المحور السعودي يحاول ضبط المنطقة بالهيمنة على قطر.. والتالي تركيا

المحور السعودي يحاول ضبط المنطقة بالهيمنة على قطر.. والتالي تركيا

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٦ يونيو ٢٠١٧

أنس وهيب الكردي

هز المحور السعودي المنطقة بعنف مع قراره تصعيد المواجهة مع قطر إلى أقصى مدى. وتبدي الرياض، ومعها حلفاؤها، إصراراً، ليس على تعديل سياسات الدوحة الخارجية وضبط دورها الإقليمي، بل إحداث هيكلة جديدة للسياسات في المنطقة وفقاً للتوجهات السعودية.
ليس مهماً أن الأزمة قد قامت على أسس غير قوية مثل الرد على تصريحات لأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، اتضح أنها مفبركة وأن تحقيقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي بصدد تأكيد ذلك، فإعادة هيكلة النفوذ والسياسات في المنطقة، لن تتوقف عند قطر أو إيران، بل هي ستمتد على الأرجح إلى تركيا.
تستشعر أنقرة حساسية اللحظة الراهنة، لذلك اندفع المسؤولون الأتراك في إجراء مشاورات متعددة، محاولين تقديم أنفسهم كوسطاء لحل الأزمة القطرية، اتصالاتهم عكست قلقهم من رياح قد تلفح السياسة التركية مصدرها المحور السعودي الذي يخبئ في جعبته خططاً لتركيا، لن تكون أقل مما جرى استخدامه مع قطر. مع ذلك لا يخفي الأتراك انحيازهم للدوحة، فرئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم شدد على «ضرورة ألا تتضرر العلاقات بين الدول بسبب أخبار لا أساس لها وأكد أن بلاده لا يمكنها أن «تدير ظهرها للمنطقة وتبقى في موقع المتفرج»، آخذاً على دول المحور السعودي إشعال أزمة في الخليج قبل أن «تنتهي الأزمات في كل من العراق، سورية، اليمن، ليبيا». أما سفير تركيا لدى قطر فكرت أوزر فقد كان أكثر وضوحاً، عندما اعتبر أن «قطر معرضة للهجمات، وهو نفس الحال بالنسبة لتركيا التي تتعرض للهجوم والمؤامرات»، ذاكراً بالاسم الإمارات. وفي تعليق غير مباشر على الإشاعات التي انتشرت في المنطقة حول قرب حدوث انقلاب عسكري في الدوحة مدعوم من المحور السعودي، طالب أوزر الشعب القطري بتوحيد صفوفه داخلياً وخارجياً تجاه تلك الأزمة حتى تمر طرية وألا تفت في عضده، وأكد أن محاولات فرض الوصاية على الدوحة، «لن تنجح». واللافت أن الجزائر رفضت التعدي على السيادة القطرية.
وتجد تركيا نفسها أمام خيارات صعبة فيما يتعلق بالأزمة القطرية، فالتحرك عسكرياً صعب والبقاء على كراسي المتفرجين لا يناسب شخصية أردوغان وقد يؤدي إلى تقرير مصير الأزمة من دون أخذ المصالح التركية بعين الاعتبار، أمام هذا الواقع وجدت أنقرة أن لا سبيل أمامها سوى تحشيد الضغوط الجماعية على المحور السعودي لمنعه من حسم الأزمة القطرية لمصلحته.
ولأن قوام الجيش التركي مشغول بقتال مسلحي حزب العمال الكردستاني في جنوب تركيا، ومحتشد على الحدود السورية التركية لمراقبة تحركات وحدات حماية الشعب الكردية المدعومين أميركياً، ومع تصاعد التوتر التركي الأميركي نتيجة استبعاد أنقرة عن عملية الرقة، فلن تجد تركيا أمامها سوى تعزيز محور الأستانا الذي يجمعها بإيران وروسيا.
وأهم اتصال أجراه الأتراك هو مع نظرائهم الإيرانيين، والذي شهد اتفاق الجانبين على عقد لقاء ثلاثي تركي إيران عراقي في العاصمة العراقية بغداد، لمناقشة سبل حل الأزمة القطرية. وبحسب مسؤولين إيرانيين فإن من شأن الاجتماع توجيه دعوة إلى منظمة المؤتمر الإسلامي. وبالفعل لوح أردوغان خلال اتصالاته مع الزعماء الخليجيين إلى إمكانية العودة إلى المنظمة التي لعبت الرياض الدور الأكبر في تأسيسها، وإذا ما سارت تركيا في هذا السيناريو فإنها ستضع نفسها في مسار تصادمي مع المحور السعودي، وفي محاولة منها لقطع هذا الطريق، دفعت السعودية الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي إلى إصدار بيان من الأزمة القطرية شبيه بالموقف السعودي.
وتشعر كل من تركيا، إيران والعراق بقلق جوهري من تداعيات الأزمة القطرية، الأولى لأن لها تحالفاً صلباً مع القطريين وقاعدة عسكرية على أراضيهم، والثانية لأنها تخشى تحول الجانب الآخر من الخليج إلى العداء الكامل مع طهران، والأخيرة، خوفاً من انعكاسات ازدياد قوة المحور السعودي على بنية العراق الوطنية بالأخص في مرحلة ما بعد داعش، وعين بغداد «وكذلك الأمر بالنسبة لطهران» على الدعم الخليجي لنوايا إقليم كردستان العراق الاستقلال كثمن لدوره في الحرب على التنظيم المتطرف. مع ذلك فقد تحقق إيران مكاسب أكبر من استمرار الأزمة وعلى رأسها انهيار الجبهة العربية الإسلامية التي سعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال زيارته إلى المنطقة، ضدها قبل أن تقلع.
