هل نرى جيشًا سعوديًا في الدوحة..؟.. بقلم:إيهاب زكي

هل نرى جيشًا سعوديًا في الدوحة..؟.. بقلم:إيهاب زكي

تحليل وآراء

الأحد، ٢٨ مايو ٢٠١٧

 شنَّ الإعلام السعودي في اليومين السابقين هجومًا شرسًا على دولة قطر، ومن ضمنها على قناة الجزيرة، متهمًا إياها بالتلفيق والتزوير وشقّ الصف العربي، ولو سألنا معدّي هذه التقارير وكُتاب تلك المقالات عن تغطية الجزيرة للحرب على سوريا أو العراق أو اليمن، هل فعلًا كانت تغطيتها ملفقة ومزورة بهدف شقّ الصف العربي، إن كانت الإجابة نعم، فهذا ينطبق على الإعلام السعودي أيضًا، لأن تغطية الجزيرة كانت متطابقة مع تغطيته، إذًا فهو إعلام تلفيقي تزويري يهدف لتفكيك المنطقة وشق الصفوف، وإن كانت الإجابة لا، فهذا يعني أن الإعلام السعودي حصرًا هو الذي يمارس التلفيق والكذب والتزوير باتهامه الجزيرة بهذه التهمة، ونحن لا ننتظر منهم الإجابات لأننا نعرفها مسبقًا، فكلاهما إعلام تلفيقي تزويري تحريضي يخدم أجندات معادية، وهذا ينطبق على الممول السياسي لذلك الإعلام، ويأتي هذا الهجوم على قناة الجزيرة بعد ما نُسب لأمير قطر من تصريحات، وفي الوقت الذي نأت الجزيرة بنفسها عن هذه المعمعة، واكتفت بإيراد الردود القطرية الرسمية في نفي التصريحات وإثبات الخرق لوكالة الأنباء القطرية.

في الوقت الذي تناوش الإعلام السعودي والإعلام القطري وتعاضض، بما يتنافى مع التعاضد الذي ميزهما في ملفات المنطقة، نأت الجزيرة بنفسها عن هذا التناوش والتعاضض، بما يشي بأن قطر تحتفظ بأمضى أسلحتها على الإطلاق لوقتٍ لاحق، فيما لو اضطرت لاستخدامه يومًا، وهذا اليوم هو اليوم الذي تصل فيه محاولات العودة لما قبل التصريحات المنسوبة لأمير قطر إلى نتائج، والأهم أنه يشي بأن قطر تخشى التصعيد الإعلامي غير المرفود بقوةٍ تحميه إن وقعت الواقعة، لأنه في تلك اللحظة سيصبح مجرد ثرثرة واستعراض لعضلات الشفاه لا أكثر. وقاعدة العيديد هي قوة الرفد الوحيدة المتوفرة حاليًا، ويبدو أن قطر لم تأخذ ضمانات أمريكية لبقاء هذه القاعدة على المدى المتوسط أو الطويل، لذلك أرجأت دخول بلدوزر الجزيرة إلى الميدان. والسؤال الأهم يأتي من الحيثية التالية، فحيث أن أمير قطر قام بتهنئة الرئيس الإيراني حسن روحاني على الفوز بولايةٍ ثانية، مشيدًا بعلاقة بلديهما مخبرًا إياه بسعيه لتطوير العلاقات والتعاون أكثر من أي وقت مضى، فيصبح من المنطقي التعامل مع التصريحات المنسوبة للأمير القطري كحقيقة وليست مجرد فبركات واختراق الكتروني، وبناءً على ذلك يأتي السؤال عن الأسباب التي دفعت قطر للخروج عن الإجماع الخليجي أولًا، ثم ما سمي إجماعًا عربيًا إسلاميًا في الرياض، والأهم هو القطار الأمريكي "الإسرائيلي".

