خديوي السعودية الأول.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

خديوي السعودية الأول.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الخميس، ٢٩ يونيو ٢٠١٧

إذا اعتبرنا، وفي الأمر ما يدعو إليه، أن لقاء الرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفلت (1933- 1945) بالملك السعودي المؤسس عبد العزيز الـسعود (1932- 1954) على متن الباخرة كوينسي في شباط من العام 1945 كان هو الأهم على مدى سبعة عقود منصرمة، فقد أرسى عبر معادلة بسيطة خلص إليها الطرفان وتقوم على بيع النفط في مقابل حماية النظام، علاقة صلبة كتب لها الديمومة والاستمرار، فإنه من الممكن أيضاً اعتبار أن لقاء ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان (أضحى في 21 حزيران وليا للعهد) مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض في 14 آذار الماضي معلما أو مفرقا هاما على مسار العلاقة مابين البلدين، وقد تكشف الأيام المقبلة أن هذا اللقاء الأخير هو الذي بات يمثل الذروة العليا، الحاكمة للعلاقة السعودية الأميركية بعدما استطاع تجاوز شقيقه، لقاء روزفلت عبد العزيز.
نشرت وكالة «آسيا نيوز» في التاسع عشر من الشهر الجاري وثيقة قالت إنها حصلت عليها من مصدر قطري رفيع المستوى وهي تتضمن محورين رئيسيين الأول: رزمة من التعهدات التي قدمها ابن سلمان إلى ترامب في مقابل ضمان هذا الأخير لانتقال هادئ وسلس للسلطة في الرياض، إضافة إلى تحويل «جاستا» السعودي إلى «جاستا» قطري، ومجرد تسرب الوثيقة يطرح إشكالية الوجهة التي جاء منها، ولربما كان الأداء السياسي الأميركي المتذبذب تجاه الحدث «الأزمة الخليجية القطرية» يمثل حلا سحريا لتلك الإشكالية على الرغم من خطورة الوثيقة التي تبدو حقيقية على الأرجح، فالرياض لم تسارع إلى نفيها ناهيك عن أن الاتفاقات السرية كثيراً ما يفضحها تواتر الأحداث، وما يدور في الغرف المغلقة كثيراً ما تشير إليه السياقات الحاصلة في الخارج.
يتعهد ابن سلمان بحسب الوثيقة، بتقديم دعم مطلق لبرنامج ترامب الانتخابي، وهو عنوان عريض لعقد عشرات الصفقات بمئات المليارات من الدولارات، كما يتعهد بزيادة الأصول السعودية في الولايات المتحدة لتصل إلى ألفي مليار دولار في خلال السنوات الأربع المقبلة، وكذلك بإنشاء صندوق تمويل خليجي هدفه تطوير البنية التحتية الأميركية ولربما كان كل ما سبق طبيعي أو هو لا يخرج عن سياق فرانكلين روزفلت، أما الأرقام الفلكية فقد فرضتها الظروف وحجم التحديات المطروحة في حين أن «النقلة» التي استدعت توصيف لقاء ابن سلمان ترامب، بالذروة الحاكمة للعلاقة مابين البلدين، فهي تتجلى بفقرة بدت وكأنها هامشية في الوثيقة لكنها تتكلم عن الآليات التي ستتبعها الرياض للإيفاء بالذرا المالية التي تفوق بالتأكيد قدرات المملكة إن لم تكن تفوقها بأضعاف عدة، يقول الحل السحري ببيع أملاك الدولة (السعودية) بأصولها الكاملة لتصبح الخدمات المجانية المقدمة للمواطن، تقدم عبر شركات خاصة تجني فواتيرها من الناس، وبغض النظر عن التداعيات المرتقبة لأمر كهذا على النسيج المجتمعي السعودي، فهذا التعهد يفوق حالة وضع اليد الأميركية على الثروات السعودية المعمول به سابقا، لتصل الحالة مع ابن سلمان إلى بيع البلاد، بأصولها ومؤسساتها أو تحويلها كلها إلى سندات خزينة تثقل كاهل المملكة، وهي تمثل في الآن ذاته حصان طروادة أميركياً لاقتحام العمق السعودي والمضي قدما في إنجاز ما يخطط للسعودية الذي يدرك الـسعوديين أدق تفاصيله بالتأكيد، لكن العين بصيرة واليد قصيرة فإن تثقل الخزينة بما لا طاقة لموارد البلاد على سداده، فتلك حالة أهون من انهيار العرش السعودي الذي يضمنه هبوب النسائم الأولى من إعصار «جاستا» القادم من وراء الأطلسي أليس كذلك؟ إلا أن تلك الحالة الأخيرة، أي إثقال الخزينة بما يفوق قدرتها على السداد، كانت على الدوام مقدمة لوضع يد الخارج على مقدرات واقتصاد البلاد، ولربما كانت التجربة الأشهر في هذا السياق هي تجربة الخديوي إسماعيل في مصر (1863- 1879) التي أدخلت هذي الأخيرة في دوامة الهيمنة البريطانية التي لم تنته إلا بإعلان الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس العام 1956.
عهد ابن سلمان الذي يتوقع له أن يحل قريبا، سيكون عهد الخديوي السعودي الأول.