ماذا تخبئ المقاومة من مفاجآت؟. بقلم: عمر معربوني

ماذا تخبئ المقاومة من مفاجآت؟. بقلم: عمر معربوني

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٦ مايو ٢٠١٧

 أن اكتب في الذكرى الـ17 للتحرير فهي مسؤولية كبيرة تتجاوز البعد الوجداني على اهميته، حيث قد يعتقد البعض ممّن سيقرؤون هذا النص انهم امام سيناريو فيلم خيالي او في الحد الأدنى امام "بروباغندا" في الحرب النفسية والإعلامية، لهذا سأراعي خلال ورود المعلومات ان اكون حريصًا على الحقيقة المرتبطة بالمفاجآت، وهي في المناسبة تلامس الحد الأدنى ممّا يمكن للمقاومة ان تفعله في اي مواجهة محتملة قادمة.

تتزامن الذكرى الـ17 للتحرير هذه السنة مع تطورات كبيرة على المستويين السياسي والميداني.

في البعد السياسي، شهدنا قبل أيام ولادة حلف أميركي – صهيوني – وهّابي وهو الإسم الحقيقي لقمّة اسموها "القمّة العربية الإسلامية الأميركية"، اعلنت بوضوح عداءها لحلف المقاومة ولم تُخفِ نواياها العدوانية المغلفّة بالحرص على تعميم السلام والقضاء على الإرهاب.

في الجانب الميداني، تشهد الميادين العراقية والسورية بشكل خاص عمليات عسكرية خاطفة وسريعة بمواجهة تنظيم "داعش"، حيث شارفت عمليات الموصل على دخول مراحلها النهائية بموازاة ارتفاع وتيرة العمليات في القيروان والبعاج، وهي عمليات ترتبط في بعدها المباشر بتنظيف الأراضي العراقية من الإرهاب لكنها تتجه في بعدها الأهم نحو السيطرة على خط الحدود بين سوريا  والعراق وربما اكمال العمليات في الأراضي السورية للإلتقاء مع وحدات الجيش السوري والقوات الرديفة التي تنفذ هذه الأيام عمليات سريعة وخاطفة ايضًا في مناطق مختلفة من البادية السورية، حيث ستصل هذه العمليات قريبًا الى مرحلة رسم خط الجبهة المتماسك للإنطلاق في عمليات شاملة نحو دير الزور ونقاط مختلفة على خط الحدود.

امّا الإشارة الى البعدين السياسي والميداني في الكلام عن مفاجآت المقاومة، فلأنّ المقاومة وقوات رديفة أخرى تعمل في الجبهات السورية جنبًا الى جنب مع وحدات الجيش السوري، ولم تعد معركة المقاومة كقوة اثبتت حضورها وفاعليتها في البعد الإقليمي محصورة في الجبهة اللبنانية رغم اهمية الجبهة اللبنانية وتماسها مع فلسطين المحتلة، اضافة بالطبع الى تصاعد ونمو حالة المقاومة كنموذج في مناطق الجنوب السوري والتي لا تزال المعلومات عنها ضئيلة جدًا وهو العامل الأكثر اقلاقًا للعدو الصهيوني حيث السريّة هي المفاجأة الأكبر في اي مواجهة محتملة قادمة، اضافة الى المهام الإضافية المطلوبة في تحصين جبهات محور المقاومة بما يرتبط باعلان الحلف الأميركي – الصهيوني – الوهابي الذي سيوسع نطاق عدوانه وربما يأخذ الأمور الى مستويات قد تدفع بالأمور الى المواجهة الشاملة.

وان كان حضور المقاومة في الميدان السوري لا يتجاوز الـ10 % من عديد المقاومة، فإن هذا الحضور شمل كامل العديد البشري للمقاومة من خلال الخدمة التبادلية للقوات الخاصة وقوات التعبئة.

