كم تحتاجك الأمة العربية.. سيدي.. بقلم: ميشيل كلاغاصي

كم تحتاجك الأمة العربية.. سيدي.. بقلم: ميشيل كلاغاصي

تحليل وآراء

الأحد، ١١ يونيو ٢٠١٧

في أصعب الأزمان، وأحلك الليالي، عندما يهبط الضباب وتضعف الرؤية، وتعوي الذئاب، ويكتمل القمر بدرًا، وتهرع الطقوس لقرع نواقيسها، ويعزف الشيطان ألحان التمرد، فتصطك السكاكين وتشحذ نفسها بنفسها، ويحضر شهود الزور، ويلبس الوحوش ثياب المحفل المزركشة بنقوش عربية كافرة وبروكار دمشقي مزور، فُضحت فيه لمساتُ "كوهين" على الرغم من صَبغةِ شعره ولونِ لحيته المألوف، واسمه العربي القديم.
وعندما تهيم الخراف ذعرًا، وتنتصب الخيل واقفةً ويلامس بطونها دم أحمر قانٍ بريء، ويتراكض الجميع في شتى الاتجاهات، يحملون هوية حوّلها عواء الذئب رقمًا غير مقروء وبلا عنوان، فتشخص العيون وترتجف القلوب وتبرد الأطراف وتتدلّى الأكتاف وتنحني الرقاب من تلقائها تحت ساطور الجزار، فتبحث الجذور والنبضات الخافقة والخراف التائهة عن الراعي والمنقذ والمخلص.

جاء في كتب وصحائف الحق أن "عدو الإنسان أهل بيته"، كيف لنا أن نصدق أو لا نصدق، ونحن نرى أغصاننا تعصُفها "الرياح" القديمة جيئةً وذهابًا، فتتصادم وكأنها تتعانق ويسيل دمها نسغًا ناقصًا في شرايين أوراقنا، فتحمل الأوراق ثمرًا شريرًا، تلمع قشوره يوم العيد، فتتحول إلى قمصان عار وأكاليل شوك في مراسم صَلبِ ودفن الهوية، وسطَ رياح باردة في ربيع سيأتي بعد نثر التراب وتذرية عظام الحقل في عيد السراب.
نعم لقد فعلها أعداء بيت الإنسان وأبناء عمومتهم، ولم يكتشفوا الغريب، فلطالما حسبوه معهم وبماله ووعوده أغراهم وأعماهم، وجاء اليوم بسكاكينه لينحرهم..
صمد الراعي وتحمّل أوجاعه وآلامه، واستّل صدقه ومحبته واستجمع قواه وقوته وبأسه، وضرب فاسه في قلب الأغصان السامة، ونزع ترياقها ونفخه نارًا في وجوههم، لفحَت صِباغ شعرهم وتلاوين لحاهم وفرك جلودهم وفكّ جدائل شعرهم، فتدحرجت كؤوس خمرهم، وانقلب هيكل محفلهم، وأطاح بمزامير طقوسهم الرملية وكشف حجاب الشيطان، الذي أخذ يترنح ويتراقص هنا وهناك.

هذا حالنا وهذه قصتنا، في وطنٍ عربي كبير، وأمة وُعدت أن تكون خير أمة أُخرجت للناس، ويتساءل المرء على مساحة الوطن الكبير، ماذا لو لم يحمل الرئيس بشار الأسد راية الدفاع عن سورية والأمة العربية؟ ماذا لو نجح مشروع نحر الأمة والهوية في سورية؟ وما هو مصير الأرض العربية وهويتها وإنسانها وإسلامها وكافة معتقداتها وأديانها ولغتها وتاريخها، وكيف سيكون شكل مصير ومستقبل الأجيال العربية القادمة؟
ففي الوقت الذي ضعف فيه من لم يبع نفسه للشيطان فصمت، ونأى بنفسه على أمل تفادي الطوفان، وهرع الأحمق والحاقد والإنتهازي والمتطرف لركوب الموجة، فتضاعف عدد السكاكين في صدر وظهر سورية، ولم يتقاسم الأغلبية معها حصته منها، وتركوها تُذبح عنهم ولأجلهم ولأجل هويتهم وقضيتهم الأولى فلسطين، فيما اكتفى البعض الآخر برفع صور القائد من بعيد، أما الأبطال والمقاومون فهبوا وزأروا كالأسود، وصهروا دماءهم بدماء شجعانها، ومن مثلك أيتها المقاومة الإسلامية الشريفة في لبنان، ومن مثلك سماحة السيد حسن نصرالله، وما أصدق حلفائنا في العالم وخصوصًا الدولتان الإيرانية والروسية العتيدتان.

