هل أعلن ترامب وفاة المعارضة السورية ؟.. بقلم: عبد الباري عطوان

هل أعلن ترامب وفاة المعارضة السورية ؟.. بقلم: عبد الباري عطوان

تحليل وآراء

الجمعة، ٢١ يوليو ٢٠١٧

أعلنت الإدارة الأمريكيّة رسميًا أمس تخلّيها عن المُعارضة السوريّة بشقيها السياسي والمُسلّح، عندما قرّرت إغلاق البرنامج السرّي لوكالة المخابرات المركزية (سي أي ايه) لتسليح هذه المعارضة ودعمها، ممّا يعني تسليم سورية، أو الجزء الأكبر منها للروس، والرّضوخ لسياساتهم وبرامجهم، والتسليم نهائيًا ببقاء الرئيس بشار الأسد وحُكومته، ولو إلى حين.
ست سنوات ووكالة المُخابرات المركزية تُدّرب فصائل سورية وتسلحها، في قواعد بالأردن، في تركيا، حتى داخل سورية، وتضخ مئات الملايين من الدولارات، وأطنانًا من الأسلحة والذخائر، ولكن دون أن تنجح في تحقيق الهدف المُعلن، وهو إطاحة النظام السوري.
هذا القرار لم يكن مُفاجئًا في ظل تغيير أولويات السياسية الأمريكية، والتفاهمات الروسية الأمريكية بعد مجيء إدارة ترامب إلى السلطة، وفشل المُعارضة المُسلّحة في إسقاط النظام، وبُروز جماعات إسلامية مُتطرّفة مثل “الدولة الإسلامية” (داعش) وحركة تحرير الشام (النصرة)، أضفت طابعًا “إرهابيًا” على هذه المُعارضة، وبما يَصب في التوصيفات المبكرة للسلطات السورية.
حركة الانشقاقات المُتتالية في صُفوف المُعارضة المُعتدلة، أو بالأحرى غير المُصنّفة إرهابيًا، تعكس هذا التراجع الأمريكي، مثلما تعكس انفضاض الدّول العربية الداعمة عنها، مثل المملكة العربية السعودية وقطر لانشغالهما بخلافاتها المُتفاقمة، وانهيار المشروع التركي في سورية، ونُهوض المشروع الكُردي المَدعوم أمريكيًا في المُقابل.
***
اليوم الخميس أعلنت حركة نور الدين زنكي، المُكوّن الأبرز والأقوى في هيئة تحرير الشام (النّصرة سابقًا)، انفصالها عن الهيئة بعد حوالي ستة أشهر من انضمامها إليها، إلى جانب فصائل أخرى، وبرّرت هذا الانفصال في بيانٍ رسمي بأنه “يعود إلى عدم تحكيم الشريعة الذي تجلّى في تجاوز لجنة الفتوى في الهيئة، وإصدار بيان باسم المجلس الشرعي دون علم أغلب أعضائه، وعدم قُبول المُبادرة التي أطلقها العُلماء الأفاضل يوم أمس، وتجاوز مجلس الشورى، واتخاذ قرار بقِتال أحرار الشّام على الرّغم من أن تشكيل الهيئة بُني على أساس عدم البغي”.
هذا الانشقاق من قِبل حركة نور الدين زنكي الذي يَبلغ تعداد مُقاتليها ثمانية آلاف يُشكّل ضربة قاضية لهيئة أحرار الشام (النصرة)، وقد يكون مُقدّمة لانشقاقات أُخرى، في ظل اشتداد المُواجهات الدّموية، بين النصرة وحركة أحرار الشّام، ولا ننسى التذكير بإقدام “جيش الإسلام” في الغوطة الشرقية على حل نفسه والاندماج في فصائل أُخرى.
إدارة الرئيس ترامب تخلّت عن المُعارضة السورية وتركتها تُواجه مصيرها، مثلما فعلت مع المُجاهدين الأفغان، والفيتناميين الجنوبيين، وقوّات الصحوات في العراق، لعدّة أسباب:

    الأول: أنها بدأت تُراهن على المُقاتلين الأكراد، ووحدات حِماية الشّعب، وجيش سورية الدّيمقراطية، باعتبارهم حُلفاءها الجُدد في سوريّة والمنطقة الذين يُمكن الوثوق بهم.