بما أنني من هواة اللغة الخشبية ومن أنصار نظرية المؤامرة، فإنّ كل تحليلٍ يستبطن إرادة قطرية بالتمرد على العباءة السعودية، أو إرادة قطرية لاستغلال لعبة المحاور للضغط على الولايات المتحدة، فهو تحليلٌ لا يعتد به، بل أكثر من ذلك، فإذا كان لا يوجد بالأصل إرادة سعودية ذاتية فكيف تكون هناك إرادة للتمرد على العدم، فالإرادة السعودية عدم، فكيف بالضغط على أمريكا من دولٍ منعدمة الشكل والمضمون خارج الفعل الأمريكي. وإنّ أسهل السبل تحليلًا هو مسلك البناء على تلك الإرادة، ولا أملك معلومات لما أنوي الذهاب إليه سوى القناعة الراسخة بتبعية العائلة القطرية للإرادة الأمريكية، وواقع التطبيع الذي تمارسه مع "إسرائيل"، وبعض الوقائع والأحداث التي ستخدم الاستنتاج، والحدث الأول هو ما صرح به ترامب بعد أن سلب السعوديين مالهم بحجة حمايتهم، قال ستدافعون عن أنفسكم لا نحن من سيدافع عنكم، وهو ما يعني أنّ الولايات المتحدة ليست بوارد الحرب على إيران. والواقعة الثانية، حين مقارنة الثقل التركي بالوزن القطري إقليميًا ودوليًا وكعضو ناتو، تبدو قطر ضيئلة جدًا، ورغم ذلك فقد رضخت تركيا للضغط الأمريكي-"الإسرائيلي" بإبعاد القائد الحمساوي صالح العاروري من أراضيها فاستقبلته قطر، فكيف يتسق ذلك مع احتفاظ قطر بمكتب حماس السياسي على أراضيها، ولا يسعفنا هنا سوى اللغة الخشبية بأنها محاولات احتواء ومؤامرة لتسهيل التنازلات.

والواقعة الثالثة تصريح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بخصوص ضرب الإرهاب "أينما كان" مكرِرًا "أينما كان"، من باب فتح التكهنات وإرسال الرسائل كلٌ على هواه، ولكن بعد أن أردف المناشدة للرئيس الأمريكي بالإيفاء بوعوده بالحرب على الإرهاب، وهم حسب الأدبيات السياسية المصرية "الإخوان المسلمون"، لأن داعش تحصيل حاصل، وهناك حلف دولي تقوده أمريكا لمحاربته، لذلك تبدو الرسالة موجهة إلى قطر، وهو ضغط على ما يتم تداوله من إمكانية سحب القاعدة الأمريكية من قطر.

أما الواقعة الرابعة فهي طلب ترامب من أعضاء الناتو بما يشبه التوبيخ لزيادة مصروفاتهم العسكرية، وهي أبرز تجلٍ لعقلية التاجر، إذًا لدينا تاجر لا يفكر بالحروب خصوصًا منها المكلفة، وقاعدة أمريكية للحماية على نفقة العائلة القطرية، وتبعية لا شك فيها، وتهديد مصري بما تملكه مصر وليس سعودي فقط، فالنتيجة هي مزاد علني افتتحه ترامب لنقل القاعدة بتكلفة ونفقاتٍ أكبر سعودية أو إماراتية، وذلك عبر فقاعة تصريحات أمير قطر، وهي تصريحات لا خاسر في أطرافها، أمريكا ليست خاسرة بل مستفيدة ماليًا عبر قطر والسعودية والإمارات، وطالما لا تفكر في حرب إيران فالعودة لسياسة الاحتواء أو أقله إبقاء سيف الابتزاز مسلطًا على رقاب آل سعود، وإيران ليست خاسرة بل مستفيدة، أما قطر فحسب الوعد الأمريكي إن كانت ضمانة الحماية لا علاقة لها بقاعدة العيديد، أو أنها مرتبطة فيها بشكلٍ شرطي، حينها قد نرى جيشًا سعوديًا بمشاركةٍ عربية في الدوحة، في تكرار للسيناريو العراقي الكويتي، فنكون أمام فوضى من نوعٍ جديد كما حدث بعد غزو الكويت، ولكن هذه المرة في الخليج والسعودية خصوصًا، ستكون على مذبح التقسيم كما حدث في العراق، وتتحقق رؤية ترامب بذبح البقرة السعودية بعد جفاف ضرعها.

- بيروت برس-