الأميركي الغاضب.. بقلم: هشام ملحم

الأميركي الغاضب.. بقلم: هشام ملحم

تحليل وآراء

السبت، ١٧ يونيو ٢٠١٧

الهجوم المسلح الذي تعرض له عدد من المشرعين الجمهوريين ومساعديهم الاربعاء خلال تحضيرهم لمباراة لعبة البيسبول، في احدى ضواحي واشنطن قبل ايام ، وادى الى جرح خمسة من بينهم النائب ستيف سكاليس، المسؤول الجمهوري الثالث في الكونغرس ،الذي اصيب بجراح خطيرة، كان تعبيراً دموياً عن عمق الاستقطابات السياسية والثقافية والاجتماعية في البلاد، وعكس شراسة الخطاب السياسي، وخشونة الحياة العامة، وهيمنة “سياسات الهوية” Identity politics أو الولاءات الضيقة. المسلح الذي قتلته الشرطة، اسمه جيمس هودجكينسون، أبيض، عمره 66 سنة، وعاطل من العمل، جاء الى واشنطن من جنوب ولاية الينوي في وسط البلاد، مدفوعا بغضب شديد ضد الرئيس ترامب وقادة الحزب الجمهوري جراء ما اعتبره سياساتهم الاقتصادية المجحفة.

اعمال العنف ضد المشرعين الاميركيين نادرة، وآخر وربما أهم مشرّع قتل خلال أكثر من قرن كان السناتور الديموقراطي روبرت كينيدي في 1968 ، الذي اغتاله الفلسطيني-الاميركي سرحان سرحان بسبب دعمه لاسرائيل. ( في العقود الاولى من حياة الجمهورية الاميركية كانت المبارزات بالمسدسات، السبب الرئيسي لمقتل عدد من المشرعين، الى ان توقفت هذه الممارسات في النصف الثاني من القرن التاسع عشر). اما آخر محاولة اغتيال في القرن الجديد فقد حدثت في 2011 عندما حاول شاب مضطرب نفسيا اغتيال عضو مجلس النواب الديموقراطية غابي غيفورد في ولاية اريزونا واصابها بجراح خطيرة في دماغها ارغمتها لاحقا على اعتزال الحياة السياسية، بعد ان قتل ستة اشخاص آخرين. عقب هذه المحاولة وجه معلقون ليبراليون اصبع اللوم على الخطاب السياسي المتعصب لشخصيات سياسية يمينية مثل سارة بيلين حاكمة ولاية الاسكا السابقة والمرشحة لمنصب نائب الرئيس في 2008. وعقب هجوم يوم الاربعاء، وجه سياسيون ومعلقون يمينيون اصبع اللوم الى اليسار والديموقراطيين، حيث ادعى رئيس مجلس النواب السابق نيوت غيتغريتش ان عنف ملعب البيسبول يعكس ” ازدياد العداء اليساري” ضد الرئيس ترامب، بينما رأى المذيع راش لييمبو، المعروف بمواقفه المتطرفة ان العنف الاخير يمثل “الناخب الديموقراطي العادي”.

شيطنة وعولمة
في السنوات والعقود القليلة الماضية ازدادت حدة وعدائية الخلافات والاجتهادات السياسية، وازداد معها ميل عدد متزايد من الاميركيين، بمن فيهم عدد ملحوظ من المشرعين الى شيطنة الخصم السياسي، واعتبار التسويات السياسية التي كانت جزءا محوريا من تقاليد الطبقة الحاكمة بحزبيها، اقرب الى الهرطقة السياسية منها الى الحلول المناسبة لمشاكل البلاد. وبعكس مشاعر العداء القديمة التي كانت تهمّش بسرعة، فان التغييرات الجذرية التي جلبتها العولمة ومنها التحولات الثورية في طبيعة وتأثير وسائل الاعلام، وهيمنة شبكة الانترنت وشيوع وسائل التواصل الاجتماعي وظاهرة المدونين، والسرعة في نقل الاخبار، والتفنن في فبركتها ونشرها الفوري قبل التحقق من صدقيتها وصحتها، كلها ساهمت في تعميق الاستقطابات ومضاعفة حجم الخلاف السياسي، بحيث اصبحت شيطنة الاخر تصل خلال لحظات الى آخر بقاع الارض.