    الثّاني: إقامتها عشر قواعد عسكرية أمريكية في شمال سوريّة، تحتوي على مطارات وطائرات حربية وصواريخ ودبابات أي أنّها باتت تعتمد على قوّاتها.
    الثالث: تبلور قناعة أمريكية أوروبية بأنّه لا يُمكن إطاحة نظام الرئيس الأسد في ظِل الوجود الروسي، ولعدم وجود بديلٍ شرعي، مثلما قال إيمانويل ماكرون، رئيس فرنسا، قبل أيام، وتأكيد ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الأمريكي، أن مصير الأسد في يد الشعب السّوري.
    الرّابع: انشغال أنصار المُعارضة السّورية في الخليج في خلافاتهم الدّاخلية (السعودية الإمارات في مُواجهة قطر) والحرب في اليمن، وتصعيد التوتّر مع إيران.

***

الولايات المتحدة رَكبت موجة مطالب الشعب السوري العادلة في الديمقراطية والحُريّات، وأوعزت لوكالة المُخابرات المركزية وحلفاءها في الخليج لتسليح المُعارضة السّورية للثأر من الحُكم السّوري، مثلما فعلت في ليبيا واليمن والعراق، وزعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط، وإغراقها في حُروب طائفية وعرقية تحت شعارات زائفة، وعندما فشلت في الحلقة الأخيرة من هذا المُخطّط في سورية (حتى الآن)، قرّرت نفض يديها من هذه المُعارضة.
كل من راهن، ويُراهن، على الولايات المتحدة وحُلفائها (عدا إسرائيل) واجه الهزائم والانكسارات والنهايات المأساوية، وكان من الطّبيعي أن لا تكون المُعارضة السّورية استثناء، ولا نُريد الخَوض في أسبابٍ أُخرى عديدة لا تتّسع هذه المساحة لسَردها.
حتى دولة الاحتلال الإسرائيلي ستُواجه المصير نفسه، والمسألة مسألة وقت لا أكثر ولا أقل، وحالة الرّعب التي تعيشها حاليًا بسبب عَودة ثقافة المُقاومة بقوّة، وتضخم تأثير وفاعلية حالتي الرّدع والتّهديد الصاروخي، وتراجع قوّة ونُفوذ ما يُسمّى “حِلف الاعتدال” العربي، وعَودة التوازن إلى مُعادلات القوّة في سَقف العالم، إلا أحد المُؤشّرات الهامّة في هذا الصّدد.
الشّعب السّوري الكريم هو الذي دَفع ويَدفع ثمن هذه الخدعة الكُبرى من دمه وأمنه، واستقراره، وخيرة أبنائه، والوحدتين الجغرافية والديمغرافية لبلاده، لأنه صدّق الكِذبة الأمريكية العربية الكُبرى، وهذا لا يعني أن مطالبه في الحُريّة والعدالة والديمقراطية والمُساواة لم تكن مشروعة، ولا بد من مُواصلة النّضال من أجل تحقيقها.
لا نعتقد أن أخبار الهيئة العُليا للمُفاوضات (مقرها الرّياض)، والائتلاف الوطني (مقرّه إسطنبول)، وتصريحات قيادييهم، ورحلاتهم المَكوكية إلى مؤتمر جنيف، وحتى الخلافات فيما بينهم ستُتابع بالزّخم نفسه في الأسابيع والأشهر المُقبلة، مثلما لن نُفاجأ إذا ما أقدمت الدّول المُضيفة إلى السّير على الطّريق الأمريكي نفسه، أي نفض اليد كُليًّا من هذه المُعارضة، هذه هي الحقيقة التي لا يُريد الاعتراف بها الكثير من السّوريين.