إدارة التنظير.. بقلم: سامر يحيى

إدارة التنظير.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٥ يوليو ٢٠١٧

  كل منا يعتبر الآخر منظّراً، متناسين أن العلم مستند للنظرية، وكلّما كانت النظرية والافتراضات قويمة ومتكاملة مع التطبيق على أرض الواقع، يكون العمل أكثر نجاحاً، والنظرية المتكاملة الجوانب والأركان، والمفرّغة ورقياً سواءً بهيكلية مؤسسة، أو أفكارٍ أو برنامج أو خطة إلى ما هنالك كل حسب تخصّصه أو نوع العمل المكلّف به، لتحقيق النجاح والوصول إلى الهدف المنشود.
إذاً نجاح العمل الحقيقي على أرض الواقع بنجاح ودقة وصوابية النظرية، وكلّما كنا أقدر على التعبير عن أفكارنا وآرائنا كلما كنا أنجح في تطبيقها على أرض الواقع، لربط العلم بالعمل، وربط الفكرة بالتنفيذ، بعيداً عن التزييف و"الكلام بهدف الكلام"، أو لمجرّد أن يعرف الآخر أنني متكّلم وقادر على الإبداع والعطاء، ولكن عند الحقيقة يكون كلامي مجرّد هباءً منثوراً، محمّلاً المجتمع والظروف والآخر سبب عدم قدرتي على تطبيق أفكاري وموضوعاتي، لأنني تكلّمت لمجرّد الكلام، بعيداً عن نقاش الأفكار والآراء والاقتراحات والانطلاق من الواقع المعاش والقدرة على تطبيق على أرض الواقع، وما رغم أن المفترض أن يكون حديثي قد أخذ بالاعتبار كل الأفكار والاقتراحات والإمكانيات والموارد التي أشعلت جذوة الفكرة في مخيّلتي، وجعلتني أنظّر، وإلا فإن فكرتي مجرّد كلام فارغ مهما كانت نظرياً رائعاً.
التساؤل المطروح، من يتحمّل مسؤولية تطبيق الكلام النظري؟ إن أي منظّر مهما كان عبقرياً، يجب أن ينطلق من أرض الواقع، وإلا تبقى مجرّد حلماً لا فكرةً لها أصل وتم البحث والتفكير والتمحيص بها لمعرفة سلبياتها وإيجابياتها، ولذلك نرى الكثير من الأفكار الرائعة التي طرحت خلال السنوات السابقة، وعند القيام بتطبيقها على أرض الواقع نكتشف الكثير جداً من السلبيات، بل على العكس الكثير من الأفكار والنظريات عندما تم تطبيقها على أرض الواقع أدت لعكس الواقع المطلوب، ولعكس الحقائق التي نريدها، فالمسؤول الذي يتكلّم ولا يجد صدىً لكلامه، هو يتحدّث لمجرّد الحديث دون دراسة جدية وحقيقية، أو الاستناد لأسس بناءة، والهدف من حديثه، إما رمي الكرة في ملعب الآخرين، أو لإحباط الآخرين بعد الحديث المعسول الذي أطرب به سمع الجمهور، الذي هو بأمس الحاجة ليلمس أفعال ما ينطق به على أرض الواقع، يظن نفسه أنّه بهذا الحديث قد تمكّن من إظهار نفسه للآخرين، بينما الحقيقة هي العكس وإن حقّق أهدافه آنياً.  
ففكرة الجامعات والمدارس جاءت انطلاقاً من كلام نظري، تم تفريغه في كتبٍ ودراسات وأبحاث، ومن ثم باتت تمنح الشهادات العلمية والأكاديمية كل حسب قدرته على تقديم الأبحاث والدراسات، من أجل ترسيخ هذا الكلام النظري، للخروج بنتيجة عملية حقيقية تنطبق على أرض الواقع. إذاً المطلوب الآن من كل المؤسسات لدينا، العمل يداً بيد بدراسة كل القوانين والمراسيم والتعاميم والنظام الداخلي والتطوّرات التي تصب لصالحها وما شابه وكل احتمالات النجاح والفشل، للانتقال لمرحلة تطبيقها على أرض الواقع، وبالتالي نكون حقاً قد سرنا في الطريق القويم استناداً لمسيرة التصحيح المجيد التي أتبعتها مسيرة التحديث والتطوير لتتّوج بمشروع الإصلاح الإداري الذي يجب الاهتمام به انطلاقاً من الواقع الراهن، مستفيدين من نجاحات وأخطاء الماضي، للوصول للمستقبل المنشود، فنحن دولة مؤسسات وعلينا ألا نبدأ من الصفر، بل من الواقع الذي نحن به. ومن ثم يكون لدينا من السهولة بمكان الوصول للهيكليات الحقيقية الواجب تعديلها بحكمة وحنكة ودقة نظرية وعملية قابلة للتطبيق على أرض الواقع، وهذا لن يحتاج سنوات، بل تكاد عدّة أشهرٍ كافية، لا سيما لدى كل مؤسسة عدّة مديريات وأقسام مختصة بالعمل الإداري وتطوير عمل المؤسسة.
فيا ترى من الذي يتحمّل مسؤولية التطوير الإداري، وإدارة التنظير، هل المؤسسات الحكومية أم القطاع الخاص، أم يجب إنشاء إدارة لذلك، بكل تأكيد الجواب بسيط وهو البدء بكل واحد من نفسه، وبالجامعات التي يجب أن تربط العلم بالعمل، وبتفعيل كل مؤسسة لكل مديرية موجودة بها دون استثناء، وأن يدرك الإعلام أنّه ليس سلطةً رابعة للمحاكمة والتشهير والمديح، فلدينا السلطات القضائية والرقابية والتفتيشية مهمتها الأساسية متابعة الأخطاء وتصويبها ومعاقبة هذا وذاك، وإحالة هذا للقضاء والحكم عليه، أما الإعلام فيجب أن يدرك بدقّة أن مسؤوليته هي صلة الوصل بين الحكومة التي تعمل على إدارة موارد الوطن، وأبناء الوطن، وأن تدرك الحكومة أنّ وظيفتها هي خدمة المواطن والوطن بآنٍ معاً، وأن يدرك المواطن دوره في الانطلاق من رؤية الحكومة للمساهمة ببناء الوطن، فدور الإعلام الوطني ليس الشتم والسباب بل تسليط الضوء على النظريات وإمكانية تطبيقها على أرض الواقع، وإظهار سلبياتها وإيجابياتها، لمحاولة البحث عن الإجابة الشافية التي تساهم في توفير الإطار النظري الحقيقي، بما ينسجم مع التطبيق العملي، وإيصال النظرية للمواطن من أجل معرفة الخطط الأساسية والاعتماد على التفكير السليم المنطقي بعيداً عن النقد الهدام، والشائعات المغرضة، سواءً كانت مبالغةً في المديح والإطراء، أو الهادفة للشتم والحقد والعداء، وأن يكون المواطن والحكومة كل يعرف رؤية الآخر لا أن يكون هناك تباعد وفجوات.  
إننا أحوج ما نكون للابتعاد عن التنظير الورقي، والعمل بالنظرية القابلة للتطبيق على أرض الواقع، وأن ندرس أفكارنا جيّداً قبل إطلاقها، وأن نؤمن بالعمل الجماعي والنقاش والتشاور مع الآخرين ضمن الاختصاص وضمن نطاق العمل، لئلا نكون عبئاً على وطننا وعالةً عليه.