روسي في البيت الأبيض. بقلم: سميح صعب

روسي في البيت الأبيض. بقلم: سميح صعب

تحليل وآراء

الجمعة، ١٢ مايو ٢٠١٧

 بينما كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يدخل البيت الأبيض للقاء الرئيس دونالد ترامب، كان وزير الدفاع الأميركي الجنرال جيمس ماتيس يتفقّد وحدات حلف شمال الأطلسي المنتشرة في ليتوانيا في مواجهة روسيا، في رسالة مُفعمَة بالدلالات العسكرية والسياسية. الولايات المتحدة تعيش منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض حالاً من "الروسيا فوبيا". مسؤولون على مختلف المستويات متّهمون بإجراء اتصالات مع الروس. بدأت القائمة بالجنرال مايكل فلين الذي عيّنه ترامب مُستشاراً لمجلس الأمن القومي ثم ما لبث أن استقال بعد أسابيع، تحت وطأة الضغوط التي تعرّض لها، بعدما تبيّن أنه كذب على نائب الرئيس مايك بنس عندما أبلغه أنه لم يناقش مع السفير الروسي لدى واشنطن سيرغي كيسلياك، مسألة رفع العقوبات التي فرضها الرئيس السابق باراك أوباما في آخر إيام ولايته على الكرملين، بعد تقارير اتّهمت روسيا بانتهاك البريد الالكتروني لقيادة الحزب الديموقراطي، ما كان له انعكاساً سلبياً على حملة المرشّحة الديموقراطية هيلاري كلينتون وتالياً خسارة الانتخابات لمصلحة ترامب.

والمسألة لم تنتهِ عند هذا الحد، إذ أن لجان الكونغرس تواصل تحقيقاتها في شأن احتمال تورّط شخصيات أميركية أخرى في العلاقة مع الروس وسط صغوط لتوجيه اتّهامات جنائية لفلين، الذي يسعى ترامب يومياً إلى النأي بنفسه عنه. وقبل أيام عاد أوباما ليُدلي بدلوه في القضية قائلاً إنه حذّر ترامب خلال المرحلة الانتقالية بين العهدين، من تعيين فلين مستشاراً لمجلس الأمن القومي بسبب الاشتباه في علاقته مع الروس. ولم يتأخّر ترامب بالرّد، فكان قراره المُفاجىء بإقالة مدير مكتب التحقيقات الفيديرالي "إف بي أي" جيمس كومي، الرجل الذي يقف خلف الدفع بالتحقيقات في علاقة رجال ترامب مع روسيا.

لكن هل من رابط بين استقبال لافروف في زيارة هي الأولى لمسؤول روسي على هذا المستوى إلى واشنطن منذ أكثر من سبعة أعوام، وبين إقالة كومي؟ وهل يمكن اعتبار التخلّص من كومي إشارة إيجابية إلى عزم الرئيس الأميركي الجديد فتح صفحة جديدة في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا؟ ولا شكّ في أن تسارع التطوّرات يستدعي أسئلة أخرى حول الاتجاه الذي ستتّخذه العلاقات الأميركية-الروسية بعد زيارة لافروف.    

إن جولة ماتيس على الجبهة الأمامية لحلف الأطلسي مع روسيا، تحدّ كثيراً من الإفراط في التفاؤل بإمكان تصحيح قريب للعلاقات الأميركية-الروسية. ولا يمكن النظر إلى الحشود الأميركية والبريطانية والأردنية تحضيراً لتوغّل مُحتمَل في الجبهة الجنوبية لسوريا، إلا من زاوية التصعيد مع روسيا وإيران على أبواب زيارتي ترامب إلى السعودية وإسرائيل في وقت لاحق من الشهر الجاري. فالتصعيد في الجبهة الجنوبية من شأنه أن يُعطّل أية مفاعيل إيجابية لمذكرة أستانة 4 ، التي وقّعتها روسيا وإيران وتركيا لإنشاء مناطق "تخفيف التصعيد" على الأراضي السورية، مُقدّمة لترسيخ الاستقرار وتوحيد الجهود لمقاتلة "داعش" و"جبهة فتح الشام" (النصرة سابقاً)، فضلاً عن تعزيز وقف النار بين الحكومة السورية وفصائل مُسلّحة في مُقدّمها "جيش الإسلام".

ومعلوم أن واشنطن رحّبت بحذر بمذكرة أستانة 4 وراهنت على أن "شياطين التفاصيل" عند الانتقال إلى مرحلة التطبيق، ستكون كفيلة بنسفها. وإذا كانت إدارة ترامب تجنّبت الرفض الصريح للمذكرة، فإن قرارها تسليح أكراد سوريا مُقدّمة لتحرير مدينة الرقة من "داعش" والاستغناء عن الدور التركي في المعركة المقبلة، ربما يؤشّر إلى عدم رضا أميركي عن مشاركة أنقرة في التوقيع على المذكرة إلى جانب روسيا وإيران. كما أن الولايات المتحدة لا تنظر بتسامُح إلى المفاوضات التي تجريها تركيا، الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي،  لشراء منظومة صواريخ أرض-جو روسيّة الصُنع من طراز "إس-400".

ولا بدّ من التوقّف أيضاً عند مسألة السِباق الذي يخوضه التحالف الدولي للإمساك بالحدود العراقية-السورية، في سياق تصعيد الضغوط الأميركية على كلٍ من روسيا وإيران.

وقُصارى القول إن إدارة ترامب تُرسل إشارات مُتناقِضة نحو روسيا. فهي على حد تعبير ماتيس نفسه، تريد حلّ القضايا العالِقة مع موسكو بواسطة الدبلوماسية، لكنها لا تبدو مُستعدّة للتخلّي عن خيارات القوة من سوريا إلى أوكرانيا وحتى كوريا الشمالية، التي يُنقّب مسؤولون أميركيون ووسائل إعلام غربية عن المُعطى الروسي في التوتّرات التي تشهدها شبه الجزيرة الكورية، وسط سيل من الإشادات بالدور الصيني الذي كان في رأي واشنطن عاملاً مساعداً على خفض منسوب التوتّر.     

المصدر: الميادين نت