خفايا خطة الجولاني لإنهاء ميليشيا «حركة أحرار الشام الإسلامية»

خفايا خطة الجولاني لإنهاء ميليشيا «حركة أحرار الشام الإسلامية»

تحليل وآراء

الخميس، ٢٠ يوليو ٢٠١٧

 عبدالله علي
أصبح الفصل الأخير من فصول «الفتنة الجهادية» الذي طال انتظاره، أمراً واقعاً، وارتفع صوت المصالح فوق أصوات المنهج والأخوة وجلابيب الدين المستعارة، وكان رفع قطعة قماش تمثل «علم الانتداب» كافياً لاتخاذه ذريعة لإشعال حريق الاقتتال بين «حركة أحرار الشام الإسلامية» و«هيئة تحرير الشام»، واجهة جبهة النصرة، بعد أن كان هذان الفصيلان حتى الأمس القريب ركنين أساسيين في أي تحالف عسكري يواجه الجيش السوري.
الحرب المتوقعة التي طالما نجحت المصالح المتقاطعة بين الفصيلين المنخرطين فيها، وتوجيهات وأوامر الدول الداعمة لهما بتأجيلها ومنع نشوبها، استعرت نارها أخيراً منطلقة من بلدة صغيرة شرق سراقب لتنتشر بسرعة كبيرة وتتسع رقعتها شاملة أغلب مدن وبلدات ومناطق محافظة إدلب التي لسوء حظها تحولت في السنوات الماضية إلى أكبر مجمع لقوى «الجهاد العالمي» الموسوم بالإرهاب محلياً وإقليمياً ودولياً.
لكنّ هذه المعركة التي تدور رحاها في كل مكان من إدلب تقريباً ليست مجرد مناطحةٍ بين رؤوس «الجهاد» بهدف الهيمنة وفرض النفوذ، بل لها تقاطعاتها وامتداداتها مع مجمل التطورات السياسية والعسكرية التي يشهدها الميدان السوري وعلى رأس هذه التطورات موضوع مناطق خفض التصعيد الذي اكتسب لأول مرة غطاءً روسياً أميركياً مشتركاً، ورغبات تركية غير خافية بالقيام بعمل عسكري في الداخل السوري بدأت بوادره بالظهور في منطقة عفرين الواقعة تحت سيطرة «قوات سورية الديمقراطية» المدعومة أميركياً، وكذلك انهزام تنظيم «داعش» وما خلفه من ظاهرة هروب عدد كبير من قادته وعناصره في ظل مصلحة لبعض الفصائل باستقطاب هؤلاء إلى صفها.
ولعلّ هذه العوامل هي التي سرّعت اندلاع شرارة القتال النهائي بين «أحرار الشام» و«هيئة تحرير الشام» وسط جهود تبذلها عدة جهات داخلية وخارجية ترمي إلى تجيير نتائج هذا الاقتتال لما يخدم مصلحتها ويضد مصلحة خصومها الآخرين. وقد تكون القراءة السياسية التي قام بها أبو محمد الجولاني، القائد العسكري العام لـ«هيئة تحرير الشام» والمهيمن الفعلي عليها، لمجمل هذه التطورات والعوامل هي التي دفعته إلى اتخاذ قرار حاسم ونهائي بضرورة «إنهاء أحرار الشام» كما قال لـ«الوطن» مصدر جهادي مقرب من قيادة «جبهة النصرة». وكانت «الوطن» أشارت إلى تبني الجولاني لهذا القرار في تقرير نشرته يوم الأحد الماضي، لكن الجديد هو أن الجولاني وضع طريقتين لإنهاء حركة أحرار الشام: الأولى هي هزيمتها عسكرياً والاستمرار في قتالها حتى تفكيكها بالكامل ومسحها من الوجود ككيان وتنظيم. والثانية هي «كسر شوكتها» عبر إلحاق هزائم إستراتيجية بها ومن ثم إيجاد صيغة لإلحاقها بـ«هيئة تحرير الشام» ولو تطلب الأمر تعيين قائدها الحالي أبو عمار العمر في منصب القائد العام للكيان الجديد، وهي صيغة ما زالت مطروحة ويجري العمل عليها حتى الآن وفق المصدر السابق.
غير أن عقبة غير متوقعة اعترضت خطة الجولاني وجعلت تنفيذها أصعب وتحتاج إلى وقت أطول، وهي أن «حركة أحرار الشام» خاصةً بعد «بروفا سراقب» في تل طوقان، كانت قد اتخذت استعداداتها الكاملة للمواجهة العسكرية، بل إن الحركة في بعض المناطق أخذت زمام المبادرة وسارعت إلى الهجوم في خطوة لم تكن الخطة الموضوعة من قبل الجولاني قد وضعتها في حسبانها. وفوجئت «هيئة تحرير الشام» باستعداد «حركة أحرار الشام» التي سارعت إلى « تقطيع كل الطرق في كل المناطق (إدلب – سراقب – البادية – الدانا – أرمناز – عزمارين – سرمدا).. الخ، وبدأت هجمة منسقة منظمة بان فيها غدر الأحرار ونقضهم للعهود حيث هاجموا الدانا وسرمدا خاصة، بلا أي سابق إنذار بالأسلحة المتوسطة والقذائف والمضادات، واستولوا على حواجز الهيئة في تل الكرامة والدانا وسرمدا وغيرها، وقُتل عدد من الإخوة، بعضهم تم خطفه من بيته وتصفيته وجُرح وأُسر آخرون» حسب ما كتب الزبير الغزي أحد قيادات «هيئة تحرير الشام» على حسابه في موقع «تلغرام». واستخلص الغزّي أن «أحرار الشام تسعى من خلال ذلك إلى تحفيز الأتراك للتدخل في الشمال السوري وخاصة بعد البرود الذي شاب الموقف التركي تجاه التدخل وفشل مؤامرات استانا وجنيف».
لكن هذه المفاجأة، رغم تأثيراتها في توقيتات الأعمال العسكرية وإمكان تأخير الحسم، لم تدفع الجولاني وقيادته العسكرية إلى التراجع عن قرار إنهاء الأحرار، لأن «الأمر قد قضي» وفق ما قال لـ»الوطن» مصدر إعلامي مقرب من «جبهة النصرة»، ولكن ما قد يستجد هو أن تكتفي «الهيئة» بعزل «أحرار الشام» ضمن مناطق معينة وإبعادهم عن الحدود التركية، والمناطق المرشحة لهذا العزل هي جبل الزاوية وسهل الغاب. ولم يستبعد ناشطون تحدثت إليهم «الوطن» أن يكون هدف «الهيئة» هو تسليم معبر باب الهوى إلى «فيلق الشام» باعتباره فصيلاً مقبولا من جميع الداعمين.
الوطن