في مرحلة ما بعد داعش ...كيف تتجه أميركا؟ وكيف تواجه؟.. بقلم: أمين حطيط

في مرحلة ما بعد داعش ...كيف تتجه أميركا؟ وكيف تواجه؟.. بقلم: أمين حطيط

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٠ يونيو ٢٠١٧

 لم نكن نشك يوما بان داعش التي صنعتها اميركا كانت ولا زالت اداتها العدوانية للعودة للعراق وللدخول الى سورية، فداعش لم تكن أكثر من معبر وجسر عودة الى العراق الذي استحال على اميركا البقاء فيه إثر احتلالها له بسبب المقاومة العراقية كما انها عجزت عن تضمين الاتفاقية الأمنية معه نصوصا تمكنها من الاحتفاظ بوجود عسكري طويل الأمد يمكنها من امتلاك القرار في الدولة، فكان رفض الحكومة العراقية حاسما واضطرت اميركا للخروج من غير تحقيق مطلبها. اما في سورية فقد سدت الأبواب أصلا بوجه اميركا ولم تستجب قيادتها في العام 2003 للمطالب الأميركية التي حملها الى دمشق والتي ارفقت بتهديد واضح لم ترضخ له سورية.

و استمر الهدف الأميركي بالسيطرة على العراق و سورية قائما لم يتغير ، هدف كان من اجله الحريق العربي الذي قيل فيه الكثير و الذي ادعى الحمقى و الاغبياء ممن ساروا في دخانه ، ان اميركا تدعمهم في ثورات شعبية من اجل الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية الى اخر المقولات التي استند اليها لتبرير العدوان على سورية و تحويله الى حرب كونية ضدها استهدفت كل شيء فيها بشرا و شجرا و حجرا ، حرب قادتها اميركا و لا تزال تتابع العدوان وفقا لخطط متتالية استعملت فيها جهات إقليمية متعددة و كانت تخرج خطة عدوان جديدة في كل مرة تفشل في خطة عدوان سابقة . وفي هذا السياق كانت الخطة التي أوكلت للتنظيم الإرهابي "داعش" الخطة التي عولت عليها اميركا للعودة والاحتلال.

لقد استثمرت اميركا " اجتياح داعش الأسطوري" لنصف العراق وثلث سورية، لتتخذه ذريعة للعودة الى العراق والدخول الى سورية. فشكلت تحالفا دوليا "عسكريا جويا "بقيادتها ادعت انه لقتال "داعش"، تحالف شكل خارج قواعد القانون الدولي ومن غير تكليف من مجلس الامن، فإذا كانت اميركا قادرة على تبرير وجودها في السماء العراقية بالاستناد الى اتفاقية الإطار الاستراتيجي والدفاع المشترك مع العراق فأنها في سورية لا تملك أي مبرر وليس بيدها أي ذريعة تستند اليها قانونا للتدخل في السماء السورية والتحرك على الأرض السورية. ما يجعل وجود قواتها في سورية وجودا غير مشروع وتحركها ضد اهداف في سورية انما هو تحرك عدواني بكل ما في الكلمة من معنى.

ثم ان اميركا لم تكتف باقتحام المجال السوري و انتهاك السيادة السورية – بذريعة محاربة داعش صنيعتها- بل انها و بكل فجور ووقاحة استهدفت اكثر من مرة وحدات من الجيش العربي السوري خدمة للتنظيم الإرهابي هذا و لم يسلم من نار عدوانها المدنيون السوريون حتى ان ضحايا قصفها للمدن و القرى تخطى حتى الان الالاف من السوريين العزل الذين دمرت اميركا عليهم بيوتهم من غير أي مبرر ، مرتكبة بحقهم جرائم حرب خلافا لكل قواعد القانون الدولي و المواثيق و المعاهدات الدولية ، و الافظع من جرائمها كان سكوت المجتمع الدولي و في طليعته مجلس الامن الذي لم يحرك حتى الان ساكنا ضد هذا السلوك الأميركي الاجرامي .

واليوم ومع اقتراب الجيش العربي السوري من خط النهاية في محاربة داعش وتطهير الأرض السورية من الإرهاب، بدأت اميركا تتحرك لتفصح أكثر عن حقيقة مشروعها وطبيعة أهدافها الأساسية من عدوانها على سورية بعد العراق، وبدأت في سلوكها تظهر وضوحا وصراحة بانها الان باتت على اعتاب مرحلة جديدة هي "مرحلة ما بعد داعش" وما بعد الاستثمار بالإرهاب الذي استهدف العراق وسورية فما ي معالم هذه المرحلة وماذا تريد اميركا بعد سقوط داعش؟

قبل ستة اشهر من الان و في الأيام الأخيرة لولاية أوباما و من غير مناسبة خرج مسؤول أميركي في البنتاغون يقول بان اميركا تخطط للبقاء عسكريا في العراق حتى و لو انتهت داعش ، و كان تصريحه يومها صاعقا لم يتقبله العراقيون ، و بعد المناقشة اكد الاميركيون بانهم بصدد مراجعة اتفاقية الاطار الاستراتيجي بما يتيح لهم البقاء في 5 قواعد عسكرية كبرى في العراق تتسع لأكثر من 50 الف عسكري ، (يوجد منهم الان 8 الاف) ، و لان الحكومة العراقية كانت منشغلة في تحرير الموصل من داعش - و لا زالت- فأنها لم تناقش كثيرا في الموقف الأميركي و اكتفت بالمواقف السياسية من بعض المسؤولين و كان الموقف الاصلب هو ما قالت به قيادة الحشد

الشعبي رفضا للرغبة الأميركية ،و رغم ذلك فان اميركا شرعت في تطوير مراكزها العسكرية في العراق لتحويلها الى القواعد لتي تخطط للقاء فيها .

