العراق وفرصة عرسال الأخيرة.. بقلم: إيهاب زكي

العراق وفرصة عرسال الأخيرة.. بقلم: إيهاب زكي

تحليل وآراء

الخميس، ١٣ يوليو ٢٠١٧

 "هذه المرة الأخيرة التي سأتحدث فيها عن موضوع عرسال"، إنّ كلمات السيد نصرالله هذه نازلةٌ قارعة، ولكن تقابلها عقدةٌ مستعصية يستحيل حلها، وهي الخواء الذهني والقصور العقلي لمن توجهت إليهم محليًا وإقليميًا، فالمعنيّ المباشر بالأمر وهم إرهابيو الجرود، يعانون من احتناكٍ مركب يحجب العقل-إن وجد-كليًا، لجام التبعية ولجام المذهبية، وأما الداعم الإقليمي فهو أيضًا يعاني من احتناكٍ أشد تعقيدًا، لجام التبعية ولجام الفشل الدائم ولجام الرعونة، وكل هذا الاحتناك يؤدي إلى الجهل، والجهل بطبيعته مانعٌ للتمييز، فمن يجهل الخطر سيقع فيه لا محالة، والحقيقة أني سأكون شديد التفاجؤ والدهشة إن غادر المسلحون عرسال وجرودها دون معركة، وعبر اتفاق يؤمّن لهم فرصة حياة، فحين أضاء السيد نصرالله على بعضٍ من أسباب نصر الموصل، كان الاعتماد على الذات وعدم الاستماع للخارج تثبيطًا أو نصيحةً أحدها، وهذا البند يحمل رسالتين، أحدها للإرهابيين أنفسهم والثانية لبعض الأفرقاء اللبنانيين، فحواها أنّ التعويل على الخارج لم يعد حاجزًا بينكم وبين الهزيمة.

قال السيد نصرالله إنّ الوقت يضيق والفرص تتضاءل، ويبدو من ظاهر الحديث أنه كانت تجري محاولات لإخلاء المسلحين عبر وسيطٍ إقليمي، ليكفي الله المؤمنين شر القتال، وليس مستبعدًا أن تكون قطر هي ذلك الوسيط، وحاولت المتاجرة بالمسلحين كأحد أوراقها في أزمتها مع السعودية، ولكن يبدو أيضًا أنها طلبت مقابلًا لا تتيحه حقائق الميدان، أو أنّ السعودية وقطر بصفتهما كيانين وظيفيين حاولتا ابتزاز لبنان بما لا يُطاق، وأيًا كانت الحقيقة فالسيد نصرالله كرر الموقف القاطع في الخطاب الشهير بعد خطف الجنديين "الإسرائيليين" إبّان عدوان تموز، حين حدد شروط عودة الجنديين إلى"الديار"، تفاوض غير مباشر وتبادل، وكذلك اليوم كان قاطعًا في تحديد الشروط، الخروج مقابل تأمين الوصول للوجهة أو الموت والجرح والأسر، ولكن أخطر ما في التعويل على الخارج هو مذهبة المعركة في بلدٍ كلبنان، لذلك تحدث السيد نصرالله عن وقوف المرجعية السنية في العراق مع الجيش والحشد، وهو ما ساهم في نزع الصفة المذهبية، التي حاولت الولايات المتحدة وأدواتها صبغتها بها، وهي دعوة صريحة للمرجعية السنية في لبنان لأن تكون في الخندق المستقيم.

تساءل السيد نصرالله بحنكة العارف عن الأسباب التي دفعت الأب الشرعي لداعش، وهي الولايات المتحدة بالمساهمة بخنقه حين بدا أنّه يحتضر، فالولايات المتحدة القوة العظمى الأولى عالميًا، كانت تبشر المنطقة بحاجتها لثلاثين سنة للقضاء على داعش، وهذا ما قاله رأس السلطة فيها باراك أوباما، وتبدو الإجابة في التساؤل ذاته، فأمريكا التي صنعت داعش وجدت أنه منتج لا يفي بالحاجة، بعد أن اصطدم وجوده بإرادة حقيقية للقضاء عليه، وبذلت جهودًا قصوى لعرقلة الإرادة العراقية حد وصول الأمر لقصف قوات الحشد واستهداف المدنيين جوًا والتأخير المتعمد في تسليم شحنات السلاح للجيش العراقي، فكانت سرقة النصر العراقي هي الخيار الأمريكي الأمثل، ويتكفل الإعلام النفطي بمنحه وسام النصر، حيث دأب ذلك الإعلام منذ ما قبل التحرير إلى تجيير النصر لصالح قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، ومن زاوية مذهبية مقيتة كعادته يحاول التصويب على المجهود الإيراني المساهم بصناعة الانتصار، وشيطنة الحشد الشعبي من خلال مقارنته بداعش، وأنّ أهل الموصل استبدلوا داعش السنة بداعش الشيعة، فتقول مثلًا قناة العربية "أنّ إيران تحاول سرقة فرحة العراقيين بالنصر، من خلال تجييره لنفسها عبر الحشد"، ولا أعرف لماذا تسمح أمريكا التي حررت الموصل-حسب إعلام النفط- لإيران بسرقة النصر، ولماذا لم تحافظ عليه وتمنحه للعراقيين.

يبدو إعلام النفط وهو يدأب على شيطنة إيران، لا يلتفت إلى أنّه يجعل من رئيس الولايات المتحدة مجرد خادم صغير لدى القائد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، فالولايات المتحدة حررت الموصل وسلمتها لإيران، وكانت من قبل قد أطاحت بحكم صدام حسين واحتلت العراق ثم سلمته لإيران، واحتلت أفغانستان واطاحت بحكم طالبان عدو إيران اللدود لصالح إيران، ودائمًا حسب إعلام النفط، وبعيدًا عن الهراء الذي يتغذى عليه إعلام النفط ويغذي به جماهيره، فإنّ اكتمال النصر العراقي يحتاج للقضاء التام على داعش ماديًا ومعنويًا، كما يحتاج للتخلص من الوجود الامريكي والسلاح الأمريكي، ويحتاج أيضًا وهو الأهم أنّ يظل النصر عراقيًا جامعًا لا نصرًا مذهبيًا، فتجيير النصر مذهبيًا سيكون بمثابة إكسير الحياة الذي يمده العراق لداعش مجددًا، وهو حصان طروادة الذي ستختبئ داخله "إسرائيل"، فالعراق المنتصر هو عراق العراقيين، وعراق العراقيين هو من سيجعل من معركة عرسال معركة وطنية لا معركة طوائف ومذاهب.
بيروت برس