وتزامنت ظاهرة العولمة وثورة المعلوماتية، مع انهيار الاتحاد السوفياتي وغياب العدو الخارجي الكبير الذي كان هاجس الاميركيين منذ الحرب العالمية الثانية،والذي كان يمنع الخلافات الداخلية من زعزعة وحدة البلاد. وساهمت الهجرة الشرعية، والاهم من ذلك الهجرة غير الشرعية والتغييرات الديموغرافية والثقافية والدينية التي جلبتها معها، في خلق ردود فعل سلبية من قبل فئات اميركية، وخاصة في ولايات وسط وجنوب البلاد بأكثرية سكانها البيض، وهي ولايات محافظة تقليديا، بدأت تهجر الحزب الديموقراطي منذ منتصف ستينات القرن الماضي، بعد حركة الحقوق المدنية، وبعد توقيع الرئيس ليندون جونسون على قانونين اساسيين ضد التمييز العرقي وأكدا الحقوق المدنية للاميركيين من اصل افريقي. هذه التطورات ادت الى تغيير “الوجه الاميركي” الذي لم يعد بالضرورة ابيضا. ومن المتوقع خلال عقود قصيرة ان يصل عدد الاميركيين المتحدرين من اصول غير اوروبية الى خمسين بالمئة من عدد السكان.

الازمة الاقتصادية التي ضربت البلاد في 2008، وما صاحبها من خطاب سياسي يميني وضع اللوم على فقدان بعض الوظائف على الهجرة غير الشرعية، وخطاب سياسي يساري ويميني وضع اللوم على الاقتصاد المعولم واتفاقيات التجارة الحرة التي بالغ منتقدوها في تحميلها مسؤولية رحيل ملايين الوظائف الاميركية الى البلدان النامية بسبب رخص عمالتها. خلال الانتخابات الرئاسية الاخيرة، التقى المرشح اليميني دونالد ترامب، والاشتراكي بيرنارد ساندرز على رفض اتفاقيات التجارة الدولية الحرة، ولومها على خسارة الوظائف الاميركية. ويؤكد معظم الخبراء الاقتصاديين ان ظاهرة “ألاتمتة” Automation وشيوع استخدام “الروبوتات” Robotics هي المسؤولة بالدرجة الاولى عن قتل العديد من الوظائف، وليس الاسواق او العمالة الخارجية.

ويقول الاعلامي والاكاديمي فرانك سيزنو “للنهار”، ان هناك أكثر من سبب داخلي وخارجي للعدائية التي يتسم بها الخطاب السياسي الراهن في البلاد: “هناك شعور لدى المواطن العادي هو ان المتغيرات المتلاحقة والتقنيات الجديدة المحيطة به، وانعدام اليقين الاقتصادي، وتفاقم ظاهرة التباين الكبير في المدخول Income inequality ، بانه يخسر السيطرة على حياته ومحيطه وبالتالي مصيره، الامر الذي يثير استيائه وغضبه”. ويرى سيزنو، مدير كلية الاعلام والشؤون العامة في جامعة جورج واشنطن، ان وسائل الاتصال الاجتماعي، وشبكات الكابل ذات التوجهات الايديولوجية المتضاربة “تساهم في تعميق الاستقطابات السياسية في البلاد، حيث يراقب الليبرالي برامجه المفضلة في شبكة MSNBC والمحافظ برامجه المفضلة في شبكة فوكس”. ويشير ايضا الى ان ضعف الصحف الرئيسية والجدية في السنوات الاخيرة بسبب ازماتها المالية، وانهيار الصحافة المحلية، ساهمت ايضا في تغريب المواطن عن محيطه وجعله يتأثر أكثر بالاذاعيين والمدونين المدفوعين بالاعتبارات الايديولوجية وحتى الاثنية الضيقة وليس بالاعتبارات والمقاييس الاعلامية المهنية الصرفة. ويشير سيزنو الى انه ليس من المستغرب في مثل هذا المناخ ان تلقى صرخة دونالد ترامب الانعزالية “أميركا أولا” صدى ايجابيا في اوساط أولئك الذين سماهم ترامب “المنسيون الاميركيون” الذين تلاعب على مخاوفهم خلال حملته الانتخابية. ناخبو ترامب، هم بمعظمهم ناخبون عاضبون من البيض الذين يريدون “استعادة” أميركا من المهاجرين والمسلمين ودعاة التجارة الحرة والليبراليين الضعفاء الذين يتهمونهم باختطافها منذ عقود.

