّة بين عالمين متباينيْ الأسس والمضمون؟

فصائل المعارضة السورية التي عقدت لقاءاتها في الرياض، جمعت هيئة التفاوض مع منصتي موسكو والقاهرة من أجل تشكيل "وفد مفاوض موحّد" بحسب التصريحات المختلفة. فوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ساهم بتذليل عقبة الاعتراض على مقرّ اللقاء في ضغطه على منصّة موسكو، على الرغم من أن بعض مسؤولي هيئة التفاوض إتهموا حرصه على حضور منصّة موسكو لتسويف الاتفاق الموحّد على "السلطة الانتقالية".

فشل الاتفاق على وفد موحّد كما يرغب ستافان دي مستورا تحضيراً لمباحثات جنيف في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، لم يمنع فراس الخالدي من منصة القاهرة أن يرى "نقاط الاتفاق أكثر من نقاط الخلاف". وذلك على خلاف أحمد رمضان من هيئة التفاوض الذي اتهم منصّة موسكو "بعدم الإقرار بأي نص يشير إلى مطلب السلطة الانتقالية". بينما أوضح رئيس المنصّة قدري جميل رفض الشروط المسبقة للمفاوضات مع الحكومة السورية ولا سيما مطلب هيئة التفاوض "بألا يكون للرئيس أي دور في المرحلة الانتقالية".

الإنطباع الأكثر تعبيراً عن حالة الخلاف بين فصائل المعارضة السورية، هو ما سرى في أجواء اللقاءات بـــ "أننا متفقون على الهدف لكننا مختلفون على الوسائل". والقصد بذلك هو الاتفاق على تغيير السلطة أو إصلاحها، والاختلاف على بقاء الرئيس بشار الأسد في المرحلة الانتقالية أو رحيله في هذه المرحلة. لكن الأسد خرج بعيداً عن هذا الخلاف والاتفاق المستمر تداوله منذ بداية الأزمة، في تغيير المقاربة من السلطة إلى الدولة. ففصائل المعارضة وحتى معظم الأفراد المستقلين عنها، يتحدثون عن حل أزمة تتمثّل برأيهم في السلطة نتيجة غياب الحريات الفردية والحزبية. لكنهم من وراء هذا الحديث الشائع ينتمون إلى مدرسة تفكيك الدولة في حريات أخرى هي حرية السوق وحرية التجارة وحرية الاستثمار الأجنبي المباشر، وما يستتبعها من مقولات في السلام سبيلاً للاستقرار المزعوم والانضواء في المجتمع الدولي طريقاً للازدهار الموعود.

هذه المقولات في تفكيك دور الدولة السورية سواء في موقعها الجيو ــ سياسي الإقليمي أم في دورها الداخلي الناظم للأمن الغذائي والأمن المائي والأمن الوطني وغيره، ظهرت مع بداية الأزمة في سوريا وعُرفت  بخطة "اليوم التالي لسقوط الأسد" كما سماها "المركز السوري لدراسة السياسات"، أو اليوم التالي لوقف الحرب كما سمتها منظمة "الإيسكوا". وقد ساهمت في الإعداد والمشاركة "هيئات دولية" وشركات أوروبية ولا سيما شركات ألمانية، وفق وصايا طبق الأصل لوصفات البنك الدولي وصندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية، ومن ضمنها "سوريا أولاً" وكذلك "استعادة الجولان المحتل بالمفاوضات والوسائل المشروعة".

التحوّل شرقاً كما تطرق إليه الأسد، يتضمّن إعادة بناء منظومة السلطة السياسية من ضمن إعادة بناء الدولة في قطع الطريق على طموحات الدول الغربية وشركاتها في السيطرة على الثروات الطبيعية السورية وفي التبعية السياسية والاستراتيجية لهذه المصالح. فهو يفتح باب التحوّل مستنداً إلى واقع ميداني وسياسي يدفع بسوريا والمنطقة في اتجاه قد يرمي على المدى الأبعد إلى وقف الانهيار متجاوزاً الطموح إلى وقف الحروب الداخلية ومشاريع التفتيت.

عدا منصة موسكو التي لم تتطرق كثيراً إلى تفكيك التبعية أساساً لإعادة بناء الدولة، تتميز الفصائل الأخرى وكثير من المعارضين المستقلين بانتمائها إلى معتقدات مدرسة السوق ووصاياها. لكن الأسد يأخذ سلاحاً جديداً في يده بعد التقدم الميداني والسياسي في استناده إلى انهيار أو تضعضع كل البلدان التي تستقي بما تستقيه المعارضات السورية، بما في ذلك مجتمعات الدول الغربية في أميركا وأوروبا.
.