اما في سورية فقد دخلت اميركا من بوابة "قسد" (قوات سورية الديمقراطية) وامدتها بما هو ممكن لها استعماله من سلاح وذخائر ودعم ناري من اجل التوسع والسيطرة على أكبر مساحة من الأرض السورية بعد "طرد داعش منها " (الحقيقة كانت تجري عمليات تسلم وتسليم بين الطرفين وكلاهما يعملان بالقرار الأميركي)، ورغم ان هذا الدعم – دعم الاكراد-كان يغيظ تركيا شريكة اميركا في الحلف الأطلسي وشريكتها في العدوان على سورية، فان اميركا لن تأبه للرفض التركي فمصالحها تتقدم على الاخر أي يكن هذا الاخر. وقد شرعت اميركا وتحت عنوان تدريب "قسد" وتجهيزه ببناء معسكرات وقواعد عسكرية لها في المنطقة التي يسيطر عليها الاكراد، وبلغت هذا القواعد حتى الان خمس، وهي اليوم بصدد انشاء السادسة التي يمكن ان تكون الأخطر والاكبر والأهم، وفي قاعدة الطبقة على سد الفرات، حيث وردت تسريبات تظهر ان اميركا شرعت بإقامة الأبنية لجنودها هناك على مساحة تتعدى ال 10 كل م2.

وتتابع اميركا العمل بخطة إقامة القواعد العسكرية غير الشرعية منتهكة السيادة السورية، حيت تظهر قاعدة التنف في الترتيب بمثابة القاعدة السابعة، وهي أيضا من القواعد المهمة والفاعلة، خاصة بعد ان عززت اميركا ال 400 عسكري الذين كانوا فيها منذ 6 أشهر عززتهم ب 3 منصات صواريخ هيمارسHimars المحمولة على شاحنات خاصة، وذات قدرات نارية هامة من خلال الصواريخ التي تطلقها بعيار 227ملم ولمدى يتجاوز ال 90 كلم.

ان سلوك اميركا في سورية مؤخرا يكشف خططتها ونيتها بالبقاء في سورية بعد انتهاء داعش وتصفيتها خلافا لما ادعى البنتاغون مؤخرا بان اميركا غير معنية بمواجهة مع الجيش العربي السوري ولا تنوي الاحتفاظ باي ارض سورية، فلماذا هذا التناقض في الإعلان والسلوك وما الذي تبتغيه من هذا الوجود؟

لقد فشلت اميركا في اسقاط سورية، وفشلت حتى الان في فرض تقسيمها، وتمكن معسكر الدفاع عن سورية من افشال كافة الخطط العدوانية الأميركية منذ العام 2011، والان:

- هل تريد اميركا بالقواعد العسكرية التي تقيمها الان التعويض عن فشلها وان تمسك في الميدان ما تستند اليه لإطالة امد الصراع وتوسيع عملياتها كما يخطط مجلس الامن القومي الأميركي مع البيت الأبيض؟

- ام انها تريد اتخاذها مرتكزات لتنفيذ احتلال متدرج؟

- او تتخذها وسائل لرسم مناطق نفوذ في سورية والعراق للهيمنة عليهما؟

- ام انها تطمح لامتلاك أوراق ضغط لتستعملها في التفاوض حول مستقبل سورية، ما يمكنها من الحصول على مكاسب في السياسة عجزت عن فرضها في الميدان؟

قد يكون بعض او كل ما ذكرنا هو الدافع الذي حمل اميركا على إقامة قواعد عسكرية غير شرعية على الأرض السورية، وهو امر تراقبه سورية وحلفاؤها ولا يقرون به. ولقد كان واضحا جدا وزير الخارجية الروسي لافروف عندما نزع عن التصرف الأميركي في التنف بإدخال الصواريخ، نزع اي شرعية او اي مبرر، في رسالة أولية مفادها ان السلوك الأميركي غير مقبول، وان من حق أصحاب السيادة على الأرض ان يواجهوه.

اما سورية التي تنشغل الان في محاربة داعش و من تبقى من فصائل الإرهاب التي لم تنخرط في اتفاق وقف التصعيد ، فأنها تعرف كيف تواجه العدوان ، و اذا ظنت اميركا ان بقواعدها العسكرية العدوانية تستطيع ان تقيم درعا عسكريا ناريا يعوضها عن الفشل في إقامة المنطقة الفاصلة بين مكونات محور المقاومة ، فأنها ستكون مخطئة ، لان محور المقاومة الذين احترف المواجهة و النجاح قادر على اسقاط خطة القواعد العسكرية الأميركية و الحاقها بما سبقها وإذا كانت السياسة والقانون الدولي غير كافيان فسيكون الرد الشافي في الميدان.

ان المواجهة مع خطة القواعد ستكون ذات طبيعة مختلفة ففي السابق كانت اميركا تقاتل بدماء ومال ادواتها اما هنا فالمواجهة فستكون مباشرة معها، وهذا ما يخيف وزير الدفاع الأميركي الذي يعترض على سعي مسؤولين في مجلس الامن القومي والبيت الأبيض في خطة القواعد وتوسيع العمليات في سورية وجنوبها.