صمدت سورية وقاتلت برجولة وشجاعة، وقادت دفاعها عن الأمة جمعاء لا عن سورية فحسب، متكئة على حكمة وشجاعة قائدها وأملها البشار، ولم تصوّب سهامها على ناكري الجميل ولم تصبهم في مقتل، على الرغم من امتلاكها المقدرة، وتعرضت لإنتقاد الكثيرين ممن أحبوا كثيرًا وغضبوا كثيرًا، فخاضت المعركة بعقلها لا بعاطفتها، ودافعت عن الشعوب والدول العربية وكشفت لهم المخططات وما يُحاك ضدهم، ولم تتوانَ عن إنقاذ أخواتها في الدول العربية.. واستطاعت كشف زيف المعركة، وأسقطت أقنعة الغزاة والمعتدين، فأظهر الشرير غضبه وضاعف حقده ولا يزال.. فكان أن بدأ العالم يُبصر وأخذ يعود إلى رشده تدريجيًا، فيما وصل الأعداء إلى الحائط المسدود.
وها هي سورية وقد راكمت انتصاراتها، وأجبرت العالم على السير في ركبها بعيدًا عن الأهوال والمجهول، ودفعت الكثيرين للتفكير الجدي بمسار الحل السياسي، وفسح المجال أمام الحوار السوري- السوري، الذي سيضع حدًا للمسرحية الدامية في سورية، على الرغم من امتلاكها قدرة الحسم العسكري.

ولكن.. ماذا عن الدول العربية وشعوبها؟ فلبنان يعج بالخونة وبائعي الأوطان، وخلايا الإرهاب الصاحية والنائمة، ولا بد من شكر الله تعالى أن فيها جيشًا ومقاومين صدقوا ما عاهدوا في حفظ لبنان ومناصرة قضايا شعوب الأمة، فيما تتردد مصر- الدولة في اختيار طريقها، وعينها على سيناء وما يحصل فيها، وعينها الأخرى على إخوان الشياطين بغياب الزعيم جمال عبد الناصر، واليمن يئن تحت ضربات الغدر السعودي وعدوانه الظالم ويُذبح شعبه في مدارسه ومشافيه وبيوته بلا ذنبٍ ارتكبوه.. وتونس تُضرب من جديد وسط من يحاولون خطف ثورتهم وأمنهم واستقرارهم، فيما تحولت ليبيا إلى بؤرة داعشية بامتياز وتنتظر عودة الطليان بغياب عمر المختار. أما العراق، فلم يشفع له تاريخه العظيم ولا مقاماته ومقدساته في إيقاف مقصلة الإرهاب الحاقد، والسودان يُناصر آل الشيطان ويضع نفسه في خدمتهم بوجود وغياب البشير. أما فلسطين فتنتظر من يسمع صوتها ويحمي مُصليِها وطُهر أرضها ويَصون حقوق وكرامة أهلها، والبحرين ترزح تحت نير حاقد أهوج لا يرى ولا يسمع صوت شعبه يحمي عرشه التافه بدبابات صهاينة آل سعود، أما عرب الخليج فلا حول ولا قوة، فالقبضة الحديدية والقمع والقتل وسيّاف الرياض حاضرٌ لجز رؤوسهم في ساحات العواصم الخليجية.

أرادوها حروبًا طائفية ومذهبية، وألبسوها أثواب الحرية والديمقراطية التي لا يعرفونها ولم يسمعوا بها، ومع صمود سورية وانتصارها، وعجز وفشل أعداء الأمة في النيل منها، يتجدد الأمل وتعود القلوب للخفقان من جديد، ويَشعّ النور من جديد ومن حاضرة العرب وقمم قاسيون، بصوتها الهدار وقبضتها القوية لتسترجع الهوية والإنسان من براثن الوحوش.
وبعيدًا عن حكام وحروب العروش البائدة والزائلة لا محالة، ها نحن نرى العروبة والشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، يستعدون لتصحيح الخطيئة، ولإعلان القائد والزعيم الأوحد، الرئيس بشار الأسد - راعيًا ومنقذًا ومخلصًا-، ولسان حالهم يقول: كم تحتاجك الأمة العربية، سيدي.