بين الفائض والانتماء.. بقلم: سامر يحيى

بين الفائض والانتماء.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الاثنين، ١٤ أغسطس ٢٠١٧

الانتماء الوطني، وتلاحم الثلاثي المقدّس الشعب والجيش والقائد، سر صمود سورية في وجه آفةٍ إرهابٍ اختلط بها المحلّي والدولي ـ شارك بها من كنا نظنّهم أصدقاء وبيوتنا مفتوحةً لهم دون استثناء ـ لتحقيق هدفٍ رئيسي في تلك الحرب ألا وهو تفتيت الانتماء الوطني، وتدمير النسيج المتلاحم المتجّذر في أعماق التاريخ.
ما يميّز السوري عن الآخرين فخره بانتمائه المتجذّر في عقله وقلبه، لا سيّما في المغترب، ومهما كانت فترة إقامته خارج سورية، يحنّ لوطنهم، ويريد العودة إليها، على الأقل يفكّر بأن يبني له فيها بيتاً أو إرثاً يخلّد فيه ذكره ولو طالت إقامته ورتّب أموره وحصل على جنسية البلد المقيم به، ولا يتخلّى عن مساعدة أبناء بلده، فيا ترى هل نحن قادرون على الاستفادة من هذا الانتماء الوطني لدى كلٍ منا، باستنهاض الهمم، مغترب ومقيم، ونحن أحوج ما نكون لاستنهاض الانتماء الوطني لدى العاملين في المؤسسات السورية، مستذكرين أنّ مؤسساتنا قديمة قدم التاريخ والأرض، وتتطوّر ضمن الزمان والمكان محافظةً على المبادئ والأسس السامية التي لا يحيد عنها أي مواطن عربي سوري لديه هذا الإيمان الراسخ بوطنه وعروبته التي هي القلب النابض، وكل ما حولها هو الوريد الذي يغذّي هذا القلب ويبث به الحياة، وسر الانتماء الوطني هو سر تدفّق الدم عبر الوريد الذي يهدف لشد أزر كل المؤسسات وتنشيط كريّات الدم فيها وتفعيل دور الخامل منها، وإيقاظ النائم فوقت الجد قد بدأ ووقت العمل قد حان، والنهوض بسوريتنا يحتاج جهد كل منا دون استثناء أحد، فلا فائض في أي مؤسسة حكومية مهما كانت، بل هناك من لا تُسْتَغلّ طاقاته وجهوده، ولا يُفعّل دوره، وإلا فإننا نشتم تاريخاً طويلاً عشناه، ونذمّ تجارباً، والواجب علينا البحث بها ودراستها لمعرفة سبب الفشل ويوفّر علينا الكثير من الجهد والمال والوقت، وكانت أكثر تجربةً الواجب الاستفادة منها، أن لا إمكانية لمحاربة الفساد إلا بزيادة الإنتاج، واستنهاض الهمم  وتفعيل كل مواطن في مكان وجوده، قطّاع خاص أو عام أو مشترك، أن نعيد لمن فقد ونقوي شعور الانتماء لهذه المؤسسة وأن الانتماء للمؤسسة لا يقل أهمية وشأناً عن الانتماء للأسرة والمنطقة والعائلة، والحرص على سمعة المؤسسة واحترام كيانها يجب ألا يقل أهمية عن محبّة الوطن.
إن أولى خطوات العمل على الإصلاح الإداري والقضاء على الفساد هي استنهاض الهمم والجهود، فالإنسان مهما بلغ من العمر يحتاج دائماً للغذاء الروحي كما المادي، ويحتاج للشرح والتوضيح ومدّه بالأفكار والمعلومات، لكي يشعر بانتمائه ويعزّز وجوده، ويدافع عن مؤسسته التي يعمل بها، فالوردة مهما كانت رائحتها طيّبة إن توقّفت عن سقايتها والاعتناء بها تموت وتبقى عوداً يابسةً، فالاعتناء بالإنسان هي أهم ما يجب أن يقوم به القائمون على المؤسسات الحكومية بتفعيل اللقاءات والنقاشات والحوارات، كل مدير ضمن مؤسسته، بدءاً من المدير الأدنى وصولاً للقيادة العليا بالمؤسسة.