تحولات بعيدة المدى
التحولات الاقتصادية والسياسية والديموغرافية في العقود القليلة الماضية، ادت الى تغيير التحالفات والائتلافات الحزبية وطبيعة ولاءات وهويات المواطنين. ومع ان الاعتبارات الاقتصادية والطبقية لا تزال هامة ولكن في الخلفية، ولا تزال تلعب دورا هاما في تحديد اتجاهات الناخب الاميركي، الا ان الاعتبارات الثقافية والتوجهات الاجتماعية والخلفية الاثنية والدينية للمواطنين تبرز الى السطح خلال المعارك الانتخابية واحيانا كثيرة تظغى على الاعتبارات الاقتصادية والسياسية “العقلانية”، التي يفترض ان تتخطى الولاءات والانتماءات الضيقة، وخاصة في مجتمع كبير وديموقراطي مثل المجتمع الاميركي. وفي العقود الماضية تحول الحزب الديموقراطي الى خيمة كبيرة، يعيش في ظلها تجمعات واقليات مختلفة تتراوح بين الاميركيين من اصل افريقي، وأكثرية يهود البلاد، والمنظمات والمؤسسات النسائية، وما تبقى من النقابات العمالية، ونسبة عالية من المهاجرين الجدد، والمثليين وغيرهم من الفئات الاخرى. وهذه التركيبة الاجتماعية والاثنية، غيرت بعض الشيء من طبيعة الخطاب السياسي الديموقراطي الراهن. فهناك تعاطف ديموقراطي مع قضايا المهاجرين، بمن فيهم غير الموثقين، وكذلك مع فئات اخرى مثل المثليين وهو تعاطف غائب في اوساط الحزب الجمهوري. وبينما كانت الخلافات في السابق سياسية بامتياز، بين الليبراليين والمحافظين، أضيف اليها في السنوات الماضية استقطاب اجتماعي وثقافي ملحوظ بين “الريف” الجمهوري في وسط وجنوب البلاد، و”المدينة” على ساحلي المحيطين الاطلسي والهادئ. وبينما يصف الجمهوريون المحافظون في وسط وجنوب البلاد انفسهم بالاميركيين الحقيقيين Real Americans فانهم يستخدمون عبارة ” نخبة السواحل” elites Coastal للتهكم على الليبراليين والديموقراطيين المقيمين في المدن الكبيرة وخاصة في ولايتي نيويورك وكاليفورنيا.

ساهم انتخاب الرئيس الجمهوري رونالد ريغان في 1980 بعد ولاية الرئيس الديموقراطي جيمي كارتر التي اعتبرت ولاية ضعيفة، في اعطاء الجمهوريين زخما سياسيا وثقافيا لا تزال اثاره حاضرة اليوم. تحالف ريغان مع اليمين المسيحي المنظم سياسيا، ساهم في خلق “حرب ثقافية” حول حق المرأة بالاجهاض وحقوق المثليين والاقليات والحريات الفنية وغيرها. وخلال سنوات ريغان لتسم الخطاب السياسي بنبرة ايديولوجية أكثر حدة من السابق، كما عمق ريغان من مشاعر الشكوك التقليدية (والصحية الى حد كبير) في الثقافة السياسة الاميركية تجاه قوة وسلطة الحكومة الفدرالية، وحوّل هذه الشكوك عبر شعاره الشهير “الحكومة هي المشكلة وليست الحل”، الى مشاعر عدائية تقريبا تجاه السلطة الفدرالية في واشنطن.