وفي اطلالة سريعة ستقتصر على العناوين، سأورد بعضًا من قدرات المقاومة في الجبهة اللبنانية على المستويات المختلفة.
1-    في العديد البشري:
أ‌- في العمليات الدفاعية اضافة الى الخبرات التي تمتلكها المقاومة اللبنانية في تنظيم الدفاع الذي كان يعتمد على التحصين والأنفاق وقتال البقعة، وهي عمليات كانت موكلة بشكل اساسي الى القوات الخاصة في المقاومة التي لم يكن عديدها يتجاوز عام 2006 الـ3000 مقاتل، في حين ان الخبرات المتنامية التي تم اكتسابها في العمليات داخل سوريا مكّنت المقاومة من تعميم الخبرة على قواتها الخاصة التي تشير بعض المعلومات الى ان عديدها بات يبلغ حوالي 20 الف مقاتل، اضافة الى عناصر التعبئة الذين يناوبون بشكل دوري في الجبهات السورية والذين يقارب عددهم 60 الف مقاتل بخبرات لا تقل اهمية عن خبرات القوات الخاصة. وعليه، يمكن القول ان تنظيم العمليات الدفاعية لم يعد مقتصرًا على خطوط التماس المباشرة بالقرب من ممرات الإقتراب الإعتيادية التي تسلكها المدرعات الصهيونية، بل تعداه ليصل الى الخطوط الخلفية في عمق الجنوب والبقاع، حيث يمكن احباط اية مغامرات ناتجة عن عمليات انزال خاطفة حاول العدو تنفيذها خلال عدوان 2006 في بعلبك ولم يفلح حينها رغم الفارق بالإمكانيات، اضافة الى ان نمو وتصاعد عديد السرايا اللبنانية لمقاومة الإحتلال سيمكن المقاومة من التعامل مع اي مفاجآت أمنية خلف خطوط الجبهة يمكن لعملاء مرتبطين بالمخابرات المعادية محاولة تنفيذها، اضافة الى كفاءة الأمن الوقائي للمقاومة في التعاطي مع الجماعات الإرهابية المرتبطة بالكيان الصهيوني مع الإشارة الى خبرات كبيرة نشأت بما يرتبط بالتخزين والإمداد وعمليات الإخلاء والإيواء، وغير ذلك مما تتطلبه المواجهة.

ب‌-     في العمليات الهجومية: لم يعد سرًّا امكانية تنفيذ عمليات هجومية محدودة على قطاعات مختلفة من الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، والدليل على امكانية تنفيذ هذه العمليات هو تشكيل فرق خاصة في الجيش الصهيوني لمراقبة ومتابعة امكانية وجود انفاق عبر آليات وتقنيات خاصة لم تستطع حتى اللحظة اكتشاف اي نفق، وهو لا يعني عدم وجود انفاق حيث يمكن حفر الأنفاق على اعماق كبيرة اذا ما توفرت آلات الحفر الحديثة، وهو أمر لا جدال فيه بالنظر الى قدرات المقاومة وخبراتها في مجال التحصين والتمويه والمناورة، مع الإشارة الى ان حفر الأنفاق لا يشكل عاملًا ضروريًا حيث يمكن القيام بتنفيذ عمليات اختراق سريعة وخاطفة من خلال تفجير ممرات في الجدار الفاصل ودفع القوات عبر الدراجات، ومنها نماذج رباعية العجلات شاهدناها في عرض القصير العسكري والتي يمكن تركيب اسلحة خفيفة ومتوسطة عليها بما فيها صواريخ مضادة للدروع يمكنها شل قدرة المدرعات الصهيونية في نقاط الحدود ومنع الارتال في التجمعات من تنفيذ عمليات الإقتراب حيث ستكون عرضة للإصابة والتدمير، عدا ان اكثر من مستوطنة بالقرب من الحدود ستكون بمثابة مناطق مطوقة وهو ما سيزيد مستوى الصدمة والإرباك في صفوف العدو وخصوصًا قيادته. وعن امكانية تنفيذ هكذا عمليات، فالأمر متاح نظرًا لعدم حاجة المقاومة الى التحشيد المسبق حيث ستكون الآليات الصغيرة الرباعية الدفع هي وسائط النقل والقتال المباشرة وقوة تنفيذ الصدمة الأولى.

2-    في التسليح:

أ‌-    كانت الصواريخ المضادة للدروع المفاجأة الكبيرة التي احدثت الصدمة لدى القيادة الصهيونية، حيث كان سلاح المدرعات الصهيوني فريسة لهذه الصواريخ خصوصًا في وادي الحجير وسهل الخيام حيث تم تدمير لواء مدرعات كامل (91 دبابة) اضافة الى 9 جرافات T9 وست عربات قيادة واشارة، وحينها كان عدد منصات المضاد للدروع من طراز كورنيت محدود جدًا مقابل ارتفاع كبير في عدد المنصات والحديثة منها التي يصل مداها النهاري الى 8 كلم والليلي الى 5 كلم، ما يعني ان المدرعات الصهيونية ستتعرض للتدمير وهي خارج مداها الناري الأقصى الذي يصل الى 4 كلم حيث ستصاب قبل دخولها بقعة الإشتباك والصدمة، اضافة الى ان مضادات الدروع القريبة المدى من طراز RBG-29  باتت ضمن تسليح المجموعات ما يعني ان دبابات ومدرعات العدو لن تمتلك قدرة المناورة وستكون ضمن مدى الكمائن القريبة في بقع الإشتباك التي ستُجّر اليها.