وبدلاً من التساؤل عن وجود فائضٍ لدى المؤسسات، لنسأل عن حاجة المؤسسات، وإعادة تفعيل دور كل عاملٍ فيها، وتوزيع الموظفين كل ضمن إمكانيته وجهوده، فلا يوجد فائض ضمن مؤسسة يعمل بها شخص تكوّنت لديه الحد الأدنى من المعرفة والخبرة، فدور المدير الإداري هو التقييم والتقويم، ومن ثم البحث عما نحتاجه من قدرات وخبرات من خارج إطار المؤسسة ضمن الاختصاص وطبيعة العمل المطلوبة، فالفائض عن مؤسسته بطبيعة الحال هو فائض لدى المؤسسة الأخرى، أولاً لعدم وجود عمل له بمؤسسته، وثانياً يعتبر المؤسسة الجديدة منفى وعقوبةً له لا تقديراً لجهوده، مهما كانت المبررات، فكلمة فائضٍ خطأ إداري فادح، وإهانة لمؤسسات سورية عريقة، فنحن نحتاج تفعيل جهود الجميع كل ضمن مؤسسته ومكان عمله، والعمل الحكومي ليس جمعيةً خيرية، فمن لا يثبت قدرته على العمل أو العطاء يتم فصله بعد استنفاذ كافة الوسائل لتنمية قدراته واستنهاض جهوده وبعث الإنسان الوطني السوري في دمه، ودور المسؤول الحكومي هو اللقاء مع موظفيه، بدءاً من المدير العام، وصولاً للمدراء الفرعيين، ومهما كان ضغط العمل، لن يضيره تفريغ ساعتين للقاء موظفيه، بل النقاش والحوار حول المؤسسة وتعزيز الولاء والانتماء الوظيفي وتوجيه العاملين لدى المؤسسة بحب واحترام، هو جزءٌ أساس من بناء المؤسسة، وتطويرها والنهوض بها، فمن الأهمية بمكان أن يشعر الموظف الحكومي أن دوره خدمة المواطن والمؤسسة التي يعمل بها، فعمله ينقسم لشقين متلازمين، تأمين دخلٍ له ولعائلته ليتمكّن من العيش الكريم، وفي نفس الوقت العمل لتحقيق مصلحة المؤسسة التي يعمل بها، وبالتالي مصلحته ستكون ضمن إطار مصلحة مؤسسته وستعود بالفائدة عليه كلّما ارتقت مؤسسته كلما ارتقى عمله المادي والمعنوي.
إن الانتماء الوظيفي يحتاج تعزيز انتماء الموظف بمؤسسته، وأن يبذل جهده للالتزام بالدوام ضمن مؤسسته ليس بهدف تحقيق ساعات عمل، بل لأن الوقت ثمين، وعليه العمل لتحقيق انتاجٍ جديٍ على أرض الواقع، وابتداع الطرق الأنسب والأسهل لتحقيق مصلحة المؤسسة، والعناية والاهتمام بدورها وعملها وتحسين سمعتها والنقاش حول أفضل السبل لتطويرها، وكتابة رأيه وأفكاره ومقترحاته وخبرته في عمله من أجل التعاون مع كافّة زملائه بالمؤسسة ليكونوا يداً بيد، ومهما كانت المؤسسة كبيرة فهو سهل التطبيق فقط يحتاج الإرادة والإدارة.
وما أروع أن نتبادل جميعاً المصالح للنهوض بوطننا، فكلنا يداً واحداً نستطيع النهوض ونفشل كل مخطّطات الأعداء بتدمير وطننا واستهداف نسيجه القومي والوطني وحتى الإنتاجي، وتعود سورية كما عوّدت الجميع أقوى مما كانت، وتعطي الدروس للآخرين.