بوش ينتخب أوباما، واوباما ينتخب ترامب
مّثل انتخاب باراك حسين اوباما الاميركي – الافريقي رئيسا للولايات المتحدة في 2008 أفضل ما في اميركا وأسوأ ما فيها في آن . أن تصوت أكثرية من الاميركيين، بعد اقل من نصف قرن من حصول الاميركيين من اصل افريقي على حقوقهم الكاملة بالتصويت، وعلى خلفية العنصرية المتجذرة في تاريخ وتراب اميركا، فهو حدث تاريخي بالفعل، يحدث “فقط في اميركا” كما قيل انذاك. الشباب الذين تطوعوا في حملة اوباما وصوتوا له باعداد كبيرة، ارادوا ان يقولوا لانفسهم وللعالم هذه هي اميركا الحقيقية. ولكن انتخاب اوباما عمق الاستقطاب بين قطاع كبير من الاميركيين البيض والمحافظين، حيث رفض جزء كبير منهم حتى الاعتراف بشرعية اوباما كمواطن لان والده المسلم مواطن من كينيا، ولان اوباما قضى بعض سنوات طفولته في اندونيسيا. وحتى بعد وجود اوباما في البيت الابيض في ولايته الثانية بقي ملايين الاميركيين على قناعتهم بان رئيس البلاد يفتقر الى الشرعية. ورفض اميركيون – بعضهم علنا واخرون سرا- ان يصدقوا ان اوباما هو من مواليد اميركا، وابرز هؤلاء كان مقاولا ثريا من نيويورك اسمه دونالد ترامب ادعى مرارا انه سيقدم الدليل القاطع بان اوباما لم يولد في الولايات المتحدة. وادعى ترامب انذاط انه ارسل فريقا من المحققين الى ولاية هاواي ليضحد تأكيدات اوباما انه من مواليد الولاية، وان محققيه قد “جمعوا معلومات هامة”. وحتى بعد ان قدم اوباما نسخة عن وثيقة ميلاده في هاواي، رفض ترامب الاعتراف بشرعيته –وهو موقف عنصري سافر- وبقي على موقفه المشين هذا حتى قبل اشهر قليلة من الانتخابات حين قبل بشرعية اوباما بعد حوالي ثماني سنوات من دخوله البيت الابيض.

انتخاب اوباما قوبل بمقاطعة شبه كاملة من الجمهوريين في الكونغرس الذين تىعهدوا منذ اليوم الاول بعدم التعاون معه لاقرار أي قوانين، وقرروا ان يجعلوه رئيسا لولاية واحدة . عداء القيادات الجمهورية لاوباما كان نافرا ووقحا ونضح بالعنصرية، لدرجة دفعت بالنائب جو ويلسون لان يقاطع اوباما في خطابه امام الكونغرس حين قال ان برنامجه للضمان الصحي لن يشمل المهاجرين غير الموثقين، صارخاً “أنت تكذب”. انتخاب اوباما ادى الى ولادة ما سمي بحزب الشاي، وهو الجناح المتطرف في الحزب الجمهوري، حيث كان مؤيديه يتطاهرون وهم يحملون بنادقهم ومسدساتهم ويرفعون شعارات تشّبه اوباما “المسلم” بالقرود، واخرى ترسمه كهتلر. خلال ولايتي اوباما كان هناك تصعيد ملحوظ من الجمهوريين والديموقراطيين في شيطنة الاخر، وان كان يجب الاعتراف بتفوق الجمهوريين بفن الشيطنة والتشهير.وعلى سبيل المثال ادعت سارة بيلين ان خطة اوباما للضمان الصحي تشمل تشكل “لجان الموت” التي يفترض ان تقرر اعتباطيا من سيموت من المرضى ومن سيبقى على قيد الحياة. من جهته قال زعيم الاكثرية الديموقراطية انذا في مجلس الشيوخ هاري ريد ان معارضة الجمهوريين لمشروع اوباما مماثل لمعارضة الاميركيين العنصريين لتحريم العبودية.

