لماذا الجار قبل الدار؟.. بقلم: الدكتورة ندى الجندي

لماذا الجار قبل الدار؟.. بقلم: الدكتورة ندى الجندي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٣ يونيو ٢٠١٧

مثل صيني يقول: "غبية هي الجزيرة التي تعادي المحيط" ولكن كيف لها أن تعاديه؟ هل هي بمنأى عن غضبه؟!

أمواج عاتية قذفت بأهوال البحر إليها.. تكسرت الصخور على حوافها.. إعصار جامح لم تتنبأ يوماً بقدومه!

أي احتياطات كانت تستوجب للإحاطة به حتى تكون بمنأى عن غدره وثورات جنونه؟

البعض تلاشى، وتاه في غياهب هذا الإعصار، ووقف البعض الآخر يُحدق صوب السماء على أمل أن يأتي الغيث، أما قوي النفس فما زال صامداً في وجه التيار يقاوم بعزة.

لقد اجتاحت المياه الجزيرة ولكنها لم تبتلعها، ما زالت أرضها ثابتة.. جذورها عميقة كتبتها قصة حب عبر الأزمان لا تستطيع حتى الرياح العنيدة أن تقتلعها.. إنها جميلة جداً وكيف لجميلة ألا تدفع ضريبة حُسنها في زمن القبح هذا؟!

قد تكون هذه الجميلة في مرحلة ما قد أمضت وقتها في عبثية غير مدركةٍ ما يحاك ضدها من محيطها، وتوهمت أنه الصديق، وفتحت له أبوابها، ولكنها لم تلقَ سوى الغدر وهو من شيم الجهلاء.

ألم تكن تتوقع يوماً هذا الهجوم؟ ولكن إذا اشتعلت النيران في الجزيرة، ألا يحترق المحيط بأكمله؟

إنه عالم مجهول بالنسبة إليها وقلبها ينبض بالحب، عالم مخيف بدأت راياته تنقشع بعد أن سقطت الأقنعة.

في زمن اللامعقول هل يغدو عدو الأمس صديق اليوم؟

أعمدة الشر بدأت تتصدع.. قد أصابتهم لعنة هذه الفاتنة ودب الصراع بينهما، بالأمس أرادوا نهش جسدها، واليوم يمزق بعضهم بعضاً، فكيف تستثمر هذا الخلاف؟

يتراءى للبعض أنه زمن اللامعقول، لأنه في حالة سُبات فكري، ولا يمتلك بصيرة تجعله يدرك أنه في الخفاء، من يرسم ويخطط لعشرات السنين لواقع مبرمج وفق غاية مدروسة بحنكة ودقة علمية بالغة تجعل من المستحيل ممكناً أو بالأحرى لا تعرف المستحيل!

وهنا يتوارد إلى الذهن سؤال مهم: هل نستطيع توقع المستقبل وإلى أي مدى ممكن رسم هذا المستقبل بدقة؟

علماء الأرصاد الجوية يستطيعون التنبؤ بأحوال الطقس، حتى إن التطور العلمي والتكنولوجي الذي وصل إليه العلم مَكَّن العلماء من خلال توفير الشروط المناسبة بدقة علمية متناهية من خلق الأجواء لهطل المطر وحدوث الزوابع.. إلخ، فالاعتماد يكون أولاً على فهم العلم، وعلى الرياضيات ودراسة قانون الاحتمالات، بحيث يكون العمل على ضبط الشروط لخلق الظرف المناسب، أما الاعتماد على المصادفة فلا ينجح أبداً.

العلماء يبحثون ويقيِّمون النتائج، يطرحون مبدأ الشك الديكارتي، وبالتالي يخرجون عن الشكلية ونمطية رموز الماضي والتبعية العمياء لها، وهذا يعني أنهم يمتلكون الجرأة وهي مفتاح كل عمل إبداعي.

توقع المستقبل بأي شكل سيكون؟ أليس هو امتداد للحاضر والماضي؟

نستطيع من خلال دراسة الماضي والحاضر بناء نموذج نتوقع به المستقبل، حيث يكون نتاج اعتقاداتنا وأفعالنا التي تحدد سلوكنا، فعلى سبيل المثال نستطيع تكهن سلوك بعض الأفراد في مناسبات معينة من خلال معرفتنا الجيدة بهم، أي بنمط سلوكهم، ردات أفعالهم.. اتجاههم الفكري، مبادئهم، وبالتالي كلما كان الإنسان منغلقاً واتجاهه الفكري محدداً، صار من السهل السيطرة عليه وتوجيهه أشبه بإنسان آلي، يكفي الضغط على وتر ما يُجسد منظومة فكره من معتقدات للحصول على ردة الفعل والسلوك المطلوب أداؤه.

السحرة والمشعوذون ينجحون ببراعة في التلاعب على بعض الناس باستخدامهم أساليب الخداع وخاصة عند أولئك محدودي الذكاء والثقافة، حيث لا يمتلكون الوعي الكافي لتحليل ما يجري حولهم، فيلجؤون إلى تفسير الكثير من الأمور إلى غيبيات، أو أنها أمور خارقة، وقد تكون معجزات، فالتلاعب يكون باستغلال قدرة الدماغ المحدودة على الرؤية بعمق والتحليل لنقص المعلومات الكافية وباستخدام التجارب الماضية لمحاولة التأثير فيهم والأمثلة في الحياة كثيرة، تعكس هذا الواقع المأساوي الذي يستغل فيه المشعوذون الناس البسطاء.

توقع المستقبل ما المقصود به؟ إلى أين يحملنا مسرح الأحداث، فلنتخيل أننا في صالة العرض، كلنا يعلم أن الأحداث ستتطور، ولكن كيف وإلى أي اتجاه لا أحد يعلم؟

يعتبر العلماء أن الطريقة الأفضل لتوقع المستقبل هو خلقه، الأحداث تتوالى، هل نحن مجرد حضور في ساحة العرض نشاهد وننتظر.. وقد تفاجئنا بما لم نتوقعه، أهو الدور الذي رُسم لنا وننفذه بخُطا حمقاء، أم إن لنا دوراً فعالاً وما زلنا نُمسك بزمام الأمور؟

أي مستقبل ينتظرنا؟ لنبحر في الآفاق بعيداً.. أي حياة نرجو وأي هدف نسعى إليه.. وما الخطوات اللازمة لتحقيقه، وبأي أدوات، وهل تتناسب وفق إمكانيات الحاضر؟

في عقلنا الباطن كلنا يبحث عن هذا الوطن المذبوح، وفي وعينا، لأن وجودنا مرهون بوجوده.

"أي مستقبل ينتظرنا؟" سؤال يجب أن يطرحه إنساننا بمصداقية، ما يجمعنا هو هذا المستقبل، تعالوا جميعاً نخلق هذا المستقبل، ونرسم لكل فرد دوراً يجسده بأمانة.

الجزيرة ما زالت جميلة رغم مسحة الحزن التي اكتسحت وجهها. ما زالت صامدة رغم الدماء التي نزفتها، قد لا تستطيع التنبؤ دائماً بثورات المحيط، ولكن بإمكانها بناء سور منيع يحميها من غدره، ولا يكون ذلك إلا باجتماع أطرافها بقوة والعمل بيد واحدة وعلى قلب واحد.

الجمال يدعو كل نفس تتوق إلى الحب، فتعالوا نتوج ملكة الجمال بأرواحنا.