ب‌-    خلال عدوان 2006 لم تكن الكاميرات الحرارية موجودة بما يسمح باستطلاع محاور التماس ونقاط الإقتراب والممرات بينما تتوافر الآن باعداد كبيرة، اضافة الى اجهزة الرؤيا الليلية على مستوى المجموعات والأفراد ما يرفع قدرات الإشتباك الليلي ويُلغي تفوق عناصر القوات الخاصة الصهيونية ويساعد بشكل كبير امكانيات نصب الكمائن الليلية ووضع قوات العدو في بقع القتل.

ت‌-    توفر اجهزة اتصال وتنصت وتشويش حديثة ستواكب عمليات القوات الهجومية، بينما تم تحديث شبكة الإتصال الأرضية وقدرات التحكم بها بشكل كبير لمواكبة عمليات الدفاع.

ث‌-    ارتفاع عدد صواريخ المقاومة متوسطة وبعيدة المدى بما يضمن وصولها الى كامل ارض فلسطين المحتلة ويشل قدرة منظومات الصواريخ المضادة اذا ما تم اطلاق الصواريخ برشقات، وهو ما سيحصل عدا ان بعض انواع الصواريخ لا تلتقطه الرادارات وستثبت الأيام ذلك بما يضع القيادة الصهيونية في اقصى حالات الإرباك، علمًا ان هذه الصواريخ تطال "تل ابيب" وغالبية المدن الكبرى وخصوصًا المطارات العسكرية والمدنية التي ستكون خارج الخدمة طيلة فترة المواجهة، وهو ما يعني عمليًا تدني قدرات سلاح الجو الصهيوني بشكل كبير مع الإشارة الى صواريخ ارض – بحر التي ستشل الملاحة البحرية واي شكل من اشكال العمليات البحرية.

ج‌-    امتلاك المقاومة لأسراب من الطائرات بدون طيار وعدد كبير منها بات مسلحًا بصواريخ موجهة تم استخدام اعداد قليلة منها في سوريا والجرود اللبنانية، اضافة الى اسراب من انواع اخرى محملة بالمتفجرات يمكن توجيهها بدقة الى اهدافها مع امتلاك المقاومة لأعداد كبيرة من الطائرات الصغيرة التي ستواكب المجموعات الصغيرة في عمليات الاستطلاع والدفاع والهجوم.

ح‌-    الصواريخ المضادة للطائرات لم تعد مقتصرة على الصواريخ المنطلقة من الكتف، بل تؤكد حتى المراجع الصهيونية ان الطيارين الصهاينة تعرضوا اكثر من مرة لعمليات الإطباق الراداري لثوانٍ محدودة، وهذا يعني ان انظمة المتابعة الرادارية كانت تُشغّل وتُطفأ سريعًا اما في عمليات تدريب او عمليات اطباق مقصودة يكفي بعدها اطلاق الصواريخ لتصيب اهدافها، وان كنا في هذا الجانب لا نريد الذهاب بعيدًا في وجود منظومة دفاع جوي متكاملة، فأقله يمكن لعدد من عربات الدفاع الجوي ان تعقد العمليات الجوية التي ستكون محدودة اذا ما تعرضت المطارات الصهيونية للقصف الا اذا تم استخدام حاملات الطائرات الأميركية ومطارات الأردن كقواعد بديلة للمطارات الصهيونية.

ختامًا، يبقى ان العامل الأهم من عوامل الإنتصار هو توفر ارادة المواجهة والقتال، وهي برأيي أهم مكامن القوة التي استطعنا من خلالها ان نصمد ونغير قواعد الإشتباك التي ستتغير تصاعدًا لمصلحتنا الى ان يحين اوان المواجهة التي تبدو غير قريبة بالنظر الى ميزان القوى الحالية القائم على توازن الرعب.

بيروت برس