تسونامي ترامب
اذا كان انتخاب اوباما ممكنا في 2008 بسبب معارضته الاولية والمبدأية لغزو العراق، واختاره العديد من الاميركيين لانه يختلف ليس فقط عن بوش بل عن السياسيين التقليديين، وهو الشاب الحديث العهد بالسياسة، فان انتخاب دونالد ترامب الى حد ما هو رد فعل من قبل شريحة هامة الاميركيين على انتخاب اوباما وسياساته. وما فعله ترامب خلال حملته الانتخابية الطويلة، غير معهود وغير تقليدي ونعم غير حضاري. وليس من المبالغة القول ان ترامب أكثر من كل اسلافه الاربعة والاربعين قام بتدنيس منصبه، وتشويه تقاليد رؤساء بعضهم متميزون للغاية، وثلاثة منهم على الاقل ( جورج واشنطن، وابراهام لينكولن، وفرانكلين روزفلت) رؤساء عظام وفق أي مقياس. لم يحدث ابدا في تاريخ الانتخابات الاميركية – حتى عندما كان يترشح فيها رجال عنصريون مثل جورج والاس في ستينات وسبعينات القرن الماضي- ان اهان مرشح عن حزب كبير فئات مختلفة من الاميركيين، كما فعل ترامب حين اهان المهاجرين المكسيكيين، والمسلمين، وطالب بحظر دخول أي مسلم لاميركا، كما استخف بحقوق الاميركيين من اصل افريقي، واهان النساء،والمصابين بضعف جسدي، وحرض على العنف ضد معارضيه خلال مهرجاناته الحزبية. لم يحدث ان قام مرشح اميركي بتحقير حلفاء اميركا وابتزازهم ماليا، او التهديد بسرقة نفطهم كما فعل حين دعا لسرقة نفط العراق، او فرض “خوة حماية” على دول الخليج المصدرة للنفط “لانها لا تستطيع ان تبقى موجودة بدوننا”. لم يحدث ابدا ان ينتخب الاميركيون رئيسا تقول الاحصاءات والدراسات ان اكثر من ثلثي تصريحاته وتغريداته ومواقفه هي اكاذيب. لم يحدث في تاريخ اميركا ان يقوم محقق خاص بالتحقيق في رئيس لم يمر على وجوده في البيت الابيض اقل من 150 يوما كما هو الحال اليوم مع ترامب. اجراءات محاكمة الرئيسين ريتشارد نيكسون وبيل كلينتون في مجلس النواب بدأت خلال ولايتيهما الثانية. ترامب هو أول رئيس اميركي يحتفل بجهله، حين يتبجح بانه لا يقرأ الكتب، ويتفاخر بصلافته ويعتبر ذلك اسلوبا ناجحا في ترهيب الاخرين خلال التفاوض معهم. ترامب مثله مثل عدد هام من الجمهوريين لا يؤمن بتفوق العلم ويرفض تصديق حقيقة التغيير البيئي. ترامب يجسد العداء الاميركي للعلم والثقافة.

يقول فرانك سيزنو “عالم ما بعد اوباما في اميركا هو عالم معاد لليبرالية. وكل ما يفعله ترامب من محاولته تقويض برنامج اوباما للعناية الصحية، الى الانسحاب من اتفاقيات التجارة الدولية، الى احياء السياسية العدائية لكوبا، هو بهدف تدمير ارث اوباما. لم يحدث ان قام رئيس اميركي باستعداء النظام القضائي واجهزة الاستخبارات، ويشن حربا ضد وسائل الاعلام، وكل ذلك خلال الاسابيع الاولى لوجوده في البيت الابيض.
هناك اسباب كثيرة تفسر ظاهرة الاميركي الغاضب. قيل ان رونالد ريغان كان يمثل احباط وحتى غضب الاميركيين حين كان رئيسا. ولكن ريغان حتى عندما كان يتخذ مواقف متشددة او ينتقد خصومه، كان يفعل ذلك بابتسامة وتفاؤل المواطن الاميركي الذي كان دائما يتطلع الى مستقبل افضل له ولبلده. ترامب النرجسي غير قادر على التخلي عن قسوته وجشعه. ترامب الغاضب، جاء ليعمق غضب الاميركيين، وليس لمعالجته وتخطيه. لقد سمّم ترامب الخطاب السياسي في البلاد أكثر مما كان عليه ربما منذ العقد الذي سبق الحرب الاهلية في منتصف القرن التاسع عشر. تحذير ابراهام لينكولن من الاخطار الداخلية لا يزال صحيحا وحقيقيا اليوم كما كان خلال الحرب الاهلية، ويجب الاتعاظ بحكمة اعظم رئيس عرفته الولايات المتحدة ويقول: ” لن يكون بامكان أحد ان يدمر اميركا من الخارج. واذا تداعينا، وخسرنا حرياتنا، سيكون سبب ذلك هو تدميرنا لانفسنا”.

أميركا افضل بكثير من الاميركي الغاضب الذي يمثله ترامب وظاهرته. الاميركي الغاضب ليس جيدا لاميركا وليس جيدا للعالم. النظام السياسي الاميركي قادر على الصمود في وجه تسونامي ترامب، ولكن الارض اليباب التي سيخلفها ورائه لن ترى العشب لوقت طويل.