دولياًً، وإن كانت المؤسسة في الولايات المتحدة غير مؤيدة على الإطلاق لخطوة عزل قطر ومحاصرتها خصوصاً في ظل اشتداد حملة التحالف الدولي بقيادة واشنطن، على داعش، والتي تتم إدارتها من القيادة الوسطى للقوات الأميركية المتمركزة في قاعدة العديد بقطر، فإن ترامب ووزير خارجيته ريكس تيلرسون بديا متفهمين لمواقف المحور السعودي.
وشعر مسؤولو الإدارة الأميركية بالصدمة لقرار السعودية قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر في خطوة منسقة مع مصر والبحرين والإمارات، وأكد مسؤول كبير بإدارة ترامب أن بلاده «لا تريد أن نرى شكلاً من أشكال الشقاق الدائم وأظن أننا لن نرى هذا».
ولم تهيمن الأزمة القطرية على التفاعلات الدولية والإقليمية في الشرق الأوسط من فراغ، فلقطر أهمية كبرى على مستويات متعددة، فهي مسرح للحوار بين واشنطن وحركة طالبان الأفغانية، وسياستها الخارجية مستقلة تسعى لدور توازني في الخليج ما بين السعودية وإيران، وعلى أراضيها أكبر قاعدة أميركية في العالم خارج الولايات المتحدة وثاني قاعدة عسكرية تركية في الخارج بعد قبرص التركية وقبل منطقة شمال حلب، وصندوقها السيادي يتحكم بأكثر من 325 مليار دولار، وأخيراً، وربما أشدها أهمية هي ثالث بلد من حيث احتياط الغاز وإنتاج الغاز في العالم، والأول من حيث إنتاج الغاز المسال.
كما أن روسيا، التي أبدت تفهماً لحجج الرياض والقاهرة ضد الدوحة الخاصة بدعم الإرهاب، تعارض أي محاولة سعودية لتوسيع نفوذها في الخليج إلى قطر، كي تضمن بقاء الوضع الجيوسياسي العالمي المرتبط بالطاقة على حاله، ولا شك أن أي قوى دولية، لا تريد أن تضاف موارد الغاز القطرية الضخمة إلى أدوات السياسة السعودية الخارجية.
وتمثل السيطرة على السياسة القطرية مطمحاً كبيراً للسعودية منذ الانقلاب الأبيض الذي قاده الشيخ حمد بن خليفة على والده أواسط التسعينيات من القرن، والذي أتبعه بإطلاق مشروع متكامل للصعود بمكانة قطر الإقليمية، متوخياً أدوات القوة الناعمة، وبينها قناة «الجزيرة». هكذا، تحولت قطر من إمارة على هامش الحركة السياسية العربية، إلى وسيط إقليمي له حضور في كل الأزمات المعقدة (اللبنانية – السودانية)، لتغدو خلال السنوات الأولى للربيع العربي من أبرز اللاعبين الإقليميين وتتخلى عن دور الوسيط لمصلحة دور «الملهم للثورات والمواجه للأنظمة». ووطدت تحالفها مع تركيا والحركة الإسلامية في المنطقة.
مع إخفاق موجة الربيع العربي وتغيير الحكم في مصر، تحول المشهد ضد قطر، وسعت دول المحور السعودي «عام 2014» إلى معاقبتها قطر على دورها السابق، ولم يوقفها شيء، إلا شعورها بالخوف من تزايد نفوذ إيران في الشرق الأوسط نتيجة سياسة الانفتاح التي انتهجها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما على طهران وسعيه لإنهاء أزمة ملفها النووي، هكذا انتهت الأزمة القطرية الأولى باتفاق توسطت فيه الكويت.
وسعت الكويت إلى تجديد وساطتها، ووصل أميرها صباح الأحمد الصباح إلى الرياض في مسعى لإقناع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، لكن المؤشرات تؤكد أن مهمته ستكون صعبة إن لم تكن مستحيلة، مع تبادل السعوديين والقطريين التلويح لبعضهما بالتلاعب بداخل كل منهم.
وبدا أمير قطر مصمماً على المواجهة وعدم التنازل عن العلاقة مع تنظيم الإخوان المسلمين، وعبر عن ذلك من خلال استقباله الشيخ يوسف القرضاوي، وتقبيل رأسه. في المقابل، اتهمت وزارة الخارجية السعودية في فيديو نشرته على صفحته بموقع «تويتر» للتراسل، قطر بدعم الحوثيين. وجاء في الفيديو: «حاربنا الإرهاب والانقلاب في اليمن من أجل اليمنيين وكانت السلطات في الدوحة مع إيران وعملائها»، واختتم بمقطع للشيخ تميم في الأمم المتحدة، جاء فيه: نؤكد أن إيران دولة جارة مهمة».
كما اتهمت الوزارة الدوحة بـ«احتضان جماعات إرهابية وطائفية متعددة تستهدف ضرب الاستقرار في المنطقة، ومنها جماعة الإخوان المسلمين وداعش والقاعدة».
وأثارت الدوحة غضب الرياض بعد توسطها في اتفاق المدن الأربع في سورية، واعتبرت صحيفة فايننشال تايمز أن توصل الدوحة إلى الاتفاق هو ما أثار غضب السعوديين، وفشلت كل مساعي قطر لشرح الاتفاق للسعودية.
وإذا ما تطورت الأزمة القطرية فمن الممكن أن تؤدي إلى صدام تركي سعودي، وإعادة اصطفاف شاملة